قد تكون النخبة المصرية قد أعادت الاعتبار لمسار إدارة الشأن العام بنتائج فريق كرة قدم، فحق علينا أن نهنئها بلا تحفظ، مع تخصيص الغلابة من شعب مصر الشقيق بأخلص عبارات العزاء والمواساة على حصيلة مقابلة هي في الغالب من النوع الذي يكون فيها الخاسر رابحا، والرابح لم يدرك بعد حجم خسائره، ولا أرى حاجة لمواساة الجزائريين وقد خرجوا من الدورة بأكثر من فريق كرة، نجح حيث أخفقت النخب في إعادة إشعال جذوة الوطنية عند الشباب في الوطن والمهجر. * أصدق التهاني للنخبة المصرية السياسية والإعلامية والفكرية والفنية، على الفوز العريض الذي حققه المنتخب المصري على فريق جزائري، حوله التحكيم الإفريقي إلى فريق لكرة اليد. وتعازي الصادقة للشعب المصري، الذي منحه هذا الفوز فرصة جديدة للعيش على مجد كروي زائل، سوف يصرفه لا محالة لشهور، وربما لسنوات، عن مطالبة فريق الحكم بعطاء مماثل لفريق حسن شحاتة. * التهنئة واجبة أيضا للسيد حياتو، ولسماسرة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، على هذا التألق في إدارة كأس الأمم الإفريقية، التي بدأت بثلاثية نظيفة في صفوف فريق الطوغو، أقصته حتى قبل أن يدخل الملعب، وبأداء الحكم الإفريقي الذي حطم جميع الأرقام القياسية في منح الشرعية لأهداف خيالية، صنعت الفارق في أكثر من مقابلة، وبقرارات كانت في الغالب تحكما خضع للأهواء، حتى لا نقول لما يعرض تحت الطاولة، وليس تحكيما بمستوى قارة منكوبة في السياسة والاقتصاد، بفساد نخبها السياسية، بل واستشراء الفساد ليطال أصنافا أخرى من النخب في الفكر والإعلام والفن والرياضة. * * ولادة جديدة للروح الوطنية * لأبناء وطني، سوف أصرف عبارات الشكر والتهاني لفريق المحاربين، الذي منحنا أكثر من أي فوز يتحقق على هذا المنتخب أو ذاك، واستطاع في زمن قياسي، أن يمنح الشعب الجزائري ولادة جديدة، بعد ولادة أولى كان قد حققها آباؤهم وأجدادهم من المجاهدين صناع ثورة التحرير. ولن أكلف نفسي مؤونة البحث عن عبارات المواساة للشباب الجزائري في الوطن والمهجر، لأنني لا أجد مبررا واحدا يدفع إلى الشعور بحاجة الشعب الجزائري إلى المواساة، وقد خرج فريقه من هذه الدورة بحصيلة مشرفة، فاقت سقف التوقعات، وبأداء متميز، كانت سمته الأولى دفاع محاربي الصحراء بشرف عن الألوان الوطنية، حتى أني لم أقرأ على وجوه الفئة القليلة التي نجت من مقصلة الحكم البنيني مقدار ذرة من اليأس أو الاستسلام، وهم اليوم بعد هذا الأداء، أحق من أي وقت مضى بترتيب عودة تليق بالمحاربين، وباستقبال رسمي وشعبي استحقوه بجدارة، ولا يمكن لإخفاق، رتبت فصوله قبل انطلاق المقابلة بكواليس الكاف، أن ينسينا ما فعلوه في القاهرة وفي أم درمان، وأمام فيلة ساحل العاج، وحتى في لقاء الخميس الذي نلتمس لهم فيه أكثر من عذر، كما نلتمس العذر للمدرب القدير رابح سعدان، ولرئيس الرابطة السيد راوراوة، لأننا لم نسمع عن تقصير يكون قد حصل من هذا أو ذاك، وكان بوسعهم أن يعودوا بالكأس الإفريقية عن جدارة واستحقاق، لكنهم عادوا بما هو أفضل من كأس تدار بهذا القدر الفاضح من الفساد. * * كبوة محاربين في واقعة مغشوشة * للأمانة، لم أكن أنتظر الكثير من لقاء الخميس بين الفريقين الجزائري والمصري، إلا من حيث كان بوسع فريقين عربيين كبيرين أن يمتعا المشاهد العربي بعرض