يعتبر كتاب كتاب ''من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسيين: عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي''، الصادر عن منشورات ''الحبر''، سلسلة من الذكريات التي سجلها باعزيز بن عمر طيلة معاشرته للشخصيتين ، حيث أدرج فيه كل ما تدكره عن مواقف الشيخين و هو الذي عاصرهما ، وهو يكتب كل ما علق بذهنه من ذكريات خلال مرافقته للعلامة عبد الحميد بن باديس والشيخ الإبراهيمي، مخصصا لكل منهما قسما منفردا، سرد فيه الحياة الفكرية والإصلاحية والوطنية، للشخصيتين الوطنيتين في مجال الدعوة والإصلاح باللسان والقلم. و جاء في الكتاب مثلا أن بن باديس كان يعتبر الصحافة مظهرا من مظاهر الرقي والفقه، وكان يعتبرها كظاهرة ضرورية للمجتمع، لا تستغني عنها أمة في السلم أو الحرب ، ويلفت باعزيز النظر إلى زيارة الشيخ محمد عبده إلى الجزائر، بقوله إن بن باديس يعتقد أن زيارة المصلح المصري إلى الجزائر كانت شبه رسمية ، كما يبرز المؤلف مواقف الإمام من سؤال ''هل تتعارض الوطنية مع الإسلام؟ وجاءت إجابته انه لا تعارض بينهما ''ولا يجوز تجريد الإسلام من الوطنية والسياسة والحياة''، ويصل إلى القول في باب الدين والحياة: ''إن المسلمين اليوم في حاجة إلى من يصورون لهم الإسلام تصويرا صحيحا يجعلهم يفقهون ما يدعو إليه العمل لأجل التمتع بالحياة وطيباتها لعلهم يقبلون على ما فيه سعادتهم وعزتهم''. و تتابع المحطات التي توقفت عندها ذاكرة الكاتب، بما فيها مقولاته حول تدريس اللغة الفرنسية، التي تبرز انفتاحه على اللغات، وقوله ''إن مجتمعنا في حاجة إلى العلم فمن نشره باللغة الفرنسية فقد خدمه ومن نشره باللغة العربية فقد خدمه، ومادام العلم واحدا فلا ضير في تعدد لغاته''. كذلك نقرأ رأي الإبراهيمي ''إني لأنصح لأبنائنا المتأدبين والمغتربين في طلب العلم أن يكونوا أقوياء في تكوينهم لغة وعلما وأدبا وأخلاقا ويعكفوا على دراسة تراث الأقدمين...''. وهي ا رحلة رائعة وممتعة يأخذنا فيها الشيخ باعزيز بن عمر من خلال ذكرياته عن الإمامين بن باديس والإبراهيمي. ولا غرابة في ذلك لأنهما من مؤسسي الحركة الإصلاحية في الجزائر والمثابرين في نشر الوعي وإحياء الضمير من خلال عملهما الذي تواصل قرابة نصف القرن. فعندما نتحدث عن حياتهما، إنما نتحدث عن صفحة مشرقة من كفاح جيل، وإرهاصات نهضة ستنتهي إلى الاستقلال. وكم كان الكفاح شاقا، بما أن الاستعمار لم يكن العدو الوحيد، بل كانت الأمية والطرقية، والاضمحلال الخلقي... كلها أمور كان لا بد النظر فيها وتقويم الإعوجاج فيها. إن حياة الشيخين، وحياة المؤلف أيضا، بما أنه صاحبهما وسجل عمله في خطهما، تعلمنا بصفحة كاملة من تاريخ بلد كان يحاول البقاء على قيد الحياة... الكريم يذكر أن الشيخ باعزيز بن عمر من مواليد 1906 بأزفون، تلقى دروسه الأولى على يد والده الفقيه في العلوم الشرعية. له مؤلفات حول الأخلاق والتربية الوطنية وأخرى في الفقه للمدرسين ومسرحية تاريخية بعنوان ''الجزائر الثائرة''، تعرف على بن باديس في العاصمة سنة 1928 ولازمه في تنقلاته بين الولايات، ولقاءاته المتكررة مع خاصة الناس وعامتهم.