تزخر مدينة الجسور المعلقة بالعديد من المعالم التاريخية والحضارية التي تشهد على الماضي الجميل الذي حفر بصخور المدينة تاريخ الحضارات المتعاقبة، التي تركت بزوالها معالم وصروح لا تزال تروي قصص العصور البربرية، البيزنطية، القرطاجية والتي أنهتها الحضارة الإسلامية، لتبقى بعض المعالم بقسنطينةوالمدينة العتيقة تحافظ على تاريخ سيرتا وسكانها الذين كتبوا بأقلامهم تاريخا بأكمله لأجيال لا تزال تحافظ على ما تركه الأجداد من زوايا وصروح تعتبر هوية السكان والمدينة المعلقة. زاوية باش تارزي...منشأ قسنطينة الأصيل ورواية مدينة خيالية تعتبر زاوية ”باش تارزي” المعروفة بزاوية ”الرحمانية” من أهم المعالم التاريخية بعاصمة الشرق الجزائري، حيث يعود تاريخ بنائها إلى القرن العاشر هجري، تقع بحي ”الشارع” العتيق، يشرف عليها ما يسمى بالمقدم وتعتمد الطريقة الرحمانية أسلوبا في تسيير شؤونها الداخلية. هذه الزاوية تعود ملكيتها لآل باش تارزي، أما مؤسسها الأصلي فهو العلامة الولي الحاج عبد الرحمان بن حمودة بن مامش باش تارزي، الذي يعتبر ناشر الطريقة الرحمانية بقسنطينة توفي سنة 1222 هجري والمدفون بها، وهو تلميذ سيدي محمد بن عبد الرحمن الجرجري الشهير ب”دفين الجزائر”، وتشهد زاوية باش تارزي أو الرحمانية خلال شهر رمضان من كل عام سلسلة من العبادات خاصة وأنّها تتوفّر على قاعة لأداء الصلوات وأخرى لتعليم القرآن إذ يتوافد عليها أعلام ومشايخ قسنطينة بعد الإفطار مباشرة لأداء صلاة التراويح ثم بعدها الذكر وترتيل آيات كونه ذو طابع صوفي ديني لتبقى زاوية روحية تشهد على عادات القسنطينيين وما اشتهروا به منذ القدم.
زاوية الطيبية...ذاكرة شعب وسيدي راشد ملكة وادي الرمال تعود زاوية ”الطيبية” إلى أملاك عائلة بن شريط، تقع بحي السويقة العتيق وتحديدا بشارع ”بوحالة عمار”، أنشئت حسب المسؤول عن تسييرها في القرن الثامن عشر ميلادي على يد الشيخ ”محمد الشريف بن شريط” المدفون بها. هذا الصرح الديني الذي تشتهر به الولاية، ويفتخر به سكان الصخر العتيق، يعتمد الطريقة الطيبية التي لم تعد اليوم سوى صورة لفضاء تقام فيه الصلوات الخمس في الأيام العادية ومكان لأداء الشعائر الدينية ومختلف العبادات في شهر الصيام والقيام، ويقتصر عملها في الآونة الأخيرة على تعليم القرآن الكريم للأطفال. وتعتبر زاوية سيدي راشد التي تقع أسفل جسر سيدي راشد الذي يعتبر أطول جسر حجري في العالم من أجمل زوايا مدينة الجسور المعلقة لموقعها الاستثنائي الذي أضفى عليها رونقا سحريا وزادها جمالا لا مثيل له، فبشكلها المعماري الفريد الذي تتوسّطه خضرة رائعة زادها خرير مياه وادي الرمال تميّزا، وتعتبر من أقدم زوايا المدينة، بموقع رائع بالحي العربي العتيق تحت قنطرة سيدي راشد وتكاد تكون مهجورة لبعدها عن الناحية المتجه نحوها عمران المدينة.
زاوية ابن نعمون...من سلالة بايات قسنطينة تقام بزاوية ”ابن نعمون” المعروفة باسم الزاوية التجانية بناحية الشط من المدينة بنهج ”بيريقو رقم 76”، الصلوات الخمس وبها مدافن آل نعمون الذين هم من سلاسة بايات قسنطينة، وفي 12 سبتمبر من سنة 1848 صدر قرار بلدي يأذن بدفن المرحومة موني بالزاوية المذكورة لكونها من سلالة البايات أصحاب الزاوية المذكورة، وصدر قرار آخر في نفس المعنى بتاريخ 11 جانفي سنة 1849 يأذن بدفن جثمان المرحوم محمد بن الشريف بن نعمون في الزاوية المذكورة. وهي أهم الزوايا بمدينة قسنطينة، التي لا تزال لغاية اليوم تنشر طابعا خاصا لما لعبته من دور في مجال التربية والتعليم ونشر الوعي الديني والثقافي وكذا تحرير البلاد من السيطرة الاستعمارية والحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية ومقوّمات الشخصية الوطنية ومع اختيار ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015”، كان لا بدّ من أن يتم الوقوف على ترميم زواياها حتى تكون على أحسن حال خلال هذه التظاهرة في وقت تستعد فيه الأخيرة ومع اقتراب شهر رمضان لاستقباله كالعادة حتى تطبع أجواءه الرمضانية وتحلي سهراته بالصلاة والقرآن، إذ لا تزال الزاوية إلى يومنا هذا تعطي جوا خاصا يخرج عن الطابع المعهود والمألوف لما لها من ميزة وخصوصية بنكهتها الروحية الصوفية التي تستهوي كل قسنطيني عريق.