كروي شيق، بعيد عن أجواء الضغط والاختناق التي سادت قبل مقابلتي القاهرةوأم درمان، وكنت آمل أن يكون الجمهور الجزائري بمستوى الحدث، وينصرف عن نتيجة المقابلة سلبا كانت أم إيجابا، لأن هذا الفريق الشاب قد أوفى بنص العقد، وكان عند حسن الظن طيلة مرحلة التصفيات، والدور الأول من هذا التجمع الكروي الإفريقي، بل أرى أنه قد تجاوز جميع التوقعات في مقابلته المرجعية أمام ساحل العاج. * فمن باب الأمانة، آثرت النظر إلى حصيلة ومردود هذا الفريق الرائع قبل لقاء يوم الخميس بساعات، حتى لا تحجب نتيجة المباراة، كيفما كانت، ما ينبغي لنا أن نستخلصه من سلوك فريق، أشعل من جديد جذوة الروح الوطنية عند جميع فئات الأعمار من الشعب الجزائري في الداخل والخارج، واستطاع إعادة ربط أبناء جاليتنا في المهجر من الجيلين الثاني والثالث بوطنهم الأم وبرموزه، ووهبنا جميعا أوقاتا طيبة من الفرح المشروع، والنشوة بالفوز الذي افتقدناه في الكثير من ساحات الحياة الوطنية. * دعونا نقول إن فوز الفريق المصري ليلة الخميس على فريق جزائري أعدم الحكم قرابة ثلث تعداده، أقول إن هذا الفوز لن يضيف الكثير لسمعة الفريق المصري، الذي كان بدوره ضحية الحكم، وقد أفسد عليه ربما فوزا كان سينتزعه عن جدارة واستحقاق، وكنا سنصفق له بكل روح رياضية، كما أن الفوز على فريق أنهى المقابلة بثمانية لاعبين، لن يسمح للأشقاء في مصر برد الاعتبار بعد واقعة أم درمان، التي تحمل فيها الفريقان عبء مواجهة لم يخترها لاعبو الفريقين أو طاقمهما الفني، بقدر ما كانت تدبير كيديا لهما من الإعلام في البلدين، بمباركة من الساسة، وأن إخفاق الفريق الجزائري في تلك الظروف لا ينبغي أن يؤثر على روح ومشاعر الشعب الجزائري، أو يصرفنا عن واجب الاعتزاز بفريق كبير، قوي، مقاتل وواعد، إن لم يسارع السحرة والمتربصون بمقعد السيد رابح سعيدان، إلى ذبح الفريق كما حاولوا بعد كبوته أمام المالاوي. * * ولادة قيصرية لفريق أوجب الرهان على الشباب * لست متأكدا أن يشاطرني الرأي الكثير من زملائي في المهنة، وقد لا أكون رأيت ما رأته العيون الخبيرة عند أقطاب الإعلام الرياضي، ومراجع التحليل الكروي، لأنني لم أتابع هذا الفريق الرائع، لا بعيون خبراء كرة القدم، فلست منهم، ولا بعيون الأنصار والمشجعين، وأنا الذي لم تطأ قدمه ملعب كرة مرة واحدة في حياته، حتى أني شاهدت كل مباريات التصفية معادة وليس على المباشر، حتى لا تخدعني أعصابي، ومشاعر قد لا أتحكم فيها، لكني تابعته بعين المواطن، الذي يفتش في سماء بلده الملبدة بطبقات كثيفة من السحب السوداء عن فجوة قد تعد بإشراقة قريبة، ويرجع البصر كرتين في مستنقعات البلاد الراكدة مياهها، الآسنة أوحالها، بحثا عن مسلك ربما يكون قد نجا من طوفان الرداءة، أو لعله تصادفه فئة ناجية تعد بإعادة إعمار الخراب الحاصل، فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، إلى أن رأى ذلك الفريق من المحاربين يولد ولادة قيصرية، ليس بملعب البليدة، ولا بملعب أم درمان، ولا في تلك المنازلة الرائعة أمام ساحل العاج، لكن ولد وسط ثمانين ألفا من الأنصار المصريين، سخنهم إعلام أثم حد الجنون، وقد ذكرتني وجوههم بما تصوره أفلام هوليود عن رعاع روما، وهم ينتظرون اللحظة التي يسقط فيها المحارب أمام الوحش، ويستسلم للضربة القاضية. هنالك