محمد الأمين بحري، أستاذ محاضر بكلية الآداب واللغات (قسم الآداب واللغة العربية) بجامعة ”محمد خيضر” ببسكرة، متحصّل على دكتوراه في النقد الأدبي، له عدّة إصدارات من بينها ”ترجمة كتاب الماركسية” لروجيه غارودي، و«البنيوية التكوينية من الأصول الفلسفية إلى الفصول المنهجية”.. شارك مؤخرا في الملتقى الدولي الذي نظمته جامعة البليدة 2 حول الرواية الجزائرية المعاصرة، التقته ”المساء” وأجرت معه هذا الحوار. قدمت في إطار المهرجان الدولي للرواية المعاصرة الذي نُّظم مؤخرا بالبليدة، مداخلة حول ”البعدين المحلي والعالمي في الرواية الجزائرية”، هل لك أن تقدّم ملخصا حول هذا الموضوع المهم؟ نحن اليوم أمام مستجدات في عالم الرواية، من بينها ظهور روائيين من عالم الإعلام، مثل عز الدين ميهوبي والخيّر شوار، وهو واقع جديد علينا من الضروري أن نستشرف آفاقه، وتناولت مجموعة من الروائيين الطموحين للعالمية، من بينهم واسيني الأعرج، كما أخذت نموذجا عن الرواية المحلية في صورة أحلام مستغانمي. عندما أقول ”محلية” أقصد بها لسان الروائي الذي يتكلّم عن البيئة الجزائرية، الذهنية، العادات والتقاليد، ففي رواية أحلام مستغانمي، نجد كلّ ما هو محلي ومرتبط بالهوية الوطنية والشخصية الجزائرية، وكذا عادات، تقاليد وخصائص المجتمع الجزائري التي لا يعرفها الآخر، بالتالي هي خصائص البيئة المحلية التي تخاطب باللسان المحلي، مثل حديث العجائز، الفرقاني والجبة القسنطينية، وهي الأشياء التي كان لها فضاء كبير في الرواية، على عكس واسيني الأعرج الذي يتكلّم في أعماله عن سوناتا، أوبيرات ودور عرض أزياء، حتى أسماء شخصياته ”لوليتا” مثلا، هل هو اسم عربي؟ هل هو اسم جزائري؟. حينما نقرأ رواية ”أصابع لوليتا” لواسيني الاعرج ونقارب على نهاية الرواية، نكتشف أنّ لوليتا اسمها الحقيقي ”نوّة”، وهو اسم جزائري عريق، لكن لحداثة العصر أعطاها اسم لوليتا، ليتغلّب اللقب المستعار على الاسم الحقيقي، بحكم أنّ الرجل يتوجّه نحو الآخر، كما نقرأ في الرواية أن لوليتا عارضة أزياء تتصدّر صورتها غلاف المجلات العالمية وهي في الأصل عربية، بالتالي كيف رسم المرأة العربية التي تتزيّن بروائح الماركات العالمية، وهنا تقول البطلة؛ ”بعت شفتيّ لشركة ماكياج يابانية، وبعت ساقي لشركة جوارب إيطالية، وبعت جسدي بالتقسيط، ثم بعته بالجملة”، يعني أنّ الكاتب يتوجّه إلى معيار عالمي في الكتابة. في النهاية، طرحت سؤالا؛ ”هل إذا تكلّمت بلغة الآخر ستحقّق العالمية؟، والأجنبي إذا كلمته بلغة يعرفها هل هذا يؤدي بك إلى العالمية؟ أم أنّ الكتابة بالذات إلى جانب الشخصية، الهوية والثقافة المحلية هي التي ستؤدي إلى العالمية؟”، وأعطيت أمثلة عن نجيب محفوظ حينما كتب رواية ”أولاد حارتنا” وهي محلية، وأيضا ”الحرافيش”، ”زقاق المدق”وغيرها، كلّها تضمّ أشياء محلية، أخذ بها ”جائزة نوبل”، لماذا؟ لأنّ الآخر، الغريب لا يعرف هذه التقاليد، جاءته كمفاجأة، دهشة وغرابة، وهكذا اكتشف أنّ أناسا يعيشون في هذه الأرض لهم طقوس، عادات وتقاليد مختلفة، وهكذا أبهر نجيب محفوظ العالم، بينما الآخر إذا كلّمته بلغة يعرفها فلن يندهش، أن تتكلّم عن ماركة عطور وملابس وأوبيرات وأغنية جاز معروفة فلن تبهره.
