عادت الساحة السياسية في تركيا الى نقطة البداية وسط مؤشرات لدخول البلد في ازمة جديدة على خلفية احتمالات متزايدة لحل حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رئيس الوزراء طيب رجب اردوغان. وتعيش تركيا بداية من يوم غد على وقع حالة ترقب لما سيقرره قضاة المحكمة الدستورية الذين شرعوا في مداوالات حاسمة لتحديد المستقبل السياسي لهذا الحزب والاكثر من ذلك تحديد المستقبل السياسي للرئيس عبد الله غول ورئيس وزرائه طيب رجب اردوغان. وتحركت الآلة القانونية للمحكمة الدستورية للنظر في شرعية الحزب الحاكم بعد ان وجهت له تهمة المساس بمبادئ العلمانية التي تحكم الدولة التركية. ورغم وجود مؤشرات ملحة لحل الحزب الحاكم واحتمال اللجوء الى اجراء انتخابات عامة مسبقة، إلا ان الرئيس عبد الله غول رفض بطريقة دبلوماسية مسعى المحكمة الدستورية وقال ان امرا بهذه الاهمية يجب ان يعود الى الشعب التركي الذي تعود له كلمة الحسم في امر كهذا. وجدد التأكيد على ضرورة طرح مسألة الحجاب التي انهت شهر العسل بين العلمانيين والحزب الحاكم على استفتاء شعبي عام للحسم فيه. يذكر ان متاعب الحزب الحاكم في تركيا بدأت بعد ان طرح فكرة تمكين المحجبات التركيات من ارتداء الخمار داخل الجامعات والهيئات الرسمية. للإشارة ان اجراءات نزع الثقة عن الحزب الحاكم وحله شرع فيها شهر مارس الماضي من طرف النائب العام للمحكمة الدستورية عبد الرحمن يالسين كايا مباشرة بعد قرار الحكومة برفع الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في الجامعات التركية التي شكلت طيلة عقود رمز العلمانية التركية التي وضع مبادئها مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك. وكان لقرار المحكمة الدستورية بإلغاء هذا القرار بمثابة بداية اجراءات حل الحزب. وبقيت تداعيات الأزمة السياسية في تركيا تتفاعل على نار هادئة انتهت الى تفكيك شبكة كانت تخطط للقيام بانقلاب عسكري على حكومة طيب رجب اردوغان بتواطؤ مع جنرالات سابقين في الجيش التركي المعروف عنه دفاعه المستميت عن العلمانية ووقوفه في وجه الاحزاب الاسلامية التي تعاقبت على كرسي رئاسة الحكومة التركية. وكان قرار الحكومة التركية الحالية برفع الحظر عن الحجاب بمثابة الفتيل الذي اشعل نار الفرقة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والتيارات العلمانية التركية التي رأت في المسعى بداية لضرب اسس الدولة العلمانية ومبادئ الدولة التركية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك عشرينيات القرن الماضي. وستعيش الطبقة السياسية وكل الشعب التركي بداية من يوم غد على وقع الترقب الى غاية اصدار قضاة المحكمة الدستورية الاحدى عشر قرارهم النهائي حول هذه القضية اما بحل الحزب والدعوة الى اجراء انتخابات مسبقة واما الابقاء على الوضع القائم في تعارض مع ما تنتظره التيارات والاحزاب السياسية العلمانية. ولكن المتتبعين للتجارب المماثلة التي عاشتها تركيا فإن حكم القضاة سيذهب دون شك باتجاه حل الحزب الحاكم تماما كما حدث مع عدة احزاب سياسية ذات توجهات اسلامية. ولم يشأ القاضي هاشم كيليش رئيس المحكمة الدستورية تحديد تاريخ لاصدار المحكمة لحكمها النهائي واكتفى بالقول "لست ادري متى سيتم اصدار الحكم ربما سيكون خلال ثلاثة ايام او عشرة ايام المهم اننا نعمل بكل جدية". يذكر ان حكم المحكمة يجب ان يكون بغالبية سبعة اصوات من بين احدى عشر قاضيا المشكلين للمحكمة الدستورية. واستبق حزب العدالة والتنمية الحاكم الاحداث وخرج عن صمته امس منددا بما اسماه ب "الانقلاب القانوني" على شرعيته واكد انه وضع عدة نقاط لحل هذه الازمة ومن بينها امكانية اللجوء الى تشكيل حزب سياسي جديد لاستيعاب اكثر من 300 نائب الممثلين حاليا للحزب في البرلمان التركي والذين سيتحولون الى نواب احرار في حال حل حزبهم. واكدت عمليات سبر للآراء ان الحزب الذي سيتم تأسيسه على انقاض حزب العدالة والتنمية سيحصل على اغلبية المقاعد النيابية وان اردوغان سيتحول الى نائب مستقل. وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم حاز على اغلبية مقاعد البرلمان بنسبة 47 بالمئة في انتخابات سنة 2007 . وقد تم في سياق هذا العداء والقبضة الحديدية بين الاحزاب والقوى المدافعة عن اللائكية والاحزاب الاسلامية في تركيا الى حد الان حل 24 حزبا سياسيا كان من بينهم حزب الرفاه الذي قاده نجم الدين اربكان الذي كان اول رئيس حكومة اسلامي يحكم اكبر دولة علمانية مسلمة قبل ان يتم حل حزب الفضيلة الاسلامي الذي تم حله هو الاخر سنة 2001 بالأغلبية المطلقة لقضاة المحكمة الدستورية الاحدى عشر.