أهداف منتخب الخضر التي لا يلغيها حكيم أكان ينبغي لمنتخب الخضر الفوز بكأس العالم حتى يفوز بالثناء والتقدير الشعبي والرسمي؟ أم يكفينا منه تشريفه لنا بتلك الروح القتالية التي دافع بها عن الألوان الوطنية في زمن افتقدناها عند كثير من النخب و"المنتخبات" التي تتولى الدفاع عن مصالح البلاد وسمعتها؟ أم إن الاستفادة الحقيقية من هذا الفريق إنما تكون بتحويل وزاراتنا، والنخب الماسكة بزمام السياسة والاقتصاد، وإدارة الشأن العام، إلى فرق ومنتخبات تخضع لما يخضع له أي ناخب وطني، من واجب اختيار أفضل الإطارات وأكفئها، نطالبها بنفس الروح القتالية والانضباط الذي طالبْنا به تشكيلة الخضر؟ انتهى المونديال بالنسبة للفريق الوطني وأنصاره بالنتيجة التي يعرفها الجميع، ولم يكن بين أن يُرفع سعدان فوق الأعناق، أو يلف عنقه بحبل المشنقة كما أخشى سوى كرة مخادعة، أبت أن تدخل شباك الفريق الأمريكي، كانت سوف تغير مصير المقابلة، والمدرب والفريق معا. لم أكن في يوم ما مناصرا لهذه اللعبة المجنونة، التي أفقدنتا السيطرة على أنفسنا وعلى أبنائنا، ولست مولعا بها، لا كفرجة جماعية، ولا كظاهرة اجتماعية تسحر اليوم عقول المليارات من البشر من جميع الملل والنحل، ومن جميع الثقافات والحضارات، ومن جميع الأوساط الاجتماعية والتعليمية، لكنني تابعت كما لم أفعل من قبل مسيرة المنتخب الوطني على مستوى آخر، أجزم أن الفريق الوطني قد حقق فيه أكثر من انتصار، وسجل فيه أكثر من هدف، في ساحة كنت اعتقد أننا فقدنا فيها المعركة بلا رجعة، على رهان استعادة جاليتنا في أوروبا، وتحديدا جاليتنا من أبناء الجيل الثاني والثالث في فرنسا، قبل أن تفاجئنا الجالية بمظاهر صادقة من مشاعر الفخر والاعتزاز بالانتماء للوطن، عند أول توجه صادق نحوها عبر هذا الفريق، المكوّن في أغلبه من أبنائها، ولا شك عندي أن الأهداف التي أخفق زملاء عنتر يحيى في تسجيلها في شباك السلوفينيين والإنجليز والأمريكيين، كانت قد سجلت في أمكنة أخرى أخطر وأهم وأشرف من ملاعب كرة القدم. عرس تأجلت فيه ليلة الدخلة ومع ذلك، لابد من الوقوف قليلا عند الحصيلة الرياضية لهذا الفريق، والتي فاقت في تقديري توقعاتنا قبل سنة، حين كان أكثر المتفائلين من بيننا، يحلم بتأهل الفريق لنهائيات أمم افريقيا، ثم طمعنا في التأهل للمونديال فحصل، وحمّلنا الفريق حسن تشريف البلد في أنغولا، فأبلى بلاء طيبا، ولم يخذلنا في أهم لقاء له ب "أم درمان" وقد تحول إلى مواجهة مصيرية، أحيطت بكثير من المشاعر الشوفينية بين بلدين شقيقين، وجاءت مشاركته في الدور الأول من المونديال أكثر من مشرفة، حتى لو لم يسعفه الحظ، لكن الروح القتالية كانت حاضرة، ولم يبخل اللاعبون لا بالجهد ولا بالعرق، وقاتلوا في كل مقابلة حتى الثواني الأخيرة، وذلك تحديدا ما كان يتمناه أنصار الفريق من عشاق كرة القدم، وكثير غيرهم من المواطنين من الذكور والإناث، الذين اكتشفوا في الفريق روح المقاومة والقتال، دفاعا عن سمعة البلد، التي افتقدوها على أكثر من مستوى منذ عقود، وقد شهد لهم رجل كان يقود الفريق