هل تقصد بكلّ صراحة، أنّ الكاتب واسيني الأعرج يكتب بنية التوجّه إلى الجمهور العالمي؟ نعم، هو قال ذلك في لقاء جمعنا، حينما كنت ناقدا لأعماله بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (وهران)، طرحت عليه مثل هذه الأسئلة، ورّد عليّ بالإيجاب والحوار مسجّل لدي، حيث قال لي أنّه يكتب للآخر والآخر هو الذي يحدّد له ماذا يكتب، مثل القضايا التي كتب عنها، كالإرهاب الأصولي وبرجي منهاتن، والتي عرف بها رواجا إعلاميا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، كما نعلم أنّ الرواية التي تحقّق رواجا إعلاميا هي التي تحقّق أكثر مبيعات، وللأسف مطابع اليوم تطبع أسماء مروجة إعلاميا ولا تطبع شيئا آخر، واسيني ذكي وقال لي: ”حقّقت النجاح بهذه الوسيلة ولا أخنق نفسي في عادات وحنة وعرس وقصعة”.
لكن أليس من الأجدر أن يكتب الكاتب بعفوية وبدون نية مسبقة؟ هذا من حيث الفكرة، لكن صدقيني هناك توجّهات إيديولوجية تقف وراء الأقطاب وأطراف تقف خلف الروائي، حقيقة يعجبني واسيني ولغته الروائية وقمت في ملتقى بورقلة نظّم خصيصا له بتقديم مداخلة حول روايته ”أصابع لوليتا”، لكن أؤكد أنّه كتب رواية ”الأمير” تحت الوصاية، نعم، طُلب منه أن يكتب عن شخصية الأمير وعلاقته بمونسنيور دوبوش، فكتب بطلب من بعض الأطراف، وطلب منه أيضا في رواية ”البيت الأندلسي” أن يعيد بعض المقاطع التي ذكرها في الروايات السابقة، وفعل. ألا تلاحظين أنّ أعماله الأخيرة أصبحت ذات حجم كبير، الأمر أصبح استهلاكا إعلاميا، أنا أحيي هذا الرجل العامل ليلا نهارا.. لكن لا أخفي عنه إطلاقا كناقد النوايا المسبقة في الكتابة، يعني ليست بتلك التلقائية التي تتصوّرينها، هناك أطراف تؤثّر والعالم فيه مال، تجارة، أرباح، لوبيات وصراع، الرجل يصارع على مستويات عليا وله أعداء في حرب يخوضها بالرواية، وقد أحسن تسيير معركته وفاز، كما أعترف به، لكن لا أعتقد أبدا أنّ الروائي يكتب بتلك المثالية التجريدية.
عودة إلى الكتابة عن البيئة الداخلية والعالمية، هل تؤكّد صحة المقولة التي تتحدّث عن أنّ الروائي يجب أن يكتب عن بيئته المحلية كي يصل إلى العالمية؟ لا أريد أن أعطي نصيحة للروائي أو أعلّمه كيف يكتب، مهمتي تتلخّص في شيء واحد عندما أقرأ عملا، أصنّفه إن كان رواية أم لا، ومنذ قليل كان معي الكاتب سمير قسيمي الذي قال لي بالحرف الواحد؛ لا أعرف إن كان ما أكتبه رواية أم لا.. على الكاتب أن يتوجّه إلى الناقد قبل نشر عمله والآن عندي فوق طاولتي خمسة أعمال أحدّد إذا كانت رواية أم لا، الروائيون يسعون إلينا لنثبت أنّ عملهم رواية أم لا، وماذا يكتبون، أو كيف يكتبون، مسألة تخصهم شخصيا.
