هي سيدة جزائرية لا تحب الأضواء كثيرا ، امتهنت الشعر و أبحرت فيه و بحثت في ثناياه عن ترددات الحياة و عن ترانيم الجمال ، نسيمة بوصلاح تحدثت عن نفسها و عن أبياتها . أعلنت مغادرتك القصيدة العمودية رغم إجادتك.. ما السبب؟ أولا أنا لم أعلن هذا، وها أنا ذي أعلنه بعد سؤالك، أما عن الأسباب فهي أسباب تقنية محضة، وهي تخصني وتلزمني وحدي، ولا أريد أن يفهم من كلامي أنني أتهجم على العمود وأصحابه، إلا أنني مللت تمارين الخط، الكتابة على العمود تشبه كثيرا تلك النقاط التي كانت ترسمها معلمتي على كراس الخط، ويكون علي أن أصل بينها بخط متواصل كي اكتب حرفا أو كلمة أو جملة. لا أريد نقاطا ولا مساطر ولا أدوات قياس.. لا اريد قوالب جاهزة كقوالب الجبس التي يتسلى الأطفال بتلوينها ويكتشفون بعدها أنهم، وإن تعددت ألوانهم، لونوا القالب ذاته، كان للعمود في تاريخ الشعر العربي أسبابه، ومنها كون الشفوية أسبغت سيطرتها شبه الكلية على طريقة التداول، سيكون عيبا على من يحيا في 2011 ألا يفكر في استغلال كل ما أتاحته التقنية من وسائل تصلح حتما لإفراز نص مختلف.شعر ما بعد الطباعة • لكن التقنية التي تتحدثين عنها تبدلت من زمن لزمن وبقي العمود محافظا على حضوره بقوة.. ماتعليقك؟ للأسف أبرر هذا بسوء استخدام التقنية؛ بمعنى أوضح، المنجز النصي الذي أنتجه شعراء ما قبل الطباعة كان لا بد له أن يختلف عن ذلك الذي أنتج في مرحلة ما بعد الطباعة، والمفروض كذلك أن يختلف هذا الأخير عما ينتج بعد الكمبيوتر، أن نصرّ على أن نكتب بالكمبيوتر القالب الشعري ذاته الذي أنتجه المهلهل فهذا يعني أننا قاصرون فقط لا غير، الأمر يشبه أن تمتلك موبايلا من الجيل الرابع ومع هذا تصر على أن تقوم فقط بإرسال واستقبال المكالمات منه، كما لو أنك تستعمل الهاتف الأرضي ذا العجلة الدوارة. • تقولين باستنفاد مفردات عربية لجدوى حضورها المعاصر، رغم انها مفردات اعتمدها المقدس بوصفه أعلى قيمة بلاغية.. ألا يعد هذا تقاطعا مع سمو المقدس؟ في الحقيقة كلمة استنفاد تشعرني وكأنني أطالب بتطهير عرقي للمفردات، الأمر ليس كذلك، أنا أدعو فقط بأن نكتب بلغة حياتنا، الفصام اللغوي الذي يصر عليه الشعراء هو ما يجعل الناس ينفرون من الشعر بل ويتخذون من شخصية الشاعر مادة خصبة للتنكيت، وأنت تعرف أن اللغة كائن حي له اجتماعيته الخاصة، فكما انه ليس مقبولا اجتماعيا بأن تطلع على الناس وأنت تلبس أزياء الغابرين، كذلك أرى أنه ليس مقبولا أن نطلع على الناس ونحن نتحدث بلغة تحتاج إلى لسان العرب وتاج العروس والمعجم الوسيط فقط كي نستطيع تخطي المعضلات المعجمية، وكون هذه المفردات وردت في القرآن أمر لا يشكل بالنسبة إلي أدنى عائق في استبعادها من معجمي الشعري مادامت غريبة على الحياة، ذلك أنني لا أعتبر الشعر شعيرة دينية على كل حال. • في حوار معه، يؤكد عبدالواحد لؤلؤة عدم وجود ناقد عربي منذ القرن الرابع الهجري، فما تعليقك؟ في الحقيقة هذا رأي سديد ورشيد وواع، ومحترم، ولطالما قلت الشيء ذاته، ولطالما قلت إن النقد العربي توقف مع الجرجاني وحازم القرطاجني ومن دار في فلكهما الزمني نحن ما زلنا لا نفرق بين محاولات العرب المعاصرة لقراءة النصوص العربية وفق آليات ومناهج أنتجت في الغرب، وبين أن ينتج من نطلق عليهم تجاوزاً نقاداً عرباً نظرية نقدية عربية خالصة تستند إلى خلفية فكرية وفلسفية عربية بحتة، لقد بلغ الإفلاس بالنقد العربي حد بعض المشتغلين بهذا الحقل في المغرب العربي يجاهرون أن نظرية «التشاكل» مثلاً لم يشر إليها قبلهم أحد لا في شرق البلاد ولا في غرب، كما ورد على لسان أحدهم في الصفحة الأولى لجريدة الخليج. لقد وصلنا إلى مرحلة من الإفلاس أصبحنا فيها نبيع بالونات الهواء لبعضنا البعض والله المستعان. النظرية غير بريئة • يقول د. صلاح فضل إن النظرية النقدية ملك مشاع للإنسانية وليس بالضرورة أن نمتلك نظرية نقد عربية، فما قولك؟ رائع جداً لكن هناك فروقاً بين من يصنع الكمبيوتر ومن يستهلكه. النظرية النقدية ليست مجرد درس يحفظ ويطبق وينتهي الموضوع، هناك إشكال أول هو أن هذه النظريات غير بريئة في مجملها، أي أنها ترتكز إلى خلفيات فلسفية غير تلك التي ينطلق منها الفكر العربي الإسلامي تجد نظرية في ظاهرها لسانية لغوية بحتة لكنها تعود في جذورها للفكر المسيحي الإغريقي ، من حيث ارتكازها على الثنائيات مثلاً، هناك نظريات تبدو في ظاهرها سيميائية خالقة لكنها تستقي أسسها من الفلسفة الهيجلية التي تؤمن بالتثليث، في الحقيقة إن قولاً كالمذكور أعلاه، يجعلني أتخيل أن النظرية النقدية هي عبارة عن دواء السرطان لا يهم من صنعه ما دام أن كل البشر سيستفيدون منه، أنا آسفة أن أسبب صدمة لمثل هذا التفكير فجل ما ينتجه العرب هو نظريات نابعة من ذهنيات الغرب، هذا إشكال أول الإشكال الثاني لنفترض أن هذه النظريات بريئة ومسالمة شأنها شأن دواء السرطان كما سبق وأن ذكرت، الذي لا يفهمه العرب، هو أن لهذه النظرية أدوات إجرائية، ومصانع فكر، لماذا يصر العربي على أن يقف موقف الأبله السلبي، يندهش عندما ينفخ الغربي بالونه، ويبتئس وهو يفجره أمام عينيه؟ ما يحدث في الغرب هو ما أسميه الحراك النقدي الحقيقي، هناك لهو حقيقي بالأفكار، والمفكر الأصيل هو الذي يصنع الفكرة كي يفجرها فيما بعد لا لكي يؤلهها ويعتبرها إرثاً إنسانياً صالحاً للاقتسام، أعود إلى مسألة الكمبيوتر كي أدلل على أننا نصر على أن نكون أمة مستهلكة حتى في مجال النقد، وأمة تابعة حتى في كيفية تذوقها النص الأدبي، منذ الرومانسية والكلاسيكية ونحن نتلقى النصوص بمعايير الغرب، الذي يحكم سيطرته على كل شيء، وإن كانت النظرية النقدية هي إرث إنساني فلست سعيدة بهذا الإرث الذي يجعلني أحيل مادتي الرمادية إلى التقاعد، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي وله. • شاركت في تنشيط الكثير من الفعاليات الثقافية في الجزائر من خلال عملك في روابط وجمعيات ثقافية، كيف تنظرين إلى جدوى هكذا تجمعات؟ باختصار ومن دون مقدمات لبقة، بعد كل هذا الماراثون أيقنت أن الكتابة فعل فردي يمارس بعيداً عن غباء القطعان وغثائهم. {غاوية مشاكل} • يقول البعض عنك إنك «غاوية مشاكل» ولاتتوانين في دخول صدامات مع الكثيرين.. ما تعليقك؟ في الحقيقة لست غاوية مشاكل، ولكن فقط ليس على رأسي بطحة لكي أحسس عليها، وأحب أن أصرف للمتطاولين والمدعين «كاش»، الذين لا يقولون للأعور أنت أعور في وجهه قد يكونون عورانا أيضا، لذلك إثارة المشاكل بالنسبة إليهم هي نوع من البصاق إلى أعلى. ولكن لا أخفيك أنني في الآونة الأخيرة تركت تلك المياه الآسنة لقدرها ولم أعد أخوض فيها، أنا شاعرة قدّر لي، كما لغيري من الحقيقيين، أن نجد في طريقنا الكثير من حاويات الزبالة، وليس من الحكمة أن ننصرف عن الشعر لكي نعين عمال البلدية على كل حال. • نلحظ غالبا توجه الكثير من الأدباء الى ولوج ميدان النقد الأدبي من دون تخصص.. هل هو تفوق في قدرات الأديب أم موضة أم ماذا؟ والله لا ألوم كل من تسول له نفسه فعل ذلك، أنا ألوم الذين صرفت عليهم الجامعات العربية من أجل أن يكونوا نقادا ولم يفعلوا بل تحولوا إلى مرتزقة، يسعرون المقدمات التي يكتبونها للشباب بأسعار تختلف حسب عدد الكلمات، ونسبة الإطراء فيها، الطبيعة لا تقبل الفراغ، وفي كل المهن هناك المحترف وهناك المدعي، والمدهش أن المدعي هو أكثر الناس تذمرا من حال «الكار» بلغة أهل السوق، أصدقاؤنا الكتبة صاروا كلما أرادوا أن يثبتوا لأنفسهم شيئا أعلنوا عن مشروع «نقدي» ما لا يكتمل في غالبية الأحيان لانعدام اللياقة وقلة الحيلة. بقعة ضوء • مؤخرا أعلن ادونيس اعتزاله الشعر قائلا إن دورته الشعرية اكتملت.. وقد جاء تزامن هذا التصريح مع اعلان نتائج نوبل ليضع ادونيس في موضع متهم بانكساره.. ماتعليقك؟ بغض النظر عن الأسباب التي جعلت أدونيس يعلن ذلك، أنا أحترم ما قام به، وهو فعل نادر في عالمنا العربي، يا رجل لا أحد يتزحزح عن مكان عليه بقع ضوء، هناك من بلغ مرحلة الخرف الشعري، ولا يزال «يغثنا» بجديده، وهناك من لا يزال يتأبط كلماته المائة والعشرين، ويصففها كل مرة بطريقة جديدة، ويخرجها علينا في ديوان جديد، سلوك أدونيس مهما كان سببه، هو ممارسة غير اعتيادية، مضادة للسأم، لماذا علينا أن نصل دائما إلى مرحلة الرئيس المخلوع، والمطرب الذي لا يسمعه غير جيرانه، والشاعر غصبا عن الجميع، أحترم من لا يستعير لقنديله زيتا كزيت السيارات، احترم مثل هذه السلوكيات الصديقة للبيئة بصراحة. • تجيدين اللغة الفرنسية ولاشك انها جعلتك تطلعين على ثقافة الآخر.. بعد عملك في المشرق وتماسك مع الاديب والمثقف المشرقي.. ما الفوارق التي وجدتها على المستوى الابداعي؟ لا شك أن أي حكم سأطلقه إجابة عن مثل هكذا سؤال سيكون حكما معياريا بالدرجة الأولى، ولا أريد أن اقع في فخ التعميم، سأكتفي بالقول إن في بلدان المشرق والمغرب، على حد سواء، تجارب استثنائية تشتغل على نفسها بثقة وبصيرة حادة، وأنا أحترمها وأتابعها. • لو قيض لك أن تكوني احد اعضاء لجنة تحكيم بوصفك ناقدة.. كيف سترتبين أسماء أوقدت في مخيتلك جمرة الشعر في «أمير الشعراء»؟ حسنا إنه سؤال في شكل مصيدة، ولكنني لست من فصيلة القوارض كي أقع في مثل هذا فخ. • سنحسر التقييم بالمشاركة الجزائرية في «أمير الشعراء» والأسماء التي تشيرين اليها؟ من دون تردد ولا انحياز وبموضوعية مطلقة شفيقة لوعيل.