الفرنسي، وَصِيف بطل العالم في الدورة السابقة، حين اعترف أن ما كان ينقص الفريق الفرنسي هو الروح القتالية التي أظهرها لاعبو الفريق الجزائري. ثم إن فرقا كبيرة لها أمجاد في البطولات العالمية، مثل الفريق الإيطالي: بطل العالم، قد أخفقت بشكل مخز مع ما عندها من نجوم، رأيناهم يتحركون بلا روح فوق الميدان، كما رأينا فرقا إفريقية، ومنها البلد المنظم للدورة، تظهر بوجه غير لائق، لا على المستوى الفني ولا على مستوى الروح القتالية التي شاهدناها عند جميع اللاعبين الجزائريين، والتي ينبغي أن تشفع لهم عند الأنصار، وتوجب على الإعلام خاصة، احترام هذا الفريق، وتجنيبه ما حصل لفريق وطني آخر كان قد أبهرنا في "خيخون" بنفس الروح القتالية أمام الألمان، ولم يكتب له الانتقال إلى الدور الثاني، كما يتوجب على الجهة الوصية على كرة القدم أن تتعامل مع هذا الفريق بكثير من المسؤولية، وترى فيه استثمارا جيدا للمستقبل، وشجرة واعدة قد تعطي ثمارها في كأس أمم إفريقيا القادمة سنة 2012 أو في المونديال القادم بالبرازيل سنة 2014، وهي مدة زمنية قصيرة، لا تسمح بالبحث مجددا عن فريق جديد، خاصة وأن التشكيلة التي لعبت في أنغولا وجنوب إفريقيا هي تشكيلة مليئة بالمواهب الشابة، التي تحتاج فقط إلى تجديد الثقة فيها، ومنحها نفس الرعاية، ونفس التأطير المحترف الذي كشفت عنه الفدرالية بقيادة الحاج راوراوة. الأهداف التي لم يحسبها حكام الفيفا واجب دعم هذا الفريق، وتثمين النتائج التي حققها حتى الآن يمليه على الجميع أداء الفريق على المستوى الكروي الصرف، لأنه أنجز كامل الأهداف المعلنة منذ استلام السيد رابح سعدان قيادة الفريق، وبعد قرابة ربع قرن من الزمن، كان المنتخب الوطني فيها غائبا عن المنافسة العالمية، غير أن هذا الفريق تحديدا قد انتزع بجدارة حق الاحترام والتقدير، وأكثر من ذلك واجب الدفاع عنه وحمايته من العبث، لأنه حقق للبلد أهدافا أخرى لا تقدر بثمن، لعل أبرزها أنه كان وراء طمأنتنا على الروح الوطنية، خاصة عند شبابنا الخاضع لظروف معيشية ووجدانية صعبة، ولضغوط وتهديدات حقيقية على مقدار صلته بالوطن وبمقومات هويته، كنا ذات يوم نخشى عليها الكثير، حين رأيناه يملأ شوارع العاصمة بالألوان الوطنية لدولة المستعمر القديم، ويستجدي الرئيس الفرنسي منحه مزيدا من تأشيرة السفر. تلك الصور المفجعة محتها صور مطمئنة لعشرات الألوف من شبابنا وهو يستقبل الفريق العائد من "أم درمان"، بعد تلك الواقعة البطولية التي أشعلت الشرارة، ورأيناه يحتل جادة "الشانزيليزي" وشوارع مرسيليا ومعظم المدن الأوروبية. الذين غاب عنهم، أو قد يغيب عنهم، هذا الجانب من أداء المنتخب الوطني يحتاجون لمن يذكرهم برؤية الطرف الآخر، ومخاوفه التي لم يقو على إخفائها، وهو يرى ما يسمى بسياسة الإدماج لأبناء الجالية الجزائرية والمغاربية تنهار، بعد أن كان بدوره قد راهن على فريق زيدان، الفائز بأول كأس عالمية في تاريخ فرنسا، لتحقيق الاندماج على الطريقة الفرنسية المرتهنة بمخلفات الذهنية الكولونيالية. من الجزائر فرنسية إلى فرنسا