فرضت التنظيمات المعلوماتية نسقا جديدا على مفهوم العلاقات الإنسانية، أثر بشكل سلبي على الأسرة، الأمر الذي يستدعي الإسراع قصد إيجاد صمام أمان قائم على مبدأ إقرار الهدوء النفسي بين الزوجين اللذين بلغا اليوم مرحلة ”اللا حب واللا كره” في علاقتهما، يقول عمر بافولولو المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي، مما دفعه إلى التفكير في صياغة مشروع أسماه ”رخصة سياقة الأسرة” بعد وقوفه على إقبال الشباب والشابات على الزواج دون اكتسابهم لخلفية دينية، نفسية ومعاملاتية تساهم في نجاح الزواج، ويرى بأن الأسرة في حاجة ملحة إلى رخصة تأهيلية.... يحدثنا عمر بافولولو عن هذا المشروع خلفياته.. أهدافه.. والنتائج المنتظرة منه في هذا الحوار. بداية، من هو عمر بافولولو؟ اِلتحقت بالمركز الثقافي الإسلامي بموجب مرسوم رئاسي منذ سنة ونصف، درست علم النفس في أول الأمر بالجزائر، بعدها انتقلت إلى الجامعة الأردنية لمواصلة تعليمي، وفي جامعة القاهرة سجلت في تخصص حقوق، أما رسالة الماجستير فكانت في العلوم الإسلامية، غير أن المواد التي درستها كانت في المعاملات المالية.. أهتم كثيرا بالجانب النفسي، مما جعلني أغوص في عالم التنمية البشرية، فأنا مدرب معتمد بالبرمجة اللغوية الإيجابية، وفي تقديري للعلم حاليا، ينبغي أن يقدم بدون مقابل مادي، لأنه في رأيي مسألة تحتاج إلى تزكية، وبما أن الجزائر مكنتنا من تحصيل العلم مجانا، فلابد أن نفيد به غيرنا بصورة مجانية، ولعل هذا ما أقوم به في الدورات التي أشرف عليها.
تقول بأنك مهتم كثيرا بالجانب النفسي، لماذا؟ رغم أن الجانب النفسي ليس من اختصاصي لأن علم النفس تخصص قائم بذاته، فإني مهتم بهذا الجانب لاعتقادي أنه السر الحقيقي وراء كل باحث عن النجاح، فالفرد عندما يكون مزودا بمزيج من المعلومات والمعارف من دون أن يكون لديه تقدير عال لذاته، فلن يتوصل إلى تحقيق أي شيء، لأنه لم يتمكن من إيقاظ العملاق النائم في ذاته، وتصوروا أن معظم المشاكل بما فيها الخلافات الزوجية التي تعج بها المحاكم اليوم راجعة إلى سوء تقدير الذات، إذ نجد أن عدم فهم الزوج لاحتياجات المرأة النفسية وسوء تقدير الزوجة بسبب التركيبة النفسية للرجل وراء وقوع الكثير من المشاكل، فالذكور والإناث في مجتمعنا لا يعرفون كيف يعبرون عن نفسيتهم، ولعل هذا ما جعلني أولي أهمية كبيرة للجانب النفسي. فما نحتاجه في مجتمعنا، لا يقتصر على مستوى العلاقات الزوجية فقط، بل يجب أن يعم كل علاقاتنا الاجتماعية، وهو الاعتماد على منهج التفكير الإيجابي المبني على قاعدة أن ما تفكر فيه يأتيك، وما تركز عليه تحصل عليه، وهو قانون موجود في القرآن والسنة، طبقه الأنبياء والعلماء، لكن للأسف لا نزال بعيدين عنه.
إذن تقر بأن المجتمع الجزائري يعاني أزمة نفسية في العلاقات الزوجية؟ حقيقية، المشروع الذي فكرت فيه وليد ما يعانيه المجتمع من أزمات نفسية حصرتها في العلاقات الزوجية، وانطلقت شخصيا من فكرة أن الأسرة هي عماد وقوام أي مجتمع ناجح، وأمام ما يواجهنا من متغيرات فرضتها العولمة الثقافية تحديدا، أصبحت التنظيمات الاجتماعية مهددة، ولأن صمام الأمان يتمثل في الحفاظ على ثبات واستقرار الأسرة، فكرت في مشروع ”رخصة سياقة الأسرة” يضمن إلى حد ما الحفاظ على الهدوء النفسي بين المتزوجين، وجاء هذا بعد أن لاحظت أن في أغلب البيوت الجزائرية يعيش المتزوجان معا مرحلة لا حب ولا كره، أي أنهما يعيشان حياة زوجية ميكانيكية بيولوجية، فطريقة، روتينية لا علاقة لها بالعاطفة والرومانسية، وبغض النظر عن المشاكل الاجتماعية، نجد أن العامل النفسي وراء ارتفاع معدلات الطلاق في العالم العربي عموما والمجتمع الجزائري خصوصا، وإن لم تصل بعض الحالات في مجتمعنا إلى المحاكم، نجدها تعيش حالة طلاق عاطفي في ظل افتقار الطرفين للتوافق النفسي.