ماذا تعني ب”غير رواية”؟. كل عمل لا يملك هيكل ومعمار الرواية، قد يكون العمل عبارة عن كلام عاد وتنفيس، الرواية لها ضوابط وتقنيات تختلف عن تقنيات السينما مثلا، لأنه حتى تحويل الرواية إلى فن سابع يرجع إلى تقنيات الرواية في حد ذاتها، بالتالي إعطاؤها بعدا عالميا هو التحرّك الإعلامي للرواية حينما تتحوّل إلى فيلم، وهناك أعمال قد تتحوّل إلى أفلام، كما أن أخرى تفشل سينمائيا لتقنيات خاصة بالرواية، لذلك نحافظ كثيرا على وفاء الرواية لتقنياتها. من خمسة أعمال على طاولتي، صادقت على واحدة، وهي رواية ”الجنرال” للأستاذ محمد كامل بن زايد -كاتب ناشئ- تحتوي على الخصائص الجوهرية للرواية، من بينها المعمار الذي قوّم به العمل الروائي الذي أشبهه بالهيكل العمراني، وهنا أقول؛ إذا كان البناء لا يحتوي على ”عرصات” ولا أساس، كيف يمكن أن يشيّد؟ نفس الشيء بالنسبة للرواية إذا لم تبن على أساس، فلا يمكن أن أصادق عليها. في المقابل تأثّرت بحادثة وقعت لي مع الكاتب الكبير الطاهر وطار الذي طلب مني وأنا طالب في الدكتوراه، أن أطلّع على عمله ”الرمانة” وأرى إن كان رواية أم لا، وتأثّرت كثيرا بتصرّف هذا الكاتب الكبير فقلت له ؛”عندك عبد القادر بوزيدة، محمود يحياتن وبورايو وتقصدني؟”.. أعتقد أنّ كلمة عمي الطاهر هي التي دفعت بي إلى التخصّص في هذا المجال بعد الدكتوراه.
تريد أن تقول أنّ هناك تواصلا كبيرا بين الكُّتاب والنقاد؟ شخصيا أتواصل مع العديد من الروائيين في العاصمة، عنابة، الوادي وغيرها وأتنقل بصورة مستمرة إلى الولايات، كما أتلقى زيارات الكُّتاب في بسكرة ونتواصل عبر الفايسبوك والرسائل الإلكترونية ونتناقش.. لا يستطيع الروائي إذا كان يفهم مهنته، حقيقة أن يصدر عمله من دون أن يستشير النقاد، فالرواية فعل خطير جدا، نعم خطير أن تكتب مغامرة وتبعثها إلى المطبعة، ومن السهل أن أبعث عملا ما إلى المطبعة لكن هل هو رواية؟، كما ذكرت سابقا، قال لي الكاتب سمير قسيمي بأنّه يخاف ويصيبه الرعب كلّما أكمل عملا أدبيا، فقد يبعث فضيحته على الملأ، لهذا أقول بأنّه يجب أن تُرسل الأعمال إلى النقّاد كي يقوموا بعملهم حتى من ناحية التقويم اللغوي، فالروائي يكتب، وقد يكتب بأخطاء، ونحن نوجّههم بتوجيهات فنية أو تقنية، كأن أقول له بأن هذا المقطع في غير مكانه أو أن المشهد تكرّر مرتين.
(أقاطعه).. مخرج روائي؟ مخرج روائي، نعم هي لفتة إبداعية منك، فالمخرج حينما يأتيه السيناريو يقوم بترتيب المشاهد، وأحيانا يأتيني عمل مختلط، لو ينشر فإنه يسبّب فضيحة لصاحبه.