المغاربية الهزيمة الفرنسية لم تكن على يد مدرب الفريق الفرنسي دومنيك، ومن ذلك الفريق الذي أقصي منه لاعبون موهوبون لكونهم ينتمون لنفس "العرق" الذي تنكر للبلد المضيف، وأشهر ولاءه للوطن الأم، بل كانت هزيمة فرنسا الحقيقية على يد سعدان والحاج راوراوة، اللذين قادا معركة الاسترجاع: استرجاع جالية أهملها بلد الآباء، وحاصرها البلد المضيف داخل أحياء البؤس والإقصاء بمدمن الضاحية. على هذا المستوى يكون المنتخب الوطني، بتشكيلته التي تحولت إلى حامل لواء لأبناء جاليتنا، ومعها الجالية المغاربية، قد ألحق هزيمة منكرة بأصحاب سياسة الاندماج المُساوي للذوبان الثقافي الشامل في الثقافة الحاضنة، ومنح الجالية الجزائرية والمغاربية فرصة الرد على أطروحات ساركوزي بشأن الهوية التي خصص لها نقاشا وطنيا واسعا، استهدف تحديدا المغاربة، لأجل ذلك لا ينبغي علينا في الجزائر وفي دول المغرب العربي ألا نهدر هذه الفرصة، أو نفوتها بقصورنا المعتاد، بدل البناء الجاد على التعبير الصريح والواضح الذي صدر عن أبناء الجالية، من أجل تعزيز المرجعية التي خلقها المنتخب الكروي، وتعضيدها بمرجعيات أخرى في مجالات متنوعة أخرى، تمنح الجالية ما تحتاجه من فرص لتأكيد هويتها، واعتزازها بالوطن الأم، دون أن نحملها وزر الدخول في قطيعة مع البلد المضيف، أو نشجع عندها النزعة إلى الانعزالية، وتضييع فرص مشاركتها في الحياة السياسية للبلد المضيف، بل يكون لزاما على حكومات الدول المغاربية، وقد أطمأنت على صدق ولاء الجالية للوطن الأم، يكون لزاما عليها أن توظف طاقاتها في اتجاه تشجيع أبناء الجالية على مزيد من المشاركة في الحياة السياسية والجمعوية، وتشجيعها خاصة على التحرك ككتلة مغاربية، كما كانت تشجع الفريق الجزائري وكأنه فريق مغاربي، يدافع عن ألوان كيان، عجز حكامنا عن منحه فرصة الولادة والخروج به من دائرة الوجود بالقوة إلي دائرة الوجود بالفعل. في هذا السياق، قد تكون التفاتة طيبة من الفدرالية الجزائرية بالبحث مع الفدرالية الفرنسية حول إمكانية تنظيم لقاء ودي بين المنتخب الجزائري ونظيره الفرنسي، إكراما لجاليتنا المغاربية التي تداعت من كل فج عميق من أوروبا لمناصرة المنتخب الجزائري، وعليها في كل الأحوال أن تذكّر الفرنسيين، بأن مقابلة "بارك دي برانس" في زمن شيراك، تحتاج إلى جولة إياب، إلا إذا كان منتخب الديكة قد بات يخشى منازلة محاربي الصحراء، ويراد تأجيل اختبار جهة ولاء مواطنيهم من أبناء الجالية المغاربية. عودة درياسة للتغني بأعمال الساسة على المستوى الوطني، أصبح لزاما على الدولة استخلاص الدروس والعبر من ذلك الالتفاف الشعبي غير المسبوق حول العلم الوطني، حين وجد من يحمله بكفاءة واقتدار، وألا تترك تلك الجذوة تضمر وتخمد، أو تبقى حبيسة الانتصار لفريق كرة قدم، وإلا نكون قد ارتهنّا الوطنية وحب الوطن والاعتزاز به بما يحققه منتخب وطني في كرة القدم أو في غيرها، لأن الإنجاز الحقيقي يكون قد تحقق، حين نرى شبابنا يحيّي إنجازات نخبه في السياسة والاقتصاد والتنمية، وفي المعارك والمنازلات التي