تشير المختصة النفسانية جميلة حمادي المتكفلة بالعلاج النفسي للمدمنين بمركز الوقاية والعلاج النفسي بالمحمدية، إلى أن التكفل النفسي بالمدمن يشكل جزءا رئيسيا في مشوار تكفل طويل لإخراجه من بؤرة الإدمان وإعادة دمجه في مجتمعه بصفة طبيعية. وتوضح أن الإرادة تشكل من جهتها دافعا قويا بالنسبة للمدمن نفسه والطب النفسي الذي يستثمر في هذه الإرادة بغرض إنجاح العلاج. ينقسم التكفل بالمدمن بمركز المحمدية إلى ثلاثة أقسام، يعنى الأول بالعلاج الطبي، حيث يخضع المدمن لفحوصات طبية من طرف مختص في علاج الإدمان لمعرفة أنواع المخدرات التي يتعاطاها، وفيه العلاج بالاسترخاء يتخللهما العلاج النفسي الذي توكل إليه مهمة “تقوية إرادة المدمن للتخلص من إدمانه، وتشكيل همزة وصل بينه وبين عالمه الخارجي بغية إعادة إدماجه فيه بعد العلاج”، تقول المختصة النفسانية جميلة حمادي. وبتقدمه التلقائي أو عن طريق وسيط ما، فإن المدمن يكون في حالة نفسية متأزمة، غير راضٍ تماما عن نفسه وما فعله بها جراء تعاطيه للمخدرات، “نلاحظ هشاشة كبيرة في شخصيته، وأكثر المتعاطين يخضعون لعدة اختبارات؛ منها تقييم الذات والتوافق الاجتماعي والنفسي، ولاحظنا أن معظم المدمنين لديهم توافق اجتماعي، نفسي وصحي منخفض جدا وتقييم سيء للذات”، توضح المختصة، مضيفة أن أي مدمن لا بد أن يخضع للتكفل بمراحله الثلاثة حتى يكون علاجه من كل الجوانب، ولا يمكن فصل أي مرحلة علاجية عن أخرى. بالنسبة للعلاج النفسي، فإن حالة واحدة قد يدوم التكفل بها 6 أشهر، بمعدل موعد أسبوعي لمدة زمنية تتراوح من 20 دقيقة إلى حوالي ساعة حسب كل حالة. وأثناء العلاج، يتم العمل على تعزيز الإرادة الشخصية للمدمن حتى يبتعد كلية عن عالم المخدرات، “دخل هذا العالم الضبابي بكل ما فيه من سلبيات، ومن غير المعقول أن نعمل على تأنيبه أو توبيخه، لقد أدمن وعلينا أن ننتشله من ذلك، لأنه هنا بين أيدينا وعلينا أن نستثمر في حضوره وحضور أبويه من أجل كسبه مجددا في مجتمعه فردا صالحا”، تقول نفس المختصة. من الأعراض التي تظهر على المدمن، خاصة بين أسرته، أنه يعاني تدهورا عاما في صحته وفي شكله الخارجي، خاصة بالنسبة للمراهقين المعروف عنهم حب التمظهر، وفقدانا متواصلا للشهية تظهر عليه علامات النرفزة والقلق، ليس هذا فحسب، فإنه إلى جانب ذلك سيفقد توافقه الاجتماعي بالانعزال كلية عن أي نشاط اجتماعي كيفما كان. “كل هذه الأعراض يتفطن لها الوالدان فتكون بذلك إنذارا لهما أن ابنهما أو ابنتهما متعاطيان للمخدرات.. ولا يمكنني وصف حالة هؤلاء إلا بالقول “يا ا حْليل”، يأتوننا هنا مع أبنائهم في حالة صعبة، ينتابهم إحساس بإخفاقهم في التربية وفشلهم في العناية بأبنائهم، يبدون استعدادا كبيرا لفعل أي شيء في سبيل إنقاذهم واستعادتهم طبيعيين كما كانوا”، توضح نفس المختصة، معددة أسبابا كثيرة لجنوح المراهقين والشباب نحو الإدمان حسب الحالات،: “هناك من يدخل عالم الإدمان بدافع الفضول، رفاق السوء وغيرهما الكثير، نحن لا يمكننا الحديث عن عينات محددة، لكننا نؤكد تداخل عدة عوامل وأسباب تجعل من المراهق والشاب يتجه نحو الإدمان، معتقدا أنه يبتعد بنفسه عن الواقع نحو المتعة والتلذذ بعالم افتراضي يكون نتيجة سيجارة حشيش أو غيره، يتوجهون نحو هذا العالم المجهول والخطير حتى يجدوا أنفسهم في الأخير عبيدا له”. ولإخراج هؤلاء المدمنين من حالة إدمانهم وتعريفهم بذلك، فإن المختصة النفسانية تتبع معهم علاجا سلوكيا معرفيا يرتكز على تصحيح المعارف وتصحيح الأفكار عن طريق تغيير الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، ويدرك المدمن أن عليه أن يتغير لأنه سلك طريقا منحرفة، وعليه أن يتفطن لنفسه. يكون التعاطي في سن مبكرة، وتسرد المختصة عينة فتاة في ال 19 سنة من عمرها، بدأت تتعاطي المخدرات في عمر ال 16 سنة عن طريق شاب جذبها نحو عالم التعاطي، ثم الإدمان، وهنا أشير إلى أن التعاطي يبدأ على هذه الشاكلة بكميات خفيفة وفترات متفاوتة غير منتظمة، بعد فترة زمنية معينة يدخل المتعاطي مرحلة تسمى الطاقة والقصد بها أنه يكون قابلا لتعاطي جرعات زائدة، حيث يتأقلم جسمه مع زيادتها ويسير في نفس الطريق بزيادة الجرعة مرة تلو الأخرى حتى يفضح نفسه كلية ويتفطن له المقربون منه كالأولياء، “وهذا ما تحدثنا عنه مسبقا حول تغيّر سلوك المدمن بطريقة ملاحظة سواء صحيا أو اجتماعيا”، تشرح المختصة، موجهة رسالة للشباب وأوليائهم على السواء، مفادها أن الشخص لا بد أن تكون له أهداف في الحياة، وعلى الآباء أن يستثمروا فيها من مرحلة الطفولة: “فالطفل لم يخلق عبثا إنما هو أمانة، لا بد من توجيهه تربويا وملء الفراغ لديه عندما يبدأ في النمو ويدخل عالم المراهقة.. على الأولياء ألا يكونوا مستقلين عن أولادهم، أو يهتموا بالجوانب المادية لا غير متجاهلين الرفقة الطيبة والتوجيه السديد لأطفالهم”.