لم نشهد فقط ولادة فريق كبير لكرة القدم، سوف يكون له شأن، نمت معه خميرة كيمياء غريبة وعجيبة، قد جعلت في أم درمان علقة، وصارت منذ حين مضغة تعد بحمل مبارك ميمون، إذا لم يسارع السحرة إلى إجهاضه عن جهل أو مع سابق إصرار وترصد. * * في انتظار جيل من المحاربين لقيادة معارك البلد * شئنا أم أبينا، فإننا نظل مدينين لهذا الفريق، بهذه العودة المحمودة للروح الوطنية، والاعتزاز بالوطن الذي لم يأت نتيجة لانتصارات الفريق فحسب، بل كان خلفه شعور المواطنين، بمختلف أعمارهم وجنسهم، بتواجد روح قتالية استثنائية عند هذا الفريق الشاب، المشكل أساسا من أبناء جاليتنا في ديار الغربة، وتحديدا في بلد الدولة المستعمرة سابقا، من الجيل الثاني والثالث، الذي يفترض أن يكون قد فقد الصلة ببلد الآباء والأجداد. وفي هذا رسائل كثيرة موجهة إلى النخبة المتولية أمر هذا البلد، لتعلم أنه يكفيها أن يراها المواطنون تقاتل عن مصالح البلد بنفس الاستماتة التي قاتل بها فريق رابح سعدان، حتى تطمئن على ولاء المواطنين لبلدهم، حيثما وجدوا، واستعدادهم للدفاع عن سيادته وسلامته وشرفه وسمعته، ويكفيها أن تظهر قدرا مماثلا من الاحترام للعلم الوطني، وألوان البلاد ورموزها، لتفوز باحترام المواطنين، وليس هذا بالأمر الهين. * قد يتذكر بعضنا، في زمن غير بعيد، تلك الصور المؤلمة لألوف من شباب العاصمة وهم يرفعون ألوان فرنسا، في تعبير، أظنه كان من باب الاحتجاج الاستفزازي على السلطة وقتها، أكثر منه حبا في دولة الاستعمار أو حنينا لعودته. فعودة الروح الوطنية لأبناء جاليتنا في المهجر، تزن مليون مرة وزن أي كأس يتوج بها فريق لكرة القدم، في زمن نرى فيه كيف تتعامل الثقافة الغربية المهيمنة مع الانتماء الوطني وحب الوطن، بوسائل خبيثة، رأيناها تقود بلدا عريقا مثل العراق إلى السقوط والتفكك، والتطاحن الطائفي على إمارة على أكوام من الحجارة، ورأينا الألوف من شبابنا يحرق وثائق الهوية، قبل الدخول في مغامرة انتحارية، نحو الأحراش، أو نحو جنة الدجال الغربي. * * قوة رادعة في زمن الفتك بالأمم المستضعفة * ففي هذا الزمن الذي تؤكل فيه ثيران العرب ثورا بعد ثور، كنا على القائمة، وربما لم نخرج منها، لكن الهبة الشبابية التي تدافعت للفوز بشرف المشاركة في مغامرة أم درمان، أو التي رأيناها تحتل عنوة شارع الشانزيليزي وشوارع مرسيليا، هي من النوع الذي يثبط عزيمة أي مغامر من شاكلة بوش وطوني بلير أو ساركوزي، بل هي اليوم أفضل سلاح ردع يمتلكه بلد متوسط مثل بلدنا، وينبغي للساسة أن يبنوا على هذه القوة، بل يفترض أن نرى فيها ما يراه حكام فرنسا والدول الغربية، وقد بدأت تؤرقهم أكثر من أي جماعة متطرفة أو خلايا إرهاب مزعوم. * ثمة مغنم آخر يحسب لهذا الفريق، في مشواره القصير الذي يكاد يبدأ، فقد ساعد على تفجير طاقات إبداعية عند الشباب الجزائري، قد تحتقرها النخب، التي لا ترى الإبداع وروح الابتكار إلا حين يأتي وفق مقاييسها النخبوية، لكني رأيت شبابا نصف متعلم، نكلت به المنظومة التربوية، رأيته يقود واحدة من أغرب المعارك الإعلامية وأنجحها، مع منظومة إعلامية مصرية ليس لها منافس في العالم العربي، ورأيته يربح معركة الرأي العام ويفسد على الأشقاء المصريين مشروع تسويق "الاعتداء الهمجي لحملة السكاكين" على نخبة النخبة