بعد التعثر أمام سلوفينيا، لا يمكن لأنصار الخضر مطالبة أبناء رابح سعدان أكثر من الظهور بوجه مشرف في اللقائين القادمين، وإظهار الروح القتالية العالية ليحملوا إسمهم بجدارة، وليواصلوا مهمة إذكاء الروح الوطنية التي أوقدوا شرارتها في أم درمان، لأن هذا الفريق قد تحول إلى حامل لواء للجرائريين حيثما وجدوا، ولأن الرهان عليه بات كبيرا في توثيق الصلة بين الوطن وأبنائه في المهجر. غدا يلتقي الفريق الوطني بنظيره الأنجليزي في ثاني مقابلة له في المونديال قد تعيد اللحمة بينه وبين جمهوره الذي خاب ظنه في المقابلة الأولى أمام سلوفينيا وأيا كانت النتيجة فإن الجمهور الحقيقي المتعاطف مع هذا الفريق سوف يتابع أداء الفريق والروح القتالية التي سوف يظهر بهاأبناء رابح سعدان فوق الميدان آمام فريق كبير يرشحه النقاد لنيل الكآس تعثر الفريق المحتمل غدا يملي علينا التعامل بذهنية متسامحة مع هذا الفريق الشاب الذي يعد بالكثير في مستقبل قريب إذا ما آحيط بالعناية المتابعة لآنه في اعتقادي قد حقق أهدافه حتي قبل الدخول في هذه المنافسة حين استطاع أعادة الحياة للروح الوطنية لشريحة واسعة من الشباب الجزائري وتحديدا لشبابنا في المهجر من الجيل الثاني والثالث، وهو مكسب لا يقدر بثمن، ولو خيرنا بين هذا المكسب وبين الفوز بكأس العالم لذهب خيارنا لصالح النتيجة الأولى التي أعادت لنا جيلا كاملا من أبناء الجالية إلى المجموعة الوطنية الخيار الذي كان وراء بناء الفريق الوطني تقريبا من أبناء الجالية الجزائرية في المهجر كان خيارا موفقا إلى حد كبير لم تحدده فقط الأعتبارات الرياضية بقدر ما كان بدافع منح لواء تتجمع حوله الجالية في عموم أوروبا، والتي تتعرض تحت شعار معادآة الأجنبي وخاصة معاداة الأسلام إلى كثير من الأستفزازات والضغوط لقد اكتشفنا مقدار تجاوب شبابنا في ديار الهجرة مع الفريق، ومن خلاله مع الوطن الأم، ومع العلم الوطني، وبالتالي ارتباط شبابنا في المهجر بوطنهم، واعتزازهم بتاريخه وثقافته، وبجميع مقومات الهوية الوطنية التي كنا بدأنا نخشى عليها حتى في داخل البلد ،فجاء ذلك الألتفاف حول الفريق الوطني ليمنحنا قدرا من الأطمئنان، في زمن بدأنا نسجل فيه حالة من عودة الأستعمار الجديد ،وضرب الهويات القومية، وتفكيك الدول وتمزيقها من الداخل، قبل إعادة إحتلالها. واقع الحال أن دولنا الصغيرة لا تملك الوسائل التي تملكها الدول الكبرى للتأثير، لا على المستوى الأقتصادي والسياسي، ولا علي المستويى الثقافي والإعلامي حتى نطمع في إنجاز اختراق داخل دول منظمة مثل الدول الأوروبية، ونقترب من الجالية، ولما لا توظيف الجالية في موازين القوة التي تتحكم في العلاقات بين الدول، وهو حق مشروع وسلوك طبيعي بين الدول. ليس بين أيدينا اليوم سوى هذه المقاربة البسيطة والغير مكلفة، وقد وفى بها هذا الفريق الشاب فوق ما كنا نتمنى، ولو أننا آنفقنا ملايين الدولارات على الوسائل الأعلامية والثقافية، وبذلنا جهدا استثنائيا على مستوى العمل الجمعوي، لما كنا حققنا النتيجة التي حققها لوحده المنتخب الوطني، يكفينا متابعة قلق الإعلام الفرنسي، وجانبا من الطبقة السياسية الفرنسية حيال الظاهرة، لنتأكد أن ألوان الخضر التي ملأت شوارع باريس ومرسيليا، وكثيرا من العواصم الأوروبية، قد أصبحت تؤرق الساسة الفرنسيين والأوروبين عموما أكثر مما يؤرقهم الإسلام السياسي، أو مظاهره في اللباس كما هو الحال مع الحجاب والبرقع. قد يتذكر البعض غضب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شراك، حين فوجئ بأبناء الجالية الجزائرية وهم يشهرون العلم الجزائري، ويسخرون من النشيد الوطني الفرنسي في البارك دي برانس يوم التقى الفريق الجزائري بنظيره الفرنسي، ومن يومها تغيرت النظرة للجالية، وحاولت الحكومات