رغم أن المخدرات عموما لم تكن مجهولة لدى الفرد الجزائري فهي لها جذورها التي تمتد في عمق الحضارات الإنسانية، لكنها لم تشكل ظاهرة مرضية إلا بانتشارها المهول الذي لم تفلت منه أي دولة في العالم، فلا يخلو تجمع بشري اليوم من هذه الآفة ومن عصابات ترويج السموم وتجار الموت، ما عدا مناطق معدودة قد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ولأن الجزائر لا تدخل ضمن الاستثناء فقد شهدت في السنوات الأخيرة زيادة في كميات المواد المخدرة المضبوطة من جهة وزيادة في أعداد المدمنين من جهة أخرى، أما معدلات الجريمة التي تزداد و تيرتها يوما بعد يوم فهي لا تخرج عن كونها نتائج حتمية للتعاطي وانتشار الإدمان. ففي هذا الإطار أفاد صالح عبد النوري مدير دراسات التحليل والتقييم بالديون الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها الكائن مقره بالعاصمة والذي أنشئ بمقتضى مرسوم تنفيذي رقم 97.212. في حين تم التنصيب الرسمي له في أكتوبر عام 2002 لرسم سياسة وطنية للوقاية من المخدرات ومكافحتها بالتعاون مع الهيئات والجمعيات العاملة في ميدان مكافحة هذه الآفة والإدمان عليها. أكد لنا عبد النوري أن واقع المخدرات في الجزائر أخذ منزلقا خطيرا وأن هذه الآفة تتقدم بسرعة مذهلة حتى أنها انتشرت بين الذكور والإناث من مختلف الأعمار والمستويات والكارثة أنها تمس فئة الشباب، الفئة الأكثر حيوية في المجتمع حيث أن متوسط أعمار المتورطين يتراوح بين 19 و53 سنة وبنسبة 81 % من المتورطين إجمالا وأضاف الأستاذ عبد النوري قائلا" في الجزائر لدينا رواج كبير للقنب الهندي أو ما يسمى بالحشيش أو الكيف وهو يضبط بالأطنان أما الأنواع الأخرى مثل الكوكايين والهيروين فهي تضبط بكميات محدودة لا تتجاوز بعض الكيلو غرامات لخطورتها وغلائها ولا يمكن أن تجد لها سوقا في الجزائر ، لذلك لابد من بحث بواعث التوجه نحو الاتجار أو التعاطي بين الشباب ومحاولة الاحتواء الجدي لهذا الوباء الخطير وتقديم العلاج الفعال، ولن يتم هذا إلا بتعاون الأسرة والمدرسة والمجتمع وكذا الهيئات المعنية فلا حل في المخدرات ما يتوهم المتورطون بل إنها طريق سريع نحو الانحراف والجريمة والموت وهذه مسؤولية الجميع فعلى كل معني أن يأخذ دوره". كما أشار الأستاذ عبد النوري إلى وجود ثلاثة مراكز لمعالجة الإدمان عبر الوطن، في البليدة و عنابة و وهران وستفتح ثلاثة مراكز بتيزي وزو و قسنطينة وتلمسان علما أن في كل مركز استشفائي مصلحة لمعالجة المدمنين. وقد كشف تقرير ميداني للمؤسسة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي في الجزائر أن الظاهرة لم تعد تختص بفئة الذكور فقط بل تعدتهم إلى الإناث خاصة في الأوساط الجامعية ف 13 % من الطالبات يتعاطين المخدرات وفي دراسة ميدانية أجرتها المؤسسة وتناولت 1110 من الطالبات المقيمات في الأحياء الجامعية بالعاصمة تأكد أن 22 % ممن شملتهن الدراسة يتناولن المخدرات يوميا وبصورة منتظمة وأن 39 % منهن يفعلن ذلك داخل الإقامة فيما ذكرت أن 56 % يتناولن المخدرات بصفة فردية وضبطت الدراسة نسبة الطالبات اللائى لا يعرفن الكثير عن المخدرات في الوسط الجامعي وكذا الإدمان ب 20 % ويأتي القنب الهندي على رأس أنواع المخدرات المنتشرة بين الطالبات بنسبة 68 % وتليه الأقراص أو المؤثرات العقلية مثل الفاليوم و أرتان بنسبة 17 % وتشكل المخدرات المصنفة قوية بنسبة 5 % وفي تقرير مماثل لذات المؤسسة تبين أن 34 % من تلاميذ الثانويان بالعاصمة يستهلكون المخدرات وأن 28 % منهم إناث وهذه سابقة خطيرة نبهت إليها المؤسسة الوطنية لترقية الصحة وحذرت من أن تتحول الظاهرة إلى وباء حقيقي بين الطلبة في الجامعات وتلاميذ المدارس إذا لم تلتفت السلطات العمومية إلى الأمر بجدية وحزم وإذا لم تتخذ في مواجهته أسباب المكافحة بالطرق العلمية والتوعية المطلوبة كما جاء في التقرير. قام موقع الاستفتاءات العربية ِARABO.COM بإجراء استفتاء حول واقع المخدرات في الجزائر وردا على سؤال يتعلق بتقدير حدة المشكلة طرح على النحو التالي" هل تشعر أن هناك مشكلة في حجم تعاطي الشباب للمخدرات في بلدك ؟" تبين أن 42.6 % من الجزائريين الذين شملهم الاستفتاء يعتبرون المشكلة كبيرة و 36.2 % منهم يرون أن وطننا مقبل على كارثة بينما يؤكد البعض أن حجم التعاطي لا يستدعي القلق أبدا وهؤلاء يمثلون 12 % في حين يرى 4.3 % أنه ليست هناك أية مشكلة وبذات النسبة هناك من لا يعرفون شيئا عن الوضع. ومن خلال استقراء الواقع الجزائري نكتشف أن هناك نوع من فلسفة الانحراف وطريق الإدمان على المخدرات ، فبنزولنا إلى الميدان و محاولة احتكاكنا بالوضع العام و السائد داخل المجتمع الجزائري ننقل بعض الانطباعات التي نجدها منتشرة و بشكل رهيب بين فئة الشباب و لو أننا حاولنا التعبير عنها بالمفاهيم التي يستخدمونها رغم انحطاط مستواها التعبيري إلا أنها في الواقع تجسد الأسباب الفعلية التي لا يمكن التهرب منها في حالة دراسة هذه الظاهرة بشكل جدي و علمي فلو طرحنا سؤالا واحدا بالخصوص على عدد من المتعاطين فإننا سنحظى بإجابة واحدة رغم اختلاف الظروف التي دفعتهم إلى ذلك وهي إرادة النسيان كما يعتقدون والبحث عن مسكنات للفقر والفشل في الدراسة أو العمل وغير ذلك مما يرونه دافعا وجيها للاتجاه نحو المخدرات في محاولة يائسة للتغيير أو توهم ذلك فقد تثبت أن المتعاطي يشعر بنشوة زائفة وسعادة لا يستشعرها في حالاته العادية وكما تعبر أكثر الأغاني رواجا اليوم بين الشباب وكنوع من التنفيس تقول كلمات الأغنية التي تنتقد الوضع "وأن الحكومة" كما يعبرون عن المسؤولين عن تدهور الظروف ويصفونهم، هي التي تقدم الداء وتعاقب من يتورط فيه مرغما وتصف كلمات الأغنية كيف أن الشباب (كره) بتعبير عامي من سوء أحواله ورغم علمه بكل ما يجر ي من حوله فهو يفضل أن ينسى بدل أن يواجه ومع أن هذا النوع من الأغاني قد أصبح منتشرا جدا بين المراهقين والشباب يكرس السلبية في التعامل مع الناس والأوضاع إلا أنه ينتقد المعنيين بأسلوب يوحي بكثير من الوعي وإن كان مغيبا وفي وصف مشهد عادة ما يتكرر يوميا في شوارعنا وأحيائنا حيث ينهمك شباب في ( تدوير القارو ) و الانغماس في ضبط الموال( morale) لتفاجئهم (الحكومة) بالقبض عليهم تقول كلمات الأغنية (ما سكي .. ما سكي "وتعني خبئ" أولاد جات الحكومة .. الليلة لمباتة في السيلونة " أي أن المصير معروف "، ولمزيد من التحدي والنسيان (جيب ورقة ماصة زيقزاق ولا بوب مارلي لولاد كاينة بسطة "قعدة" كيما نابولي في ليطالي "وينصب الفنان نفسه مدافعا عن هؤلاء الشباب فيقول" (اليوم أنا أنديكلاري على حياة الزوالي مسكين راه يبكي جاليا و أشكالي يعرف غير التكرو " المخدرات " باش اينسي فكرو ..