الدخول إلى مدينة الموصل القديمة من جهتها الغربية يجعل منارة الحدباء في مواجهة الزائر بانحنائها الشهير نحو الشرق، إنها تقف هكذا منذ أكثر من 800 عام بارتفاع حجري يبلغ 45 مترا، وميلان جاوز ثلاثة أمتار جعل منها برج بيزا بنسخة عراقية. المنارة مهددة بالانهيار في أية لحظة بسبب المياه الجوفية التي تسببت في تشققات وتصدعات في هيكلها، مع عجز محلي تام بسبب نقص الخبرات وفقدان الأمن، فالمنارة عبارة عن مئذنة تقع في الجانب الغربي للجامع الكبير في مدينة الموصل، أو ما يعرف بالجامع النوري نسبة إلى القائد الإسلامي نور الدين زنكي الذي بناها عام 1170. يؤكد الباحث والمؤرخ عبد الجبار الجرجيس لموقع ”نقاش” الإلكتروني، أن منارة الحدباء فريدة من نوعها بسبب طرازها العمراني وميلانها الذي أكسبها شهرة واسعة امتدت إلى العالمية، فهي مبنية من الحجر والجص، والمادة الأخيرة والرياح هما السبب في الميلان، إذ أنّ البنائين أنشأوا المنارة بنحو معتدل، غير أنّ تصلُّب الجبس، مع الرياح الغربية التي تهب على المدينة في معظم فترات السنة جعلها تميل إلى الشرق، وتتّخذ شكلها الحالي حتى بات يطلق عليها ”منارة الحدباء”. دائرة الآثار ومديرية الأوقاف والدائرة الهندسية في محافظة نينوى تؤكّد على أنّ منارة الحدباء تقف على بحر من المياه الجوفية، وهو سر التشققات والتصدعات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة في قاعدتها، وهناك سبب رئيسي آخر يهدّد الحدباء وغيرها من معالم الموصل الأثرية، يتمثّل في الوضع الأمني السيء في هذه المدينة التي عانت منذ عام 2003، حتى اليوم من الاشتباكات بين مسلحين من القاعدة أو غيرها من الفصائل والقوات الأمريكية، وبعد رحيلها حلّت القوات العراقية من جيش وشرطة محلها، فضلا عن التفجيرات شبه اليومية بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة. محافظ نينوى أثيل النجيفي قال ل”نقاش” بأنه وقّع في 22 سبتمبر من العام المنصرم في أربيل، مذكرة تفاهم مع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، لدراسة وتوثيق الاستقرارية لمئذنة الحدباء بصفتها من المعالم الإسلامية العربية والعراقية وكيفية الحفاظ عليها. وأكّد أنّه وقّع اتفاقية ثانية بهذا الشأن مع نفس المنظمة في العاصمة الأردنية، كما أن مشروع تأهيل الحدباء يقضي بقيام ”اليونسكو” ببحث شامل حول مواد البناء والخصائص الجيولوجية والتحليل الهيكلي خلال مدة 12 شهرا قبل اتّخاذ القرار حول نوع الإجراء الترميمي اللازم، حيث تمّ تحديد الأولويات الواجب معالجتها خلال زيارة ميدانية قام بها خبير في ”اليونسكو” في جوان 2012. ولفت النجيفي إلى أنّ برنامج التعاون هذا هو الأوّل من نوعه في المنطقة منذ 20 عاما، حيث يهدف إلى الحفاظ على المئذنة المائلة التي جلبت للمدينة الشمالية الشهرة. والكثير من الحلول طُرحت لوقف ميلان الحدباء والعمل على منعها من السقوط، ويقول المهندس المدني سالم عزيز مخلص: إن إحدى الأفكار تركّزت على تقشير المنارة من الحجارة المزخرفة، وإعادة ترميم التجويف بمواد إنشائية متطورة، ومنه إعادة تغليف المنارة بحجارتها الأصلية لكي لا تفقد ميزتها التاريخية. أمّا الحل الآخر فيتمثّل في تقطيع المنارة إلى أجزاء ونقلها إلى مكان آخر، بعدها تتمّ معالجة المياه الجوفية، وإعادة تركيبها في مكانها مجددا، فيما يطرح المقترح الأخير إحداث حفر في أماكن متفرقة أسفل قاعدة المنارة، واستخدام مضخات عملاقة لشفط المياه، وفي جميع الأحوال يقول المهندس سالم أحمد بأنّ ”الأمر يحتاج إلى خبرة دولية ومبالغ طائلة وهو ما لا يسمح به وضع نينوى الأمني (والمالي) في الوقت الراهن، وربما لن يسمح به على المدى المنظور”. الموصليون شديدو الارتباط بمئذنتهم ويمكن لمن يتجول في المدينة أن يدرك هذا جيدا، إذ أنهم يطلقون اسم الحدباء على الكثير من المحلات، المطاعم، المعامل والفرق الفنية والرياضية، كما أن هناك حي سكني شمال الموصل يحمل نفس الاسم، والموصل معروفة على نطاق العراق ككل بمدينة الحدباء، توجد صورتها على الطوابع البريدية والنقود العراقية من فئة 10 آلاف دينار. كما أنّهم وبمختلف أطيافهم ودياناتهم من مسلمين ومسيحيين، يحتفظون بقصص توارثوها بشأن سبب ميلان المنارة، منها أن أحد الأنبياء مر بالمنارة فمالت خجلا منه، فيما يتناقل المسيحيون بأن المنارة انحنت لمريم العذراء التي يقال أنها مدفونة قرب أربيل أي باتجاه ميلان المنارة، وعلى الرغم من أنّ الشخصيات التي يربطونها بالمنارة عاشت قبل إنشائها بقرون كثيرة، إلاّ أنّ الكثيرين في الموصل مايزالون يردّدون تلك القصص باعتزاز كبير.