هل يمكن لمشروع ”سياقة الأسرة” أن يحقق التوافق النفسي بين المتزوجين؟ المشروع لا يزال في طور الدراسة، ويحتاج نجاحه إلى مشاركة مختصين في علم النفس، الاجتماع، الدين والقانون، ليكون متكاملا يستهدف تحقيق نتيجة واحدة هي صلاح الأسرة، وتظهر أهمية هذا المشروع في مقارنة بسيطة نجريها بين قانون المرور وعقد الزواج، إذ نجد أن أي شخص يحتاج إلى رخصة لقيادة السيارة، بالنظر إلى حوادث السير المتكررة، نجد الجهات المعنية تفرض في كل مرة قوانين، عقوبات وتدابير للحد من حوادث السير، وتكون الرخصة بين يدي شخص مؤهل، وبالمقارنة نجد أن قيادة الأسرة لا تولي هذه الأهمية رغم أنها تحتاج إلى مهارة وتدريب، ومنه فإن مشروع التأهيل التكويني من المفترض أن يبدأ قبل مرحلة الخطوبة لبحث التوافق العاطفي، الجنسي، العادات، الأعراف والأحكام الشرعية، وبما أن تدخلنا في هذه المرحلة كمجتمع لديه عاداته وتقاليد صعبة، ارتأينا إلى بدء مشروعنا بمرحلة الخطوبة، ففكرنا في إدراج فقرة إجبارية تتمثل في اختبار، راعينا فيه المستويات الثقافية، أي إن كان الخاطب متعلما أم لا، مفادها اختبار طرفي عقد الزواج حول بعض الأمور التي ينبغي أن يكونا على اطلاع عليها، كالأحكام الشرعية الخاصة بالزواج، ومدى اطلاعهما على حقوقهما بقانون الأسرة، طريقة المعاملة وغيرها، مما ينبغي أن يعرفه الخاطب عن الزواج والمخطوبة عن الزوج، بعدها نعلن إن كانا مؤهلين للزواج ويستحقان الرخصة.
هل تعتقد أن الرخصة التأهيليه يمكن أن تنجح في بناء العلاقات الزوجية؟ نتمنى من خلال هذا المشروع أن نتمكن من جعل فقرة الاختبار بمثابة المادة الإجبارية التي ينبغي أن ترفق في وثائق عقد الزواج لينعقد العقد، والهدف من هذا ليس منع الخاطبين من الارتباط، أو إحباط عزيمتهم فيه، إنما تمكين الطرفين من الاطلاع بصورة واضحة على ماهية الزواج، من خلال إشراكهما في دورات يكتشف فيها الطرفان ما يجهلانه عن العلاقة الزوجة في المعاملة والتركيبة النفسية لكليهما، وحول فن تربية الأبناء لتجنب الوقوع في بعض المشاكل التي قد تنهي علاقتهما سريعا، نتمنى فقط أن يتم دعم المشروع من قبل مختصين.
كمدرب معتمد بالبرمجة اللغوية، هل سبق لك أن برمجت دورات تكوينية للمقبلين على الزواج؟ طبعا، فأنا مؤمن بأن العمل التطوعي من واجباتنا ويدخل في إطار الرفع من مستوى الوعي، حيث قمت بالعديد من الدورات حول مواضيع تخص الحياة الزوجية، منها العائلة السعيدة، وفهم معنى الحياة الزوجية بين الطرفين، ولقيت الدورات نجاحا كبيرا بالنظر إلى عدد المقبلين على الدورة من الطرفين؛ نساء ورجالا متزوجين وغير متزوجين، وتمكنا من إجراء رسكلة لبعض المتزوجين الذين مضى على زواجهم سنوات، غير أنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للسعادة الزوجية، ومن خلال الدورات تمكنا من كشف مفاتيح السعادة الزوجية وأوضحنا المفاهيم الشرعية والدينية للعلاقات الزوجية الخاطئة.
هل تراهن على نجاح مشروع رخصة ”قيادة الأسرة” بعد تطبيقه على أرض الواقع؟ بالنسبة لي، الرهان الأكبر هو الحصول على مشجعين وداعمين للمشروع من الناحية الفكرية وليس المادية، أما بالنسبة لنجاحه من عدمه فهذا متوقف على مدى وعي المجتمع الجزائري بماهية الزواج كعقد يجمع بين رجل وامرأة، وإن كنت أعتقد أن احتمال نجاحه وارد من منطلق أنه قادر على جعل المقبلين على الزواج أكثر وعيا بأهمية هذه العلاقة المقدسة، وما نتطلع إليه من وراء هذا المشروع السير نحو بناء أسرة متماسكة، لذا نرحب بكل الراغبين في المشاركة بالمشروع وتحويله إلى واقع ملموس.