هو أحد النجوم السوريين القلائل الذين نجحوا في ربط اسمهم بالدراما التليفزيونية العربية. ورغم تفرده بشخصيات وأدوار لا يؤديها سواه، إلا أنه يعيش حالة من عدم الرضا، دفعته للتهديد بالاعتزال. حول مسيرته وهذا القرار، يتحدث الفنان عبد الهادي الصباغ بكل صراحة مع "الأمة العربية". * عبّرت عبر أكثر من مناسبة عن سخطك على جيل الفنانين الجدد، لماذا؟ ** لأن الأدوار الرئيسية والمركزية في الدراما العربية، ومنها السورية، انحسرت عن الفنانين الذين تقدموا في السن وأصبحت محصورة على الفنانين الشباب. وبالرغم من أن أمرا كهذا قد يكون مشروعا ومن حق الشباب، ولكن هذا الإفراط وهذا التوجه الحصري نحوهم، هو ما يثير غضبي، حيث غابت العدالة، إذ لابد من وجود أدوار مهمة ورئيسية للفنانين الكبار، مثلما يحدث في الغرب. وبالنسبة لي، إذا لم تعرض علي أدوار رئيسية، سأترك هذه المهنة، لأن الدراما هي انعكاس بشكل أو بآخر للحياة، والحياة فيها الشباب والشيوخ . * ولكن الجمهور يستأنس أكثر بالوجوه الصغيرة على الشاشة؟ ** هذا التناول خاطئ ويجب ألا يقتصر على الشباب. فمثلا في الغرب، يظل الممثل محاطا بأدوار البطولة إلى أن يموت، كأنطوني كوين وباتشينو، لأن هناك أعمالا تكتب لهؤلاء الناس، وهذه ملاحظة تؤخذ على الكتّاب الذين تسببوا في خلق خلل في الدراما العربية. * الممثلون السوريون الشباب حققوا النجومية في زمن قياسي، فهل يعود الفضل في ذلك للفضائيات؟ وما مصير من راهنوا على المسرح؟ ** بالفعل، لعبت الفضائيات دورا كبيرا في انتشار كثير من الممثلين الشباب، فالتلفزيون يدخل كل بيوت العالم، وهذا يؤدي إلى شهرة ممثل يظهر على التلفزيون، هذا الأخير الذي يجلب النجاح رغم افتقاده للتكنيك العالي، لكن يبقى المسرح الوسيلة الوحيدة لفرز المواهب. * طالما أن المسرح هو الفرازة الحقيقية، لماذا تتعمد الابتعاد عنه؟ ** خشبة المسرح القومي من المنصات الجيدة في سورية، والتي من الممكن العمل عليها، وأنا لست ممثلا في المسرح القومي، ولكن أتتني عروض كثيرة بمسرح القطاع الخاص، وبعد قراءة النص لم أجد نفسي في النص ولم أجد أن النص يقدم لي شيئا، أو أنا لا أقدم للنص شيئا، وليس هناك متسع من الوقت للعمل في المسرح الذي يحتاج تفرغا كبيرا. وفي الوقت الحالي، هناك مجموعة من الأصدقاء يقومون بالتحضير لعمل مسرحي من كتابة لقمان ديركي ربما سأشارك فيه. * تقول دوما إنك ضحية "باب الحارة"، لماذا؟ ** لأني قدمت مسلسلا رائعا يحمل اسم "جرن الجاويش"، وكان ينتظر منه أن يحقق نجاحا لا يقل عن نجاح "باب الحارة"، فالأخير أخذ فرصته في العرض والانتشار، في حين أن مسلسلي ظلم في توقيت العرض والتسويق. وبالمناسبة، العمل يشبه إلى حد بعيد باب الحارة، لكن الأخير لاقى قبولا جماهيريا كبيرا وسرق الجمهور من متابعة باقي المسلسلات. * وكيف ترى واقع الدراما السورية هذا العام؟ ** الدراما العربية بوجه عام، صارت أشبه بسوق عكاظ، فهناك عشرات الأعمال التي ستعرض في شهر رمضان على مختلف القنوات الفضائية العربية، وبالتالي ستكون المشاهدة من قبل الجمهور العربي مشتتة بين هذا العمل أو ذاك، وبذلك ستظلم أعمال كثيرة في هذا الموسم على حساب أعمال أخرى، ولهذا سنخسر المشاهد بسبب طوفان المسلسلات. * انتقدت بشدة الفنانين السوريين الذين ذهبوا للعمل بمصر، فماذا عن موقفك أنت إذا أتيحت لك الفرصة؟ ** أقبل، ولكن بشرط أن أمثّل باللهجة السورية وليس بالمصرية، إضافة إلى توافر النص الجيد، فأنا لست مضطرا لأن أعيد تقديم دور قدمته من قبل في سوريا، وإلى الآن لم يعرض علي عمل مصري. * كثير من الفنانين السوريين يهاجمون المخرج نجدة إسماعيل أنزور، فلماذا اتخذت زاوية معاكسة؟ ** نجدة صديقي وأقدّر موهبته، فما فعله بالدراما التلفزيونية العربية وليس السورية فقط، رفع سقف التنافس في الوسط الفني مثل التنافس الرياضي تماما، والممثلون الذين لا يأخذهم نجدة في أعماله هم من يهاجمونه. * دورك في مسلسل "آخر الفرسان" لم يكن مناسبا في المساحة، فكيف قبلت ذلك العمل؟ ** لقد كان هناك هدوء نسبي بيني وبين المخرج نجدة أنزور، فلما عدت للعمل معه لم يكن لدي شروط، لأن نجدة مخرج من أهم المخرجين وعملي معه مهم لي كممثل، بغض النظر عن الصداقة التي تجمعني به. فالمشاركة مهما كانت حجمها في مسلسل من إخراج نجدة أنزور، مكسب لأي فنان، وقد سبق وقدمت مع نجدة مسلسل "تل الرماد" ودور صغير في مسلسل "البحث عن صلاح الدين". * في عدة أعمال، أسند لك دور الرجل الذي يحب فتاة أصغر منه بكثير، فهل هذا تصابيا؟ ** هذا ليس اختياري، فعندما بدأت التمثيل كان يسند لي دوما دور الشاب الرومانسي أو الشاب الإيجابي أو الشاب الوطني، في الوقت الذي أنا فيه أقرب إلى الأعمال الكوميدية، التي لم تتسن لي الفرصة للعمل بها، وأنا لم أكرس نفسي لهذه الأدوار، ولكن ربما تكويني واتساع مساحة الرومانسية في شخصيتي هما ما جعلا المنتجين والمخرجين يسندون إلي مثل هذه الأدوار. وشخصيا، لم أحرص على لصق هذه الأدوار بي وحاولت أن لا تستمر هذه الحالة، فدائما أبحث عن الأدوار البعيدة عن هذه الشخصيات. * هل تذكر بداياتك التي تعود إلى 36 سنة خلت؟ ** هذه السنوات جسّدت رحلة جميلة وشاقة، بداياتي كانت بالمدارس ثم الجامعة وانتسبت لنقابة الفنانين وبدأت مسيرة الاحتراف. وكالعادة، كانت الانطلاقة في أدوار الكومبارس، إلى أن اختارني مخرج اسمه برهان علوية للتمثيل في أحد أفلامه، وكانت خطوة جدية، ثم أخذني الأستاذ مروان حداد إلى فيلم سينمائي آخر هو "الاتجاه المعاكس"، ومن ثم "غربة" مع الأستاذ دريد لحام التي كانت الانطلاقة العملية في حياتي وقدمتني إلى الناس. * بعد هذا المشوار، كيف تقيّم حصادك؟ ** بدأت صغيرا جدا في المهنة، عملت من بداية تطور الدراما التلفزيونية السورية ورافقت مرحلة الفشل التي سادت في فترة من الفترات، ومن ثم رافقت النجاح، وربما ساهمت بشكل أو بآخر بوصول الدراما السورية إلى العالم العربي. وباعتقادي، هذا أهم ما حققت، وأظن مرحلة الفشل التي مرت بها الدراما السورية لكون الإنتاج كان حصرا للقطاع العام الذي كان وما زال خاضعا للعلاقات الشخصية. وعندما تحررت الدراما من انحسارها في القطاع العام، بدأ يتحقق هذا النجاح. خلال هذه الفترة، قدمت كمًا من الأعمال التي كان دوري بها إشرافا فنيا أو منتجا منفذا أو منتجا. * هل تشعر أنك قدمت كل ما لديك بعد هذه المسيرة؟ ** هناك دائما مشروع في فن التمثيل، وأنا بدأت حياتي ومازلت أقرأ وأجرب كل ما له علاقة بعملي، فأنا هاو بشكل دائم ودائما هناك محاولات لتقديم الأفضل وطموحاتي في التمثيل هي أن أقدم أعمالي بعمق وبساطة. * ما الدور الذي لم تقدمه ومازلت تحلم به؟ ** هناك أكثر من شخصية في روايات دوستويفسكي، خاصة الشخصيات الإنسانية، وأتمنى أن أستطيع العيش في الحالات التي يكتبها دوستويفسكي الذي أعتبره عالم نفس أكثر من كونه روائيا. * بماذا تشعر بعد فشلك في مجال الإنتاج؟ ** عندما أسست شركة إنتاج، قدمت بعض الأعمال الصغيرة التي كانت خاسرة تجاريا، لأن خياراتي كانت فنية بحتة، بدليل أني عملت كمشرف فني في العديد من الأعمال، مثل "آخر أيام التوت"، و"نساء صغيرات"، و"أسرار المدينة"، و"جلنار"، و"الشمس تشرق من جديد"، و"الآن يوم ممطر آخر"، وقد نجحت جميعها، فأنا أحب موضوع الإنتاج، لأنه يجعلني قادرا على انتقاء النص الذي أحب وانتقاء المخرج الذي سيبرع في تجسيد هذا النص، واختيار الممثلين والفنيين وكل العاملين في المسلسل، وهي المتعة في تقديم عمل له علاقة بمشروعي كممثل، فأنا أرى أن الكثير من المواضيع التي تلامس هموم الناس هي الأهم، لأنها تلامس الجانب الوجداني من حياتنا. * تنتقد الوساطة والمحسوبية، في حين تقوم بدعم ابنك "طارق" ليقتحم الساحة الفنية، فكيف تحرم على غيرك ما تحله لنفسك؟ ** يضحك، ثم يقول: طارق يعزف البيانو منذ كان في السابعة من عمره وأخذه الأستاذ هيثم حقي ليلعب دورا، ومن ثم شوقي الماجري، وأحمد دعيبس، وهشام شربتجي، وكان وقتها صغير السن، فالقضية ليست توريثا للمهنة، فأولادنا تربوا بهذا الجو الفني ومن الطبيعي أن تتكوّن لديهم ميول للفن. كما أن النقاش الدائم بالمنزل حول الأعمال الدرامية، جعلت طارق يتأثر بهذا الجو، عدا عن أنه في الحقيقة موهوب وأنا لم أتدخل في هذا الموضوع واعتبرت أن موهبته هي رحلته، حتى إني لا أتدخل في خياراته، وطارق لم يقرر بعد إذا كان سيستمر في هذا الطريق أم لا. * ما هي علاقتك بالفن والأدب؟ ** علاقتي بالفن التشكيلي علاقة تذوق فقط، ولكن العلاقة وطيدة بالأدب، فأنا منذ الثانية عشر من عمري بدأت أقرأ وأحب الأدب الأمريكي والكلاسيكي الروسي، والعربي طبعا، ولدي عشق كبير للشعر.