ربما إبداع، تجديد وليس خلطة؟ كيف يمكن التفرقة بين ما هو إبداع وما هو مجرد خلطة لا معنى لها؟ يقول مثل صيني؛ ”أعطيني خطأ ممنهجا مرتبا أحسن من أن تعطيني صوابا مختلطا”، تعطيني فكرة صائبة لكن لا أفهمها، أعطيني فكرة خاطئة لكن مرتبة.. أحيانا تأتيني أعمال انطلاقا من فكرة عبقرية، لكنها مختلطة، صاحبها لم يحسن ترتيبها وليس عنده منهج، مهنيا لا تصح، فحينما نقرأ رواية يجب أن نعرف البداية، الوسط والنهاية، لا تأتيك البداية في الوسط.
قد يبدأ الروائي بالنهاية، ثم يعود إلى الوراء، أين المشكل؟ أضع نفسي في مكان القارئ النموذجي وأحيانا أتخلى عن حمولتي الثقافية والمعرفية وأجعل نفسي في مكان القارئ البسيط جدا الذي جاءته هذه الرواية، من هنا أبدأ في ترتيب الأمور، إذا تعذر علي فهم أي شيء، فأضع علامة وهكذا، ثم أجمع تلك الملاحظات وأطابقها بنظرية الرواية أو بالمبادئ النظرية للرواية، وعندما أطلق عملا من يدي أستطيع أن أثبت لك أنّه إذا كانت فكرة العمل عبقرية تذهب إلى العالمية، فحتى عندما يقرأه الغربي يراه ممنهجا، ويبقى نجاح أو عدم نجاحه بالنسبة للروائي وليس لي.. أعطيه هذا الإطار وإذا كانت ناجحة تلح العالمية ممنهجة، لكن أقول لك بأنّ أيّ عمل مختلط وغير مضبوط منهجيا أو تقنيا حتى ولو كانت فكرته عبقرية لن يذهب إلى أي مكان.
ربما سيبتكر نظرية جديدة في الرواية؟ مستحيل، لأن النظرية ليست من اهتمام الروائي.. فهو مبدع.
إبداعه قد يؤدي به إلى استخراج شكل جديد في الرواية؟ لا يمكن، فالنقد الروائي يتطلّب تكوينا بعيد المدى، تكوينا عاليا.. الروائيون لم يتكوّنوا نقديا ولا يعرفون غريماس ولا تيودوروف مثلا، والمناهج تتطوّر وتتغيّر باستمرار.. أصدرت كتابا في نقد النقد عنوانه ”البنيوية التكوينية من الأصول الفلسفية إلى الفصول المنهجية”، وهو آخر عمل لي حول دراسة في نقد النقد، وطلبه مني عدد كبير من الروائيين، ومنذ قليل أخذ نسخا منه كل من محمد ساري، محمد مفلاح وسمير قسيمي، فهم يريدون معرفة تقنيات العمل الروائي ويكتبون الرواية، يعني يحتاجون إلى حمولة نظرية لكي يكتبوا بها الرواية، والعمل أصدرته خصيصا للروائيين لأنّه ليس لدي الطاقة في التواصل بشكل يومي معهم.
هل تصادق على الأعمال الروائية بمقابل مادي؟ لا أبدا، أنا أستاذ أكاديمي أتلقى مقابلا ماديا من الجامعة الجزائرية، لا ينقصني شيء والجزائر أعطتني الكثير منذ ولوجي المدرسة إلى الدكتوراه (تخصّص نقد)، وحان الأوان لكي أخدم بلدي من خلال الرواية، وأفرح حينما أكون في اتصال مع روائي حقّق العالمية بعمل كنت مشاركا في تقويمه.. أنا لا أطلب مقابلا أبدا ولا أحب من يقوم بذلك في عمل استشارة نقدية، بل شرف لي أن أقرأ رواية جزائرية وصلت إلى العالمية، كما أنّ علاقتنا طيبة جدا مع الروائيين والإعلاميين والتلفزة، وفي هذا السياق، لديّ مشروع مع قناة تلفزيونية، يتمثّل في إعداد سلسلة حول الإبداع ولغة الرواية.
