خرج وفدا التفاوض للسلطة والمعارضة السوريتين من أول جلسة من المفاوضات السياسية، عُقدت أمس بجنيف، وكلهما إصرار على مواصلة المسار التفاوضي رغم العقبات وبقاء الهوة عميقة بين طرفين مواقفهما ورؤيتهما لاحتواء الأزمة متنافرة من النقيض إلى النقيض. وقطع فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السوري الشك باليقين، عندما أكد أمس أن وفد السلطة المفاوض لن ينسحب أبدا من طاولة الحوار وسيواصل المفاوضات. في موقف مماثل أكدت عليه المعارضة على لسان ريما فليحان عضو في الوفد المفاوض، التي قالت: "نحن إيجابيون، وسنبقى إلى غاية تحقيق هدف الندوة، وهو تشكيل الحكومة الانتقالية". ويبدو أن الطرفين المتصارعين واللذين سبق وهدّدا بالانسحاب من المؤتمر كل حسب مطالبه وقناعته، لا يريد أي منهما الوقوع في "فخ" الانسحاب حتى لا يحمَّل مسؤولية فشل الأشغال، وبالتالي تحقيق نوع من الربح المعنوي يُحسب في معركته الإعلامية ضد الطرف الآخر. ويكون الجانبان قد تعرّضا لضغوط شديدة جعلتهما يؤكدان على البقاء في جنيف، وهما اللذان شرعا أمس في الخوض في جوهر المؤتمر بتطرقهما للملفات السياسية بوجهات نظر متباعدة ومواقف متناقضة، خاصة فيما يتعلق بالمسار الانتقالي الذي تطالب به المعارضة وتعتبره السلطة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. وفي أول جلسة مفاوضات سياسية، حاول كل جانب فرض وجهة نظره التي يرى فيها الحل المناسب، بعد أن سعى وفد المعارضة لحصر المناقشات في مسألة انسحاب الرئيس بشار الأسد وتسليم كل صلاحياته لحكومة انتقالية بما فيها الجيش والأمن، بينما تمسّك وفد النظام بطرح قضية الإرهاب التكفيري كأولوية، وقدّم خريطة عمل ضمّنها كل مواقف دمشق المعروفة. ومن أهم ما أصر عليه وفد النظام احترام سيادة واستقلال سوريا ورفض كل تدخّل خارجي في شؤونها، وأن سوريا ديمقراطية تعددية ترفض الإرهاب، ويحق للسوريين نظامهم السياسي وضرورة الحفاظ على مرافق الدولة. وهو ما اعتبره وفد المعارضة محاولة من النظام لإخراج أشغال المؤتمر عن مضمونها الرئيس، وهو مناقشة ورقة جنيف 1، التي تنص على الحكم الانتقالي. وكانت الجلسات الأولى من المفاوضات خُصصت لبحث القضايا الإنسانية، خاصة الوضعية المأساوية للمدنيين المحاصَرين في دمشق وملف المعتقلين والمفقودين، ضمن إجراءات لإرساء الثقة لتهيئة الأجواء للشروع في جوهر المفاوضات. وسيكون النظام السوري أمام امتحان عن مدى التزامه بتعهده في فتح ممرات آمنة لتمرير المساعدات الإنسانية إلى سكان حمص المحاصَرين، أو السماح للنساء والأطفال بمغادرة المدينة ضمن أول اتفاق إنساني حققه مؤتمر جنيف، ويبقى فقط تطبيقه على أرض الواقع.