خليه " يْكن "ينتشي" في عقلو حتى الدنيا تضحكلو قارو وراء قارو حتى عينيه يحمارو ويحس في عروقو طارو .. ) إلى آخر الأغنية التي تعتبر عينة لكثير من الأغاني الرائجة والتي أكثرها تمجد التعاطي وتفلسف الإدمان فمن تدخين سيجارة عادية .. إلى ما يسمى بالمبروم تبدأ حكايات طويلة لا يتسع المقام لتتبع تفاصيلها لكن أهم ما يمكن أن يقال عنها أن نهايتها مميتة. الكيف .. الحشيش .. الزطلة .. التكروري .. الجريفا .. العقار. قد تختلف الأسماء ولكن المسمى يبقى واحدا تضاف له بوابات غير محدودة لإقتحام اللاوعي وتغييب الذات الشاعرة ومن جلسة مع رفيق سوء أو رفقاء تمتد المأساة خيوطا تتشابك لتزيد الحياة تعقيدا .. يقول الشاب جمال البالغ من العمر 20 سنة والذي إلتقيناه في مقر لأحد أفواج الكشافة الإسلامية وقد أخذ يروي بألم كيف كانت البداية "ربما هو الفضول ومحاولة معرفة كل شيء هو ما دفعني إلى خوض هذه التجربة الأليمة فقد بدأت التدخين وأنا في سن السادسة عشرة وتعرفت على شاب يفوقني بعامين وكان هو يدخن "الكيف" أمامي باستمرار ويدعوني إلى ذلك ولكني كنت أمانع إلى أن بلغت الثامنة عشرة ليبدأ الفضول يأخذ شكل المرارة وتناولت أول سيجارة حشيش على يد هذا الشاب الذي توهم وأوهمني أنه يقدم لي يد المساعدة لإخراجي من حالتي النفسية بعد إخفاقي في نيل شهادة البكالوريا وتوالت السجائر بعد ذلك ووصلت إلى أكثر من ذلك حيث تحولت إلى لص في البيت فما إن تقع عيني على نقود أو ذهب أو أي شيء ثمين إلا واستوليت عليه وبعته لتأمين حاجتي من المخدرات واكتشف أهلي أمري بعد عام من التعاطي وعوقبت بالضرب وبشتى الطرق، لكن هذا لم يزدني إلا إصرارا على الانحراف وكنت أعتقد أني أنال منهم بهذا لكن تناولي المفرط للمخدرات أساء إلى أحوالي الصحية ومكثت بالمستشفى شهرا كاملا وبدل التكفل بي ومحاولة علاجي بالطرق السليمة حولوني إلى مستشفى للأمراض العقلية وهناك ازداد الوضع سواء بإدماني على المهدئات التي كانوا يعطوني إياها يوميا فتحولت إلى شبه مجنون وهنا قام والدي بإخراجي وحبسي في البيت وقال لي بالحرف عليك معالجة نفسك بنفسك ففي الجزائر لا يوجد علاج أو سياسة علاج للمدمنين واستشار كثيرا من الأطباء ليسطر لي أسلوبا للعلاج وتمثل هذا الأخير في التغذية الجيدة والإكثار من شرب الماء مع كثير من الإرادة والتوكل على الله شفيت بحمد الله وهذا باختصار شديد ما حدث لي حتى لا أقلب على نفسي المواجع كما يقال وأنا أدرس الآن بالجامعة في سنتي الأولى وتغلبت على كثير من عقدي القديمة .. فقط أنصح الشباب بقولي أن المخدرات طريق الهلاك وأن لا فائدة ترجى منها فهي تسلبك الإرادة والمال وعزة النفس وتورث الذل بين الناس، أما الأمراض التي أحدثتها في جسدي ومازلت أعاني منها إلى حد هذه الساعة فهي أكثر من أن تحصى". وخلفنا جمال وراءنا لنلتقي بمحمد وهو شاب في الثلاثين من العمر متخرج من الجامعة منذ سنوات وناقم جدا على هذا الوطن على حد تعبيره فيقول محمد "كل من اتجه نحو المخدرات لا يغيب عليه أبدا أنه سلك الطريق الأسوأ، أما دعوى البحث عن النشوة والسعادة والنسيان فكل هذه أكاذيب نختلقها بأنفسنا لنقنع بها الناس فنكون أول من يصدقها ونصدق أن مشاكلنا التي لا حصر لها لن تحل إلا بهذا وأنا شخصيا مررت بتجربة التعاطي دون الإدمان أي أنني بين مرة وأخرى أتناول قرصا أو أدخن سيجارة (حشيش) ومع هذا فقد تولدت