المتعاقبة بناء سياسات جديدة، أملا في تدارك ما فاتها، وقد ذهب الرئيس الفرنسي الجديد أبعد من ذلك بإشراك كثير من رموز أبناء الجالية فب الحكومة،أو على الأقل كما يعتقد، في محاولة أخيرة لأستمالة أهل الضاحية، الذين كادوا منذ سنتين يحولون مدن فرنسا إلى ساحات ملتهبة، في احتجاج ظهرت فيه مطالب أبناء الجالية الجزائرية والمغاربية جلية، ليس فقط كمطالب اجتماعية واحتجاجا على الإقصاء والتهميش، بل كمطالب تريد أن يعترف المجتمع الفرنسي بالخصوصية الثقافية لأبناء الجالية المسلمة. وجاء النقاش الذي فتحه ساركوزي حول الهوية ، وتزامنه مع تصاعد مشاعر عدائية وعنصرية ضد المغاربيين والمسلمين عموما، ليؤكد حالة من الإنفصام والتمترس بين الجالية وبقية مكونات المجتمع الفرنسي، ازدادت تفاقما مع التفاف أبناء الجالية في فرنسا وعموم أوروبا خلف المننخب الوطني، كان من نتائجه المباشرة عزوف الناخب الفرنسي عن الأستعانة بنجوم مغاربيين، مثل بن زيما وناصري وبن عرفة، وهو موقف إنتقامي مفضوح من أبناء الجالية، التي كشفت عن ولائها للوطن الأم بدل الولاء للبلد المضيف، واكتشف الفرنسيون فشل سياسة الإندماج التي تخلط بين الإندماج والذوبان الثقافي والديني، على طريقة الذهنية التي سادت طوال سنوات الإستعمار. في هذا السياق، وضمن هذا المنحى ينبغي متابعة مسيرة الفريق الوطني لكرة ، التي لا ينبغي أن نحكم عليها فقط من خلال النتائج التي سوف تسفر عنها مقابلات كأس العالم بجنوب إفريقيا، ولا حتى النتائج التي سوف تتحقق في السنوات القادمة، إلا من حيث الدور الذي قد تلعبه في تحقيق مزيد من الإلتفاف حول الفريق الوطني، ومزيد من توثيق الصلة بين أبناء جاليتنا ووطنهم الأم. لا شك أن الملايين من الجزائريين في الداخل وفي المهجر سوف يسعدون بتحقيق نتآئج جيدة غدا، وفي اللقاء الثالث، لكن منطق الإشياء يملي على الجميع، وعلى الإعلام الوطني تحديدا الا ينتقل بين عشية وضحاها، من مهلل استنفذ كل مفردات المدح والثناء على الفريق الذي أهلنا بعد ربع قرن من العياب إلى نهائيات كآس إفريقيا والمونديال، أن ينتقل إلى التنكيل بالفريق ومدربه، والدخول في مهاطرات وانتقاد غير موزون، قد يعدم هذا الفريق، ويحبط الآمال المعلقة عليه، خاصة بشآن المساهمة في إذكاء الروح الوطنية عند شبابنا في الداخل والخارج. ويكفي أن نذكر هنا، أن بلدا مثل بلجيكا كان سينفق مليارات الدولارات من أجل تحقيق التأهل للمنديال، ليس طمعا في الفوز بكأس العالم، ولكن لتحقيق اللحمة بين أبناء الوطن، المهددة اليوم بالتفكك بين أثنيتي "الوالون" و"الفلامون" التي تقف اليوم بمملكة بلجيكا على مشارف التفكك، خاصة بعد ظهور نتائج الإنتخابات الأخيرة، وصعود الأحزاب المطالبة باستقلال منطقة "والونيا " عن بلجيكا، كما أن اسبانيا شكلت العمود الفقري لمنتخبها من فريق البارصا الكاتلوني بخلفية تعزيز روابط منطقة كتلونيا المشاغبة مع الوطن. ومع تنمياتنا للفريق بالتوفيق في ما بقي له من لقاءات في هذا المونديال ، فإنه يكفيه أن يظهر بتلك الروح القتالية التي أظهرها في لقاء آم درمان، وحتى في نهائيات كآس إفريقيا، والتي كانت وراء الإلتفاف الجماهيري العريض الذي لم يتحقق لأي فريق من قبل، ولا لأي حزب سياسي منذ الإستقلال، وعليه أن يضرب لأنصاره موعدا في كأس أمم إفريقيا القادمة، وفي المونديال القادم بالبرازيل ، وقتها فقط يمكن محاسبته بمعايير ومقاييس كروية صرفة، شريطة ألا يدخل السحرة على الخط، ويفسدون هذه التجربة الواعدة، التي تتجاوز حدود لعبة كرة القدم، وتلكم مسؤولية الحكومة، التي من الواجب عليها أن تحافظ على هذه الرافعة الوطنية، التي نجحت حيث أخفقت الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، التي أنفقنا عليها أضعاف ما أنفق على منتخب الخضر.