سار خطوة خطوة كممثّل مع المخرج هيثم حقّي وقدّم أدوارا مختلفة تنوّعت بين التاريخية، البدوية، المعاصرة وحتّى الكوميدية مع ياسر العظمة، قبل أن يصل إلى الإخراج الذي رفعه إلى القمّة من خلال منهجيّته المتميّزة التي استقاها من السينما... ليقدّم أعمالا كثيرة عشقها الجمهور العربي على غرار "مرايا"، "الفصول الأربعة"، أحلام كبيرة" ندى الأيام" و"على طول الأيام"، ليتخصّص في الدراما التاريخية التي جعلته أكثر شهرة وأكسبته العديد من الجوائز ليقدّم لجمهور الدراما "التغريبة الفلسطينية"، "ربيع قرطبة"، "الزير سالم"، "ملوك الطوائف"، "صلاح الدين" وكذا "الملك فاروق" الذي لقي نجاحا كبيرا خلال عرضه في رمضان السنة الماضية..هو المخرج السوري حاتم علي الذي قفز بالدراما السورية إلى علياء وغزا بها معاقل الدراما المصرية وأسقطها من عرشها ليحتلّ القلوب والعقول ويشغل المشاهد العربي.."المساء" التقت المخرج القادم من الفيحاء وأجرت معه هذا اللقاء.. - هي المرّة الاولى التي تزورون فيها الجزائر، إذ تنزلون ضيوفا على الدورة الثانية لمهرجان وهران للفيلم العربي، هل لكم خلفية معرفية عن الأعمال السينمائية الجزائرية؟ * فعلا، هي المرة الأولى التي أزور فيها الجزائر، وجاءت في إطار الدورة الثانية لمهرجان الفيلم العربي وهي مناسبة ثمينة وفرصة للقاء صنّاع السينما الجزائريين أوّلا والعرب ثانيا. اطّلعت على العديد من الأعمال التي قدّمتها السينما الجزائرية، فهي سينما عريقة تاريخيا، وتتميّز بصناعة متطوّرة من الناحية الفنية، والكلّ يذكر باعتزاز انجاز هذه السينما على صعيد المحافل والمهرجانات العالمية، فهي السينما العربية الوحيدة التي استطاعت على سبيل المثال أن تحصل على السعفة الذهبية من خلال فيلم "وقائع سنين الجمر" للخضر حمينة، ثمّ تلتها أفلام مهمة أخرى كثيرة. - استطاع المخرج حاتم علي أن يحقّق في وقت قصير تميّزا عبر طريقته الإخراجية التي مكّنته من تقديم العديد من الأعمال الدرامية التي لقيت نجاحا باهرا ، سيما بعد مسلسل "الملك فاروق" الذي نال جوائز عديدة بعد عرضه خلال شهر رمضان المنصرم، كيف تمّ ذلك؟ * التميّز جزء من شخصية كلّ مشتغل في هذا المجال، وفيما يتعلّق بي شخصيا أقدّم أعمالا تلفزيونية على الطريقة السينمائية وربّما هذا ما يميّز جزءا من أعمالي..أتناول ّإنتاجي الدرامي بتفكير سينمائي بطريقة الكاميرا الواحدة..واستخدام الكاميرا الواحدة ليس أمرا تقنيا فقط وإنّما طريقة تفكير أيضا، وجاء هذا ربّما لضعف الإنتاج السينمائي السوري الذي جعلنا نتّجه نحو التلفزيون كنوع من التعويض. - هذا ما يتوّقف عنده المصريون في انتقادهم للصعود الصاروخي للدراما السورية في السنوات الأخيرة واكتسباها جمهورا عربيا واسعا على حساب الأعمال المصرية التي انفردت لأعوام طويلة بالشاشة العربية، ما رأيكم؟ * لا أعتبر هذا انتقادا ولكن ميزة تحسب للدراما السورية لا عليها، فمن الجميل أن نستطيع تقديم دراما تلفزيونية بالطريقة السينمائية..ما ينقصنا فعلا في سوريا هو تطوير الفيلم السينمائي وإيجاد أسواق له كي يتحوّل إلى صناعة حقيقية كما حدث مع الدراما. - قدمتهم الكثير من الأعمال الدرامية الاجتماعية، لكنّكم تخصّصتم أكثر في الدراما التاريخية التي أثارت جدلا كبيرا حول ما يسمّى بهامش الخيال والحقيقة في مثل هذه الأعمال، ما رأيكم وأنتم من قدّم "الملك فاروق" و"رباعيات الأندلس"؟ * في البداية أقول أنّه ليس من مهام العمل الفني التاريخي أن يؤرّخ لفترة ما أو شخصية ما أو حادثة ما أو يعيد كتابة التاريخ بشكل أو بآخر، وفي النهاية التاريخ بحد ذاته أمر غير متّفق عليه فهو موضوع اختلاف وبالتالي من الطبيعي أن يكون العمل الفني في النهاية أيضا مختلفا فهو وجهة نظر صانعه. في أعمالنا التاريخية لا ندّعي أنّنا نمسك الحقيقة كاملة، بل نقدّم وجهة نظر فكرية وفنية أيضا، وجهة النظر هذه تأتي من تماسك العمل الفني وقدرته على التأثير والإقناع. - هل هذا يعني أنّ المخرج حاتم علي لا يهتمّ بالتدقيق ولا يحاول أن يعود إلى المراجع التاريخية بشكل كبير في تقديمه لمثل هذه الأعمال؟ * بالعكس أنا أهتمّ بالتدقيق إلى حدّ كبير، لكن تدقيق الفترة التاريخية بتفاصيلها الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، أمّا زاوية النظر إلى العمل نفسه فهو عمل خاصّ بصانع العمل، والحادثة التاريخية نفسها عادة ما تروى من وجهات نظر مختلفة، وصانع العمل الفني لديه الخيار، و وجهة نظر خاصة به انطلاقا من قناعاته الفكرية وقدرته على قراءة هذا التاريخ قراءة جديدة ومختلفة وكذا خاصة. كذلك بالنسبة للمنعطفات التاريخية الهامة والحدث محلّ الجدل، فانا أحاول دائما أن أجد وجهة نظري الخاصة التي قد تتّفق أحيانا مع وجهة نظر عامة، وفي بعض الأحيان تختلف بشدّة مع السائد والمعروف، وفي النهاية صانع العمل الفني هو من يتحمّل مسؤولية وجهة نظره. - يثير التناول الدرامي للشخصيات التاريخية العربية جدلا كبيرا، حيث عادة ما تقدّم تلك الشخصيات (خاصة تلك التي عايشت الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم كالصحابة رضوان اللّه عليهم) بطريقة تقديسية تأليهية، في حين أنّ بعض النقّاد يدعون إلى أنسنة تلك الأعمال، ما رأيكم وأنتم من تخصّص في ذلك؟ * هناك نزعة في الدراما العربية، عندما يختصّ الأمر بالتاريخ نحاول أن ننتقي الصفحات المضيئة من هذا التاريخ، وهذا ربّما نابع من نظرتنا التقديسية، وأنا شخصيا لا أعود للتاريخ حتى أنتقي فقط صفحاته المضيئة، بالعكس أعتقد أنّ مثل هذه العودة توقع العمل الفني عادة في فخّ الدعائية..أحبّذ النظر للأمر من زاوية مختلفة، ففي رأيي تلك النظرة التقديسية تساعد على التطرّف لأنّنا نضع المشاهد العربي في مقارنة بين تاريخ مليء بالبطولات والانتصارات والأمجاد وراهن مليء بالانكسارات والهزائم. أنا ضدّ مثل هذه النظرة، وأحبّذ قراءة التاريخ بطريقة مختلفة وخاصة معاصرة، لأنّ مشروعية العمل التاريخي عادة لا تكتسب إلاّ من خلال الأسئلة الراهنة والمعاصرة التي يطرحها، وبالتالي معاصرة العمل التاريخي من عدمه لا علاقة لها بزمن وقوع الأحداث وإنّما بالمعالجة الفكرية والفنية التي يقدّمها وبناء على ذلك يمكن القول أنّ هناك الكثير من الأعمال التي تدور أحداثها في الزمن الراهن ولكنّها من خلال الأسئلة التي تطرحها والشكل الفني تعود إلى غياهب التاريخ وهناك أعمال تدور أحداثها إلى زمن مضى لكنّها معاصرة إلى حدّ كبير. - أكّدتم أنّ الاكتفاء بالجوانب المضيئة قد يؤدّي إلى التطرّف لكن بالمقابل هناك من يرى بانّ تقديم تلك الشخصيات بايجابياتها وسلبياتها قد يخلق شرخا ونوعا من عدم الثقة في الجيل الجديد، ما تعليقكم؟. * العمل الفني أكثر تعقيدا من مجرّد إبراز جوانب مضيئة وأخرى مظلمة، كما أنّ المخرج ليس أستاذ تاريخ وهو غير مطالب -كما قلنا- بتلقين التاريخ لأنّ هذا موجود في الكتب. - يحرص حاتم علي على إشراك العديد من الوجوه الفنية العربية في أعماله على غرار الفنان المغربي محمّد مفتاح، ما رأيكم فيما أثير مؤخّرا حول قرار نقابة الممثلين المصريين المتمثّل في تقنين مشاركة الفنانين غير المصريين في الأعمال المصرية؟ * أنا شخصيا لم ألمس وجود أيّ صراع أو خلاف في هذا الاتّجاه على أرض الواقع، وما قاله نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي كان عبارة عن مسألة تنظيمية ولم تكن تخصّ الفنانين السوريين فقط. - بعد نجاح "الملك فاروق" في رمضان 2007، يقدّم المخرج حاتم علي لعام 2008 مسلسل "صراع على الرمال" الذي يعدّ من أضخم الأعمال الدرامية، أين وصل العمل؟ * لقد انتهيت مؤخّرا من تصوير "صراع على الرمال"، وهو حاليا في مراحله الفنية، كما أحضّر لعمل جديد بعنوان "محمّد علي باشا" من إنتاج شركة "جود نيوز" ليكون جاهزا شهر أكتوبر القادم. - وهل يمكن لزيارتكم الأولى إلى الجزائر أن تثمر عملا مشتركا؟ * يسعدني ذلك لكن لا شيء في الأفق..هناك أعمال جزائرية- سورية مشتركة تمّ انجازها كمسلسلي "عذراء الجبل" و"جحا" كما هناك عمل يصوّر حاليا هو "عندما تتمرّد الأخلاق"..وأظنّ أنّ المستقبل هو لمثل هذه الانتاجات المشتركة والتعاون، لأنّ المشاهد اليوم ليس مشاهدا محليا وإنّما عربيا خاصة في ظلّ وسائل الاتصال والفضائيات وثمّة بات العمل المشترك ضرورة.