جراء ذلك مشاكل عديدة مع الأسرة والأصدقاء ولأنني ضعيف البنية فقد تأثرت كثيرا بحيث أرتعش ولا أتحكم بلعابي وما يؤسف له أننا لا نجد من يتكفل بنا صحيا فأنت حين تقرر الإقلاع عن هذه الآفة ومن المفترض أن يشرف على علاجك مختصون لا تجد أمامك سوى أطباء يزيدونك إدمانا بأدويتهم فمراكز المعالجة على حد علمي محدودة إضافة إلى بعدها عن معظم الولايات وقد كان من المفترض أن يكون في كل ولاية مركز لمعالجة المدمنين ... والله الوضع الجزائري لا يدفعك للإدمان فقط بل للانتحار !! " . و هذا ما يعبر عن الواقع المرير لهؤلاء الشباب و حتى لا نتهم بمحاولة الإثارة فقد تجاهلنا عن عمد تجارب أكثر مرارة لشباب ضاعوا وأضاعوا أسرا بأكملها كانت الجريمة والاعتداء على المحارم والأعراض والممتلكات هي خلاصة هذا الطريق المنحرف والتأشيرة الفورية لسنوات طوال في غياهب السجون أو الموت المحتم وبأ فضع الطرق . يعتبر تعاطي المخدرات والاتجار بها وتسهيل الحصول عليها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون إلى حد أن بعض الدول تطبق عقوبة الإعدام للممولين والمهربين والمتاجرين بها كما أنها تصادر أموالهم وما يلاحظ في القانون و المجتمع الجزائري أن المدمن يعامل كالمجرم تماما مع اختلاف درجة العقوبة ومدتها وهذا يزيد من تدهور أحواله وتوريطه أكثر في مجتمع منحرف وهو السجن وقد يؤدي به إلى الجريمة وهذا ما أكده الدكتور عبد السلام زياني طبيب مختص في علم النفس حيث أضاف قائلا " لابد أولا من ضبط المفاهيم حتى لا تختلط الأمور على القارئ ففي الجزائر ينتشر نوعين من المخدرات وهي العقاقير الهلوسة والقنب الهندي ومادة الحشيش التي تنمو بريا وتحتوي على مواد مخدرة وأكثر طرق تعاطيه انتشارا هي تدخينه مع التبغ نظرا لسهولة استخدام هذه الطريقة والعقار هو أي مادة إذا تناولها الكائن الحي أدت إلى تغيير وظيفة أو أكثر من وظائفه الفيزيولوجية والمخدر هو العقار الذي يؤدي تعاطيه إلى تغيير حالة الإنسان المزاجية وليس الجسدية وكل هذا يؤدي إلى الإدمان الذي عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه حالة من التسمم الدوري أو المزمن الضار للفرد والمجتمع وينشأ بسبب الاستعمال المتكرر للعقار الطبيعي أو المصنع ويتصف بقدرته على إحداث رغبة أو حاجة ملحة لا يمكن قهرها أو مقاومتها للاستمرار على تناول العقار والسعي الجاد للحصول عليه بأي وسيلة ممكنة والإدمان ينقسم إلى قسمين نفسي وجسدي، أما الأول فيتعلق بتعود العقل وتكيف الشخص على تكرار أخذ جرعة من المخدر بصورة متصلة لتحقيق الراحة واللذة والنشوة ولتجنب الشعور بالقلق والتوتر والإدمان الجسدي هو ظاهرة انحراف الأعمال الوظيفية الطبيعية لجسم المدمن بحيث أصبح تناوله للمخدر بشكل دائم ضرورة ملحة للاستمرار حياته وتوازنه بحيث يحدث منعه عن المدمن مصاعب كثيرة وأعراض خطيرة وقد يندفع لارتكاب أي جريمة للحصول على المخدر وقد يسبب فقدانه المفاجئ موتا مفاجئ . وما يؤسف له أن حالة المدمن في الجزائر سيئة للغاية حيث أن المشرعين وضعوا قوانين لمكافحة تعاطي المخدرات بكل أنواعها لكن بوسائل قمعية بوليسية دون الاهتمام بمعالجة المشكلة من الناحية النفسية والاجتماعية وبحث الدوافع الحقيقية للانحراف والمحاولة الجدية لإصلاحها لذلك يجب أن يكون العلاج النفسي والاجتماعي مرافقا دائم للعلاج القانوني الرادع " .