تشاركون في ملتقى ”الرواية الجزائرية المعاصرة” كناقد مختص، ماذا يقصد بهذا الشعار؟ الرواية الجزائرية المعاصرة هي الألوان الحديثة التي ظهرت.. في الحقيقة لا نسميها رواية جزائرية معاصرة بل يقصد تحديدا رواية ما بعد التسعينيات، يعني ما بعد الأزمة، وظهور ”الرواية الاستعجالية” التي رُفضت نقديا، وبدوري رفضتها انطلاقا من موقعي، كما فعل الناقد رشيد كوراد الذي لا يوجد من يعترف به من النقّاد.. إما أن تكون رواية أو لا تكون، الاستعجال لا يقدّم رواية لأنّه يخترق بنيات العمل الروائي، وشخصيا ما يدخل في باب الرواية أقول عنه رواية، يقال لي؛ ”استعجالي” أقول؛ اكتبوا شيئا آخر، اكتبوا قصة مثلا.. لماذا استعجالي؟ لأنّه بصمة جيل العصر الذي لا يملك ثقافة ولا مقروئية، فليس له وقت لكي يقرأ، أنا أدرّس الطلبة في جامعة بسكرة وحينما أسألهم عن أحلام مستغانمي، أغلبهم شاهدوا مسلسل ”ذاكرة الجسد” ولم يقرأوا الرواية. هل يمكن أن يكتب رواية من لم يكن مطلعا على هذا الجنس الأدبي؟، مشكل المقروئية مطروح بشدة وشخص لم يقرأ أكثر من أربع روايات يريد أن يصبح روائيا!، رفضت أعمالا لأنّ أصحابها لا يقرأون، يأتيني شخص معين بعمل يقول لي بأنّه طالع في حياته روايتين أو ثلاث.. يا رجل يجب أن تبدأ من ”ألف ليلة وليلة”، وتقرأ الأدب اللاتيني والروسي، كيف يكتب رواية من لم يقرأ دوستوفيسكي وتولستوي وفلوبار وغارسيا ماركيز؟، إذن أنت محصلة لثقافتك فقط. هذا الجيل الذي لا يقرأ أعتقد أنّه فرض علينا أمرا واقعا، سماه رواية جديدة، لا تعتمد على كثرة القراءة، بل على شطحات ذهنية نرى فيها كلام فايسيبوكي إعلامي وشات (دردشة)، تلقيت عملين واحد بعنوان ”شات” والثاني ”زابينغ” (التغيير المستمر)، وقلت أنّ صاحب عمل ”الشات” ذكي فعلا، فالشات لا يتطلّب موسوعة قرائية وثقافية حتى ”زابينغ” بذهنية ”أنا لست مثقفا وأكتب إذن لإنسان غير مثقف”، ربما فعلا تعكس روح العصر وما هو واقع الآن.. فالناس لا يقرأون.لقد تابعت أحداث مسلسل ”الحريق” لكنّني لم أقتنع حتى أتيت بثلاثية محمد ديب وقرأتها، ثم عرفت تلك المسافة الفاصلة بين السينمائي والروائي، هذا الجيل لا يفعل ذلك فهو لا يقرأ، لا يتعب نفسه.. قراءة كتاب يتطلّب منه أياما وهو لا وقت لديه.
