تطرق فيلم مسدس منديلا Mandela's Gun (إنتاج 2016) للمخرج البريطاني جون ايرفين إلى السيرة الذاتية للزعيم الجنوب إفريقي نيلسون روليهلاهلا مانديلا، طيلة تكوينه في الكفاح المسلح ضد نظام الفصل العنصري ، انطلاقا من تدريبه بالجزائروأثيوبيا، وإلى غاية اعتقاله سنة 1962 رفقة سيسيل ويليامز، وهذا في بناء توثيقي روائي، اعتمد على تمثيل تلك المرحلة، مع تدعيمها بشهادات حقيقية لشخصيات عايشت الزعيم ماديبا. مسدس منديلا هو إنتاج مشترك جنوب إفريقي، جزائري وبريطاني، قدم عرضه الأول في الجزائر يوم 28 فيفري، بأوبرا بوعلام بسايح، هذا الفيلم اعتمد على الأسلوب الروائي لتجسيد الأحداث وشخصية نيلسون مانديلا، إضافة إلى أهم محطات حياته ، حيث جسدت المشاهد رحلات منديلا بدءا من الجزائر أين لُقن مبادئ المقاومة المسلحة، وعايش معارك جيش التحرير الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي سنة 1962، هذه اللحظات نقلت عبر مشاهد قتالية لطائرات المستدمر وهي تفتح النار على المجاهدين المرابطين رفقة ماديبا بأعالي الجبال الجزائرية، لاحقا تتبعت الكاميرا مانديلا إلى أثيوبيا وتنقلاته إلى جنوب إفريقيا، إضافة إلى نشاطه في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وسارت أحداث الفيلم نحو مسار خرج عن ذلك المعروف عن مانديل ، نحو فكرة ضلوع المخابرات الأمريكية – سي أي إيه - في اعتقال نيلسون مانديلا سنة 1962، كون واشنطن اعتبرت هذا الأخير واقعا تحت السيطرة الكاملة للاتحاد السوفياتي، ومصدرا للتحريض على الحرب في جنوب إفريقيا، هذا الاتجاه رافع إليه مخرج الفيلم بداية من العنوان "مسدس مانديلا" هذا السلاح الذي امتلكه ماديبا، وكان من نوع ماكاروف الروسي الصنع، الأمر الذي يلمح إلى اليد السوفياتية في مسيرة هذه الشخصية، ورغم أن الفيلم لم يحمل أحداثا موثقة رجحت هذا الاحتمال، إلا أنه تم الاكتفاء بشهادات أكدت شكوك الأمريكان آنذاك واحتمال عملهم على إحباط مشروع تقرير مصير جنوب إفريقيا من طرف أشخاص موالين لموسكو. بالإضافة كان للمسدس دلالة مباشرة أكثر وضوح، وهي العمل المسلح لنيلسون مانديلا، ففي مرحلة معينة يقوم بدفنه بإحدى الحدائق، ما يحيل إلى تخليه عن الخيار المسلح، والانطلاق في مسيرة حافلة من العمل السياسي والكفاح السلمي. وأدى دور مانديلا الممثل "توميشو ماشا”"، و رافقه الممثل الجزائري خالد بن عيسى الذي جسد شخصية شريف بلقاسم، إضافة إلى "ديسمند دوب "، "لوتوي ديلاميني" و "نيك بوران"، كما حاول الفيلم الخوض في طباع الزعيم الراحل، تصرفاته، وردات فعله، كما ارتكز على قليل من الأرشيف مع العودة إلى بعض الأماكن التي مر بها مانديلا خلال مسيرته، إضافة إلى شهادات عدد من الشخصيات منها السفير الجزائريبجنوب إفريقيا نور الدين جودي، الذي تحدث عن مرور مانديلا بالجزائر، وكيف كانت هذه المحطة بداية لمسيرة مناهضة الأبرتايد. الفيلم جاء باللغة الإنجليزية، مع ترجمة مكتوبة باللغة الفرنسية، معظم أحداثه تجري بين أثيوبياوجنوب إفريقيا، وبصفة أقل في الجزائر، التي ظهرت فقط في بداية العمل، كما أن مانديلا الحقيقي لم يظهر إلا في الدقائق الأخيرة من الفيلم وهو يعطي شهادة تلفزيونية عن مسيرته وأفكاره. وانحاز صاحب العمل إلى نوع (الفيلم النوار) أو الفيلم الأسود، المستعمل في أفلام الجريمة والتحقيق الأمريكية، خلال تمثيل الأحداث، وجاءت الصورة في معظمها بالأبيض والأسود، ما عدا الشهادات الحية للشخصيات التي عايشها الرئيس جنوب إفريقي الراحل فكانت ملونة.
جاسوس يكشف يد أمريكا في اعتقال ماديبا وبالعودة إلى الفكرة التي أثارها فيلم "كابوس مانديلا"، فهي مرتبطة بمعلومة كشف عنها (دونالد ريكارد) الجاسوس السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي اي ايه)، حيث اعترف للمخرج البريطاني جون ايرفين أنه لما كان عميل تسبب في اعتقال نلسون مانديلا سنة 1962 وسجنه بعد ذلك. وعن اختياره للزعيم نيلسون مانديلا كموضوع لعمله، أكد المخرج جون ايرفين أن الرجل يعتبر شخصية إنسانية تحمل الكثير من الدلالات، وهو رمز للوئام والسلام ، معتبرا إياه قائدا كبيرا في ، وقال "رغم رحيله إلا أنه لا يزال رمزا يُذَّكر أبناء بلده بالمسيرة التي كابدوها للوصول إلى حاضرهم هذا في كنف السلم..." وعن اختياره لتيمة سلاح الكابوس، أشار المخرج إلى الرمزية القوية حين اختار مانديلا دفنه، والتحول للعمل السلمي، الموقف الذي كان علامة فارقة في مسيرة الرجل. أما فيما تعلق بالدمج بين الروائي والتوثيقي في الإخراج فبرر جون ايرفين : " استعمال الخيال يمنح الإمكانية والحرية في نقل ما لا نملكه كمادة أرشيفية، والغوص في عمق تلك الشخصية، بالموازاة اعتمدت على التوثيق لإضفاء المصداقية عبر عمل بحثي واستقصائي، مدعم بشهادات حية لعدد من الشخصيات...".