المصرية بأم درمان، ويفضح أكاذيب الإعلام المصري في مختلف المواقع على الشبكة، بل كانت حربا حقيقية غير متوازية على شبكة الانترنت، تولى فيها الشباب مهمة الدفاع عن الرموز الوطنية، وفي طليعتهم شهداء الثورة والعلم الوطني. * * ساعة الرهان على مصالحة بين الأجيال * هذا وحده يكون كافيا للفت انتباه النخبة في بلدنا إلى واجب التعامل مع الفريق الوطني، ليس كآلة لحصد ألقاب عربية أو قارية، تسخر لأشغال المواطنين عن هموم الحياة اليومية، وتأجيل ساعة المطالبة بالتغيير والإصلاح، ولكن التعامل معه كقاطرة مميزة مشحونة بطاقة لا تنفذ، لتحريك قطار الجزائر المعطل، لا نحتاج معه بعد أن يتحرك، لا إلى تغيير من هم بقمرة القيادة، ولا إلى منافسة من هم بعربات "البولمان" وكراسيها الفاخرة، لكننا نحتاج لقطار يتسع لجميع أفراد هذا الشعب في الداخل والمهجر، ونحتاج أكثر من ذلك إلى أن يكون شبابنا أول من يركبه، وهم أهل لاجتياز عرباته الفاخرة إلى قمرة القيادة، والفوز بذات الفرص التي منحت لجيل نوفمبر. وكما أن فريق محاربي الصحراء الشباب قد تعلم من الشيخ رابح سعدان الكثير وفي وقت قياسي، فإن الملايين من شبابنا على استعداد للتعلم على يد كهول من طينة رابح سعدان، بذكائه وتواضعه، ورهانه الرابح على الشباب، بعيدا عن حسابات الإقصاء بدواعي الجهوية والفئوية، التي طالما لغمت فرقا واعدة في الرياضة كما في ساحات إدارة الشأن العام. * هذا عن مغانم الفريق الذي خسر لقاء الخميس، فماذا عن مغارم الفريق الآخر الذي كان يبحث عن فرصة لرد الاعتبار، في غير الساحة التي أضاعت فيه نخبته كل اعتبار بأم درمان؟ * * مغانم آنية للنخبة مغارم مؤجلة للشعوب * يخطئ من يعتقد أن لقاء الخميس قد أغلق ملف القاهرةوأم درمان، وأنه كان يكفي للفريق المصري الفوز حتى تعود المياه إلى مجاريها، ليس لأن الشعوب لا تنسى بسهولة الإساءة إلى مكونات شخصيتها، ورموزها التي صنعتها بتضحيات جسام، ولكن لأن النخب التي لعبت بعواطف الشعبين الشقيقين لم تكفر إثمها حتى الآن، بالاعتذار للشعبين عما صدر عنها من كذب وإفك، وعبث إجرامي بمشاعر البسطاء، ولأنها في الحالة المصرية تحديدا هي جزء قائم بذاته في سياسة إدارة الأزمات، والتسويف وتعطيل إصلاح الذات، والدجل بلا حياء على الشعب المصري. لهذا سارعت بتوجيه التهاني لها تحديدا، وبعبارات العزاء لأشقائنا من غلابة الشعب المصري. * لا أخفي أن فرحتي المشروعة بانتصار الفريق الجزائريبأم درمان سرعان ما انقلبت إلى حزن، وإحساس بالنكبة والعار لما آلت إليه النخبة المستنيرة في أكبر بلد عربي، لا ينكر أحدنا أفضاله وأياديه البيضاء، وعطاؤه الكبير في ميادين الأدب والفكر والفن، وقيادته الروحية للعالمين العربي والإسلامي، بما تخرج من الأزهر الشريف من علماء وفقهاء ما زلنا ندين لهم بالكثير. ولا أخفي خوفي على هذا البلد العربي الكبير، ليس من شعبه الطيب المغلوب على أمره، كحال معظم الشعوب العربية، ولكن خوفي عليه من حالة الضحالة والوهن الفكري، والروح الانهزامية التي تسيطر على نخبه، وهي لا تدعو إلى التشفي، بقدر ما تدعو إلى الحزن والأسى، وتمنحنا شرعية مكاشفة أشقاءنا في مصر بما لا يجرؤ على التعاطي معه بقدر من الحيادية والتجرد خيرة كتابهم، وقادة الرأي في مصر. * * حمالة الشماعات في جرائم المتعة بعرض