تنتظرنا في ساحات محاربة التخلف، والفقر، والأمراض، والجهل، بنفس الروح القتالية التي رأيناها عند أشبال رابح سعدان، وبنفس الإدارة المحترفة التي أبلت فيها الفدرالية ورئيسها بلاء حسنا، ونقتنع أخيرا أن النتائج لا تأتي من فراغ، وأن كل وزارة بوسعها أن تشتغل في كل الظروف كمنتخب وطني، يدافع في مجال اختصاص الوزارة عن مصالح البلاد، وعن سمعتها بروح قتالية عالية، مدعومة بذهنية حرفية، تنتخب للوظائف والمهام أفضل الكفاءات الوطنية، وتخضع في هذا السياق لنفس المحاسبة التي خضع لها الناخب الوطني، لأنه لا يعقل أن نكون على هذا القدر من الحرص عند اختيار من يدافع على الألوان الوطنية في منافسة رياضية، ولا نطالب من أوكلنا إليهم مهام الدفاع عن مصالح البلاد الحيوية بالامتثال لنفس المقاييس الموضوعية والحرفية، التي يخضع لها كل ناخب وطني عند اختيار التشكيلة. كما لا يعقل أن نطالب اللاعبين بالعطاء الوافر من الجهد، وبالالتزام بالخطط وطاعة المدرب، وبالخضوع لتدريبات قاسية، والتزام سلوك مشرف داخل الملعب وخارجه، ثم نستثني من هذه الالتزامات قادةَ وأفرادَ "المنتخبات الوطنية" التي تمثلنا في باقي ساحات التنافس الأوسع بين الأمم. يكفيني في هذا السياق أن ألفت انتباه نخبنا، ومعها النخب المغاربية والعربية، إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة قد ميزت الخبيث من الطيب، والمستهتر من الجاد، حتى بين الدول المتطورة، ورأينا كيف أن الدول الجادة العاملة، التي تجتهد في زمن اليسر لأزمنة العُسر، وتتقشف وقت الرخاء تحسبا لزمن الأزمة، هي التي استطاعت الصمود، وأعفاها اجتهاد النملة في الجني والتوفير عن امتهان شعوبها بما تُمتهن به اليوم شعوبٌ مشت خلف نخب من فصيلة الصراصير، فلا عجب أن نرى اليوم منتخبات إيطاليا، بطلة العالم في النسخة السابقة، والوصيف الفرنسي، والإسبان أبطال أوروبا، واليونان أبطال أوروبا سابقا، نراهم يقصون من الدور الأول مثل الأفارقة وبعض الآسيويين، في حين يصمد الألمان الجادون في جميع أمورهم، ويبهرنا اليابانيون والكوريون الجنوبيون في رياضة، جاءوا إليها متأخرين، وتعجز خمس دول إفريقية، تعج بالنجوم عن اجتياز الدور الأول، في أول بطولة عالمية تنظّم بالقارة السمراء. تشجيع أغراب العرب للعرب المغاربة بقيت رسالة لابد من إبراقها لأشقائنا العرب في المشرق، وقد ضبطناهم متلبسين بجنحة المناصرة المشروطة عن بعد لمنتخب بلد شقيق، على شرط حسن التمثيل بحد أدنى، لا يقل عن العبور إلى دور الثمن، وبينما كانت أفواه بعض المعلقين أو الرسميين العرب تهمس ببعض جمل المساندة الفاترة.. كانت الصورة التلفزيونية تكشف أين هي قلوب الشباب العربي، وهو منقسم في ولائه الكروي بين البرازيل والأرجنتين، والألمان والطليان، وحتى بعض الصياح مع الديكة الفاشلين، وكنت آمل صادقا أن يوجه الإعلام العربي هذه الشبيبة العربية المنبهرة على غير بينة بالغرب، إلى الأخذ بقتالية محاربي الصحراء، في زمن لا يحتاج فيه العرب سوى لمثل هذه الروح القتالية التي صنعت تحت قيادة الإسلام المجد للعرب.