هذا الجيل يكتب أعمالا تشبهه، أليس كذلك؟ نعم، أحترم آراء هذا الجيل الذي يكتب رواية تشبهه (استعجالي،أنا مستعجل)، يكتب عملا مستعجلا لكن بدوري أقول بأنه ليس رواية، لا يحق أن تسمى كذلك، بل سميها ”أدبا استعجاليا” أنا معك، لكن ليست رواية، لأن لهذه الأخيرة نظرياتها وقوانينها، وما يدهشني أكثر ”الرواية الإلكترونية”.. هذه غرابة، لماذا سميت ب”رواية” هل لديها نظرية حتى سميت كذلك؟، أعطيك كتابا فيه نظرية رواية لن تجد شيئا من ”الرواية الإلكترونية”، لماذا لم تطلق عليها تسمية شعر أو سينما أو غيرها؟. في النهاية نحن الآن في عصر تشهد فيه الرواية اختراقات فظيعة، فكلّ من هبّ ودبّ يريد أن يكتب رواية ويكون في سمعة واسيني ومستغانمي، هؤلاء أناس تعبوا، جاهدوا، ناضلوا، تغربوا وتيتموا حتى كتبوا هذه الأعمال، ليأتي اليوم شخص يكتب شيئا ما ويسميه ”رواية”، يكتب في الأنترنت أو في كراسة ويسميها رواية!.. ما ذنب الرواية في ما يكتبون؟ جناية كبيرة في حق العمل الروائي، هناك أناس لا علاقة لهم بالرواية، بأي حق سميتموها رواية إذا كان هذا العمل لا يخضع لا نظريا ولا عمليا لها؟.
ماذا يترجم ذلك إذن؟ يترجم هذا أنّ هؤلاء الناس يحبون الرواية ويطمحون إلى أن يكونوا روائيين، لأنّ للرواية صدى إعلاميا أكثر من الشعر حاليا، لكن لا يمكن أن يحدث ذلك عندما لا تكون هناك مقروئية، فلا يمكن أن تتقابل هذه المتناقضات!، ”الرواية الإلكترونية”!! بأي حق سموّها رواية؟ متى أطلق على عمل ما تسمية رواية؟ في ظل معايير لنظريتها، أقيس بها تماما مثل معيار الدم، إذ هناك معايير تعرف بها فصيلة دمك، فإن للرواية معايير تقاس بها.
هل تؤمن بضرورة وجود خصوصيات للرواية الجزائرية بما أنّ نظريتها ثابتة؟ الرواية الجزائرية الآن أصبحت تظهر بألوان جديدة تماما، وما يعجبني في الروائيين المعاصرين أنهم أدخلوا فنونا أخرى فيها، واسيني الأعرج مثلا أدخل في عمله الموسيقى، فمن لم يستمع إلى موسيقى ”لاترفياتا” لفردي لا يستطيع أن يعرف حوار الشخصيات، وأحيانا عندما أقدم على قراءة ”سوناتا لأشباح القدس” أو ”أصابع لوليتا”، يجب أن أضع سوناتا فردي، لأنّ الرجل يتكلّم عنها كثيرا، كما وضع واسيني في عمل له صورة للوحة شهيرة (جورج دو لا تور) تحت عنوان ”ماجدلينا على ضوء المصباح”، فتجد نفسك تقرأ المقطع عن هذه الصورة وفي نفس الوقت تشاهدها منسوخة في الكتاب، هذا جديد، كما أن أحلام مستغانمي تذكرك بزوربا وأنتوني كوين.