أكد وزير المجاهدين، السيد محمد شريف عباس، أمس، أن قضية ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر أضحت تتجاوز تعويض الأشخاص إلى البحث عن ميكانيزمات لتطهير البيئة في المناطق التي تعرف تلوثا بالإشعاع النووي، مضيفا أن ملف التجارب النووية ملف ثقيل وصعب وآثاره تفوق 40 سنة والنقاش حوله مازال مفتوحا. ويأتي تصريح وزير المجاهدين في الوقت الذي أخذت فيه هذه القضية بعدا جديدا فضح الممارسات الاجرامية للمستعمر تزامنا مع ذكرى هذه التجارب، حيث نشرت يومية "لوباريزيان" في عددها، أول أمس، وثيقة للجيش الفرنسي تتضمن خريطة التجارب النووية في الجزائر والتي كشفت عن مناطق ملوثة بالإشعاع النووي بقيت سرية لمدة طويلة. وقال وزير المجاهدين في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية على هامش زيارة العمل والتفقد التي قام بها الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، إلى ولاية ميلة، أن الفرنسيين "سنوا قانونا لتعويض المتضررين من آثار التجارب النووية"، مشيرا إلى أن "هذا التعويض لا يجب أن يقتصر على الأشخاص كأفراد فقط بل يجب أيضا أن يتضمن البيئة الملوثة التي أصبحت أماكن محرمة" جراء الأضرار الناجمة عن التجارب النووية الاستعمارية. وأوضح وزير المجاهدين أن منح هذه التعويضات لا يعني أن ملف التجارب النووية أصبح مغلقا لأن التعويض عن هذه الجرائم -حسب تعبيره- أضحى يتجاوز الأشخاص ليمس الجانب البيئي، ليخلص إلى القول بأن "الموضوع المطروح اليوم هو ملف التجارب النووية والبحث عن ميكانيزمات وآليات ووسائل تهدف إلى تحقيق التوافق بين الطرفين وتسمح إلى الطرف الآخر (فرنسا) بالتعويض والقيام بما يلزم عليها". بشاعة الجرائم الفرنسية مازال يرويها التاريخ رغم محاولات بعض الدوائر الفرنسية طمس الحقائق، غير أن مخلفاتها الكبيرة لم تستطع إخفاء الوجه القبيح للمستعمر، بل يمكن القول أنه رغم مرور عقود من الزمن إلا أن هذه الوحشية مازالت توخز الضمائر وإلا كيف يمكن تفسير الحقائق التي تكشفها لنا وسائل الإعلام الفرنسية باعتبار أن الجرم المرتكب قد استهدف الإنسان والطبيعة قبل أي شيء آخر. وهو ما ذهبت إليه يومية "لوباريزيان". وفي هذا الصدد، أوضحت الوثيقة المنشورة في «لوباريزيان" أن الآثار الإشعاعية للتجارب النووية الجوية الفرنسية لم تبق منحصرة في الصحراء الجزائرية، بل غطت كافة منطقة شمال إفريقيا وحتى إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء. وتمت الإشارة إلى أن 13 يوما بعد تفجير القنبلة الجوية الأولى المعروفة باسم "جاربواز بلو" (اليربوع الأزرق) بلغت الآثار الإشعاعية السواحل الاسبانية وغطت نصف منطقة صقيلية (ايطاليا). وأنه وفقا للمعطيات المتضمنة في الخريطة فإن معايير الإشعاع التي تسببت فيها هذه التجارب "تم تجاوزها بشكل معتبر في بعض المناطق على غرار اراك بالقرب من تمنراست التي كانت نسبة إشعاع مياهها قوية وكذا في العاصمة التشادية نجامينا، بينما أكدت السلطات العسكرية الفرنسية في هذه الملفات المصنفة في "سر الأمن" أن هذه المعايير "كانت جد ضعيفة عامة". وعلق برونو باريليو وهو مختص في التجارب النووية في حوصلته الخاصة بالوثائق التي أزيلت عنها صفة سر الأمن يقول "غير أن المعايير في تلك الفترة كانت أقل صرامة عنها الآن. كما أن الاكتشافات الطبية الحديثة تبين أنه حتى بنسب ضعيفة فإن الإشعاع النووي يمكن أن يتسبب عشر سنوات بل عشرين سنة من بعد في بروز أمراض خطيرة". وأوضح السيد باريليو أن "الخريطة التي تحدد مناطق آثار "جاربواز بلو" تبين أن بعض العناصر الإشعاعية التي تم بثها إثر الانفجارات الجوية على غرار اليود 131 أو السيسيوم 137 قد يكونان قد استنشقا من قبل سكان المنطقة بالرغم من انحلالهما في الجو"، مضيفا أنه لا أحد يجهل اليوم أن هذه العناصر الإشعاعية تعد وراء بروز أمراض السرطان أو أمراض القلب والشرايين. كما تأسف المختص لكون عملية إزالة صفة سر الأمن عن بعض الوثائق "تعد لحد الآن غير مرضية"، ولذا يتوجب إعادة النظر في إمكانية الحصول على هذه المعلومات إذا ما أريد معرفة الحقيقة. وقال إن الأمر يتعلق من خلال هذه الوثائق المنتقاة من قبل السلطات العسكرية بتبرير الخطاب المعتمد منذ أكثر من نصف قرن بخصوص التجارب "النظيفة" و«انعدام الضرر شبه التام" للآثار الإشعاعية وكذا التجارب الجوفية "التي تم احتوائها بشكل تام". من جهتها، شددت الحقوقية الجزائرية فاطمة بن براهم على ضرورة محاسبة فرنسا على جرائمها، بعد اكتشاف حقائق جديدة عن الآثار الإشعاعية لهذه التجارب، وقالت في حديث لجريدة "لوباريزيان" "نعلم منذ أمد أن نتائج التجارب النووية في الصحراء كانت أخطر بكثير عما كانت تزعمه فرنسا ولكننا اكتشفنا أن هذه التجارب مست كل الجزائر وحتى كافة دول غرب إفريقيا المستعمرة سابقا". وقالت السيدة بن براهم إن خرافة "القنبلة النظيفة" قد انتهت" وإننا "تعرضنا لجريمة استمرت لمدة 50 سنة" وانه "على عكس ما كانت تدعيه فرنسا كانت المناطق التي تعرضت لإطلاق القنابل آهلة بالسكان"، مضيفة أنها اليوم تدافع عن أناس تعرضوا للإشعاعات آنذاك وتدافع أيضا عن أبنائهم والرحل الذين عبروا هذه المناطق منذ عقود. وأشارت الأستاذة بن براهم إلى أنه عندما غادر الجيش الفرنسي مواقع التجارب سنة 1967 أخذ معه كل الأرشيف "مما عقد مهمة تحديد المناطق التي مستها هذه التجارب"، وذكرت في هذا الصدد انه عند مغادرته قام الجيش الفرنسي بدفن الأطنان من الأجهزة المشعة دون ترك خريطة لها ومنذ ذلك الحين "يقوم السكان باستعمالها واسترجاع الحديد والنحاس معرضين حياتهم للخطر". وعبرت السيدة بن براهم عن سخطها على قانون تعويض قدامى المحاربين الفرنسيين الذي يقصي السكان الجزائريين واصفة ذلك ب«الفضيحة"، مشددة على ضرورة أن يوسع ليشمل كل الضحايا. كما دعت الجيش الفرنسي لتقديم الأرشيف وأن يكف عن الاحتماء بسر الأمن، بغرض المساعدة على إزالة النفايات الإشعاعية على مستوى الجبال وتدعيم برامج علاج الضحايا".