الشعوب * بكل صدق لا أرى، كيف سيساعد الفوز الذي تحقق لأبناء المدرب شحاتة يوم الخميس على عودة العقل إلى نخبة مصرية، في عالم الفكر والإعلام والفن، أراها قد رضيت بدور حامل الشماعة والبصاقة معا، لنخبة سياسية فاسدة تمارس ما يعادل المنكر من الفواحش في حق الشعب المصري الشقيق، وما هو في الحد الأدنى اغتصاب لعرض شعب، لم نعرفه في التاريخ، لا جبانا ولا خوارا، حتى يخوف ويرعب ببضعة آلاف من المشجعين الجزائريين. * ولأني أخشى أن يساء قراءة هذا الرأي الصريح في سلوك النخبة المصرية، ونظرائها في العالم العربي، فإني أأكد للشعب المصري الشقيق، أن ألف انهزام لمنتخبنا أمام المنتخب المصري، لن ينقص مثقال ذرة من مشاعر الأخوة الصادقة، والغيرة الحقيقية عليه وعلى تاريخه. وقد كنت أول من احتج على بعض التجاوزات التي رصدتها في الإعلام الجزائري. وربما تكون مشاعر الغيرة عليه التي لا تقل عن مشاعر الغيرة على حرمة شعوبنا العربية والإسلامية المهانة في أكثر من بلد، هي التي تمنحني الشرعية للتنديد بالصور المهينة التي صنعها الإعلام المصري والمؤسسات الثقافية والفنية المصرية عن الإنسان المصري، ليس على هامش لقاء أم درمان، بل في ما يسوقه من صور إذلال العلية للغلابة من أهل مصر، في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، صنعت مع مرور الزمن صورا نمطية مشينة عن الشعب المصري. * * خيانة عظمى من صفوة رضيت بالصغار * في مقال صدر لي بعد لقاء أم درمان، أعربت بوضوح عن مشاعر الحزن والأسى حيال ما صدمني به الإعلام المصري، وطائفة من رجال الفكر والفن ورواد الرأي. لأنني، بقدر ما ألتمس في الغالب الأعذار للساسة المحترفين في ما يصدر عنهم من أكاذيب ودجل على الشعوب، ونفاق فاضح يتسترون عليه بلغة الدبلوماسية، فإني أحتقر الكذب والنفاق، والتملق الرخيص للحاكم على حساب مصالح الشعوب، حين يصدر عن النخب المؤتمنة على مهمة قيادة الرأي العام، فتلك هي الخيانة العظمى، وقد أضاف إليها الإعلام المصري، وجانب من أعلام الفن والفكر، جريمة العبث بمقومات الرجولة عند الشعب المصري، وأسقط حالة الفزع التي تسللت إلى نفوس بعض الرخويات من الفنانين في شوارع أم درمان، أسقطها على عموم الشعب المصري البريء منها براءة الذئب من دم يوسف، وزرع روح الخوف والتهويل في نفوس شعب عربي مقاتل، ضرب لنا أمثلة رائعة في البطولة والعطاء، في العدوان الثلاثي سنة 56، وفي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، وجعلنا نفاخر بجنرالات عربية من طراز عز الدين الشاذلي. * لكل ذلك لم أجد في نفسي حرجا من توجيه التهاني للنخبة المصرية، التي استعادت أكثر من فرصة لمواصلة الدجل على الشعب المصري، بتسويق نتائج الفريق القومي وكأنها إنجاز فوق العادة، ينبغي أن يشفع للنظام خطاياه في حق شعب عربي كبير، نراه يعتصر ألما لأوجاع أشقائه في عزة، وقد ضرب عليهم سد من زبر الحديد المصري، وكأنهم من قوم يأجوج ومأجوج. * لكل ذلك آثرت التعزية على التبريك للشعب المصري، والمواساة الصادقة، بدل رسالة تهنئة مغشوشة، على ما آلت إليه مقابلة، أغلب الظن أن الخاسر فيها رابح، وأن مصر التي كسبت المقابلة بشحاتة، ليست أسعد من الجزائر التي خسرت منازلة غير متوازية، وكسبت مع محاربي الصحراء أكثر من فريق كرة قدم معرض كغيره للربح والخسارة.