لقد استطاعا أن يدخلا فنونا متشعّبة إلى الرواية وهذا الأمر لا يوجد في الرواية العربية، الرواية الجزائرية لديها ألوان وخصائص تختلف عن العربية منها، أعطيك الدليل، حاليا العالم الغربي أصبح يلتفت كثيرا إلى الرواية الجزائرية، أكثر من أي رواية أخرى ويترجم ما كتب بالعربية، ساعدنا الكتّاب الذين كتبوا باللغة الفرنسية مثل محمد ديب وكاتب ياسين ومولود معمري، فصار الغرب ينظر إلى الرواية العربية أيضا، ولم يرد أن يقرأ فقط ما هو بلغته بل يهتم بالرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية، وفي هذا يقول؛ ”إذا كانت الرواية الجزائرية بمستوى كاتب ياسين ومحمد ديب فلا شك أن ما يكتبون باللغة العربية لغتهم الأم، في أكبر مستوى”، في المقابل كلّ ما يكتبه رشيد بوجدرة باللغة العربية يترجم إلى الفرنسية، نفس الشيء بالنسبة لأمين الزاوي وأحلام مستغانمي، وهذا الالتفات الغربي لا تحظى به الرواية العربية ونحن محسودون من قبل العالم العربي أمام ما سميته ب ”لاعبون روائيون محترفون فعلا”، يعرفون أيضا بتعدّد اللغات مثل محمد ساري الذي يكتب بالعربية والفرنسية ويمتلك ثقافة أمازيغية، أكيد سيعطيك ثقافة ثرية، بالتالي يعجبني هذا الأمر، هذه البوليفينة أو ما يسمى ب”حوارية الثقافات في عمل واحد”، الروائي الجزائري لديه ثراء ثقافي كبير وأصول متعدّدة ويكتب بكلّ اللغات، يستحق اهتماما من الثقافات الأخرى، لذا ظهرت ألوان عديدة من الرواية تتطلّب تنظيم ملتقيات، فالرواية تتطوّر كلّ يوم.. والطاهر وطار السبعينيات ليس الطاهر وطار الثمانينيات ولا التسعينيات، وواسيني لم نألف أن يكتب عن الفايسبوك، واليوم يخرج ب”مملكة الفراشة” وكلها عن الفايسبوك .
ذكرت عدة أسماء من الرواية الجزائرية تعيش في المهجر، هل النجاح خارج البلد أكثر نسبة من نظيره داخله؟ في الخارج يتمتّعون بمحيط إعلامي أحسن، ربما هؤلاء الروائيون يبحثون عن الأضواء أو أنّ حياتهم الشخصية قادتهم إلى هناك، ياسمينة خضرة غادر الجزائر إلى فرنسا ويكتب من هناك، فرنسا عالميا أكثر سمعا ورؤية ورواجا من الجزائر، مستغانمي ذهبت إلى لبنان، القوة الإعلامية العربية الأولى، حتى فضيلة الفاروق لما أرادت أن تكتب توجهت إلى لبنان وساعدتها أحلام، وهي من حكت لي ذلك قائلة بأنّ ”لو لا أحلام مستغانمي لما كانت روائية على الإطلاق”، إذن كل من يذهب إلى لبنان تسلّط عليه الأضواء، والآن الناس يريدون الرواج والإعلام الذي يغذي صورة الروائي وهذا من حقهم، فمن حق واسيني أن يذهب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتذهب أحلام إلى لبنان وهذا أمر طبيعي، المهجر ليس عيبا للروائي لأنّه أدى دوره في هذه البلاد كما ينبغي، ياسمينة خضرة أدى دوره كرجل عسكري، ثم تقاعد ومن حقه الشهرة وإبداعاته تصنّف في مستويات عليا، والروائيون الذين ذهبوا إلى المهجر ساعدوا الروائيين الطموحين والصاعدين، فأحلام مستغانمي أخذت بيد فضيلة الفاروق وواسيني أخذ بيد ياسمينة خضرة، وأؤكّد أنّ واسيني يساعد الروائيين الجدد كثيرا ويقدّم لهم خدمات مجانية انطلاقا من موقعه ويصعد بهم إلى منصة العالمية، والحمد لله، اليوم عندنا إسماعيل يبرير الذي ظفر بجائزة عربية مهمة هي جائزة ”الطيب صالح”، وهو لم يتخط عتبة الثلاثين، وهو فخر للجزائر.