صدرت حديثا للروائي الجزائري "بشير مفتي" الرواية الموسومة "دمية النار" رواية يضعنا الكاتب من خلالها أمام تراجيديا حقيقية يفتح بها أقفالاً مغلقة في سراديب مظلمة عاشتها الجزائرفي سبعينيات وثمانينيات هذا القرن . وفي هذه الرواية يترك الروائي البطل يتكلم سيرته الشخصية عندما يفاجئ بمخطوط يصله بعد عشر سنوات على اختفاء "رضا شاوش" وانتهاء الحرب، أو توقفها لزمن معين يقول: "حينما حمل لي البريد ظرفاً بداخله مخطوط مع رسالة قصيرة جاء فيها:عزيزي الروائي بشير م. يصلك هذا المخطوط وأنا ربما في عالم آخر، ليس بالضرورة الموت، وإن كنت لا أستبعد هذا، وفيه ما وعدتك به، المخطوط الذي كتبته تأريخاً لحياتي تلك ، إنها قصتي أنا بكل حروفها السوداء، وأبجديتها الخارقة، إنها قصتي التي عشتها وتخيلتها، وإنها ذاكرتي التي صنعتها وصنعتني في نفس الوقت، وإنني لأتمنى صادقاً أن تكتب اسمك في أعلى صفحاتها، وتنسبها لنفسك فتكون بالنسبة إليك كقصة خيال مروعة على أن يراها الناس حقيقة مؤكدة.. مع أنني، من خلال ما عشت، لم أعد قادراً على التفريق بين ما هو خيال وحقيقة، واقع وحلم.. شكراً لك على التفهم، وداعاً.. رضا شاوش"، لا شك أن مضمون الرواية هو محاولة لاستنطاق الماضي.. صراع البشر أو بالأحرى صراع الأقوياء، وعدم الجرأة على مخالفة قانون الأمر الواقع الذي يقع تحت وطأته الضعفاء وكيف يتحول الإنسان إلى شخصاً آخر. يقول "رضا شاوش" فإذا بي أولد شخصاً آخر مليئاً بأشياء أخرى، ودماء جديدة.. دماء آخرين امتص منهم روحهم، روحهم البريئة لأعيش، صرت الشر، ودمية الشر، صرت الشيطان، ودمية الشيطان، صرت تلك النار اللاهبة والمستعرة، النار الحارقة والمسعورة، صرت مثل دمية النار، تحرق من يمسكها. صرت اللاشيء الفارغ من أي معنى، والذي لن يعيش إلا عندما يقدر على مص دماء الأبرياء الذين يواجههم... كانوا يطلبون مني أشياء غريبة، وكنت أنفذها، وصرت بعدها واحداً منهم ". "بشير مفتي" يحاول سرد تجربته الخاصة في مواجهة التبعية والاستقلال الثقافي ليضع أمام القارئ صيرورة الأحداث في حركتها التاريخية والمجتمعية وبناء كينونتها الخاصة إزاء المؤثرات المختلفة التي تجعل القاص في مواجهة بنى السلطة السياسية والاجتماعية، وتلك هي مهمة نضالية للمبدعين العرب حيث وضعت الأحداث السياسية وما رافقها من بؤس وتفسخ اجتماعي وضياع للشباب العربي الأدباء أمام مسؤولية في الاستقلال عن الخطاب الإيديولوجي المهيمن وإسماع أصوات الذات المقموعة، والانغماس في قضايا الواقع والتباساته.