يستقبل ”رواق عسلة” إلى غاية 17 فيفري الجاري، الفنان التشكيلي رحماني سعيد من خلال معرضه التشكيلي المنسم بعطور شقائق النعمان التي اعتبرها الناطق الرسمي لسيد الفصول؛ الربيع، الذي يحمل مع كل زيارة الألوان والنور ليعيد للحياة بهجتها. يحمل المعرض الذي ينظم برعاية مؤسسة ”فنون وثقافة” عنوان ”شكل ولون”، وهو عبارة عن فضاء تشع منه الأضواء والألوان المتدرجة التي تترجم المعاني والقيم الإنسانية السامية التي يحتاجها المجتمع اليوم في خضم التحولات السريعة التي لا تترك مجالا لمثل هذه القيم. يستعين الفنان سعيد بالتقنية المختلطة التي تتضمن الرسم الزيتي، الألوان الشمعية (الباستيل)، قلم الليباد، قلم تحديد الأشكال والرسومات، كلها مختلفة من حيث الاستعمال والغاية، ورغم اختلافها إلا أنها تشترك في تجسيد المنظر العام للوحة. تحضر في لوحات سعيد تقنية ”الشفافية”، وحسب بعض الفنانين الذين زاروا المعرض وتحدثوا ل"المساء”، فإن المادة الشفافة لون تضاف إليه مادة البنزين كي يبدو فاتحا إلى أقصى درجة، أي إلى درجة الشفافية المطلقة. يستعمل الفنان أيضا تقنية السكين لينحت الألوان والأشكال، فتبدو في شكل مختلف عن ذلك المرسوم بالريشة. كما يتميز سعيد بتقنية الكثافة في استعمال الألوان والأشكال، حيث تظهر اللوحة معبأة لا مجال فيها لأي فراغ ولو من أجل ظهور الخلفية. يلتزم الفنان في كل لوحاته بالأسلوب التجريدي متأثرا بمدرسة ”بول كلي” هذا الفنان الأوروبي (سويسرا) المستشرق الذي عاش في القرن ال19 وبداية القرن العشرين، أقام في العديد من الدول العربية وعلى رأسها تونس، حيث ارتبط بالألوان الحارة في أعماله. هذا الأسلوب متحرر من الأشكال الواقعية وذو بنى معمارية متوزعة في أنحاء الشكل، يحاول المحافظة على سمة التوازن في توزيع التكوينات المعمارية، يجمع بين البنى كأنها بنيان واحد. تتميز لوحات سعيد أيضا بالإيقاع الموزع على امتداد اللوحة، ينتقل عبر الخطوط العمودية والأفقية، بالتالي خلق مجال نمط إيقاعي حركي مستمر، ناهيك عن الأشكال التي تنتقل من الكتلة إلى الحجم، ثم الخط والنقطة. تظهر الألوان في شكل كتلة لونية تتجاوز قيمتها الضوئية، بالتالي تستطيع ترجمة أحاسيس وانفعالات الفنان، كما أن لها دور التمويه وتتلاشى عبرها الأبعاد الجمالية. ظاهرة الألوان لها دور مضاعف، إذ تتكامل مع الشكل في انسجام مطلق، مع الحضور المميز للزهور بحركتها داخل فضاء واسع ذي كتل ضوئية عديدة. من بين الألوان، نجد تلك المعتدلة؛ منها الأزرق البنفسجي والألوان القاتمة التي تشكل لهبا، علما أن الفنان يتفادى تكرار ألوان اللهب كالأصفر، البرتقالي والأحمر، كما استعمل الألوان المتدرجة وبكثرة، خاصة بالنسبة للون الأزرق، إضافة إلى الألوان الباردة والحارة والقاتمة منها، كالأزرق الذي يفصل بخطوطه بين الألوان والأشكال. سعيد رحماني مصمم بياني (غرافيك) متخرج من مدرسة الفنون الجميلة، يتميز بالمبادرة والجرأة في إبداعه لأنه ببساطة يمتلك كل التقنيات ويتحكم فيها بسلاسة. تقنية ”الغرافيك” طيعة عند سعيد، وهي سمة لا يملكها العديد من الفنانين التشكيليين، استغلها أحسن استغلال، لاسيما في هذا المعرض، كما استغل قبلها الأسلوب التشخيصي التصويري في تجسيد التراث الجزائري، منه تراث القصبة وبخصوص موضوع المرأة... في لوحات تجريدية عرضها، أقحم فيها سعيد أسلوب السذاجة من مدرسة الفنانة باية وهذا طبيعي باعتباره اشتغل أستاذ رسم للصغار. يأخذ اللون الأزرق في أعمال سعيد نصيب الأسد، حيث يبرز في تدرجات مختلفة، من جهة أخرى يستعين الفنان بأسلوب المربعات (موندريون) المستلهم من الخرائط الجغرافية وتظهر أحيانا هذه المربعات في شكل فوضوي ومسالك متوغلة إلى الوجدان، وهو ما يعرف ب"التعبير الباطني”. في ركن من المعرض، برزت لوحتان بأشكال غريبة تبدو فيها الألوان متدفقة والابتكار واضح، ليس مستلهم من أية مدرسة فنية، إذ ترك الفنان لجمهوره حرية اكتشافها. بالمناسبة، التقت ”المساء” بهذا الفنان الشاب الذي أكد في حديثه معها على أن المعرض يعد الأول بالنسبة له بعدما شارك في العديد من المعارض الجماعية، معتبرا إياه فرصة للإبداع وعرض بعضا من تقاليدنا وثقافتنا المتمثلة في الأشكال والرموز وغيرها، كما حرص فيه على إبراز مفاتن الطبيعة الجزائرية في زمن الربيع، خاصة بمسقط رأسه في ولاية تيارت التي تلتحم فيها زرقة السماء مع خضرة الأرض الممتدة امتداد السماء، هذا التقابل الطبيعي الخلاب تتوسطه رقصات زهور شقائق النعمان وهي تتفجر حسنا بلونها الأحمر الأخاذ الذي يسبي العيون ويلهم الفنان الذي يزين بها لوحاته حتى التجريدية منها. الفنان سعيد المتيم بالجمال والمقتنع بالتكوين والخبرة، يحرص على تفادي التكرار الفني كي يتميز برسالته الفنية التي تضمن له مكانه في الساحة. للتذكير، فإن الفنان سعيد تحصل على عدة جوائز عبر مختلف التظاهرات الممتدة عبر الوطن ومتحصل على جوائز دولية، كالتي تحصل عليها في السعودية.