أصبحت كرة القدم ورقة "ضغط سياسية" بعد أن كانت مجرد لعبة لأصحاب الطبقة البرجوازية في العصور الوسطى، لتنتقل إلى الأوساط الشعبية ثم تعود من جديد للأرستقراطيين الذين استغلوا هذه الرياضة لإلهاء الشعوب التي تجري وراء "جلد منفوخ" وتتناطح من اجله حكومات، وكذريعة لتمرير قرارات سياسية ومسائل عدة تدخل في الشأن الوظيفي لتحقيق المصالح. لم تعد كرة القدم تلك الرياضة التي تتقاذفها أقدام مختلف الشعوب بكل مستوياتها، وإنما خرجت عن نطاقها الأصلي لتصبح عالما تتقاطع فيه السياسة والمال وإيديولوجيات أخرى، و الأكيد أنه تبادر في ذهن عدة أشخاص ملاحظين للانشغال العالمي المفرط به الذي مس كل شرائح المجتمعات وكل الطبقات منها السياسية، أسئلة مطروحة تدخل في صلب الموضوع من بينها، لماذا كل هذا العناء الشعبي والحكومي من أجل كرة من بلاستيك؟ و للإجابة عن هذا السؤال سوف نتطرق من خلال هذا التقرير إلى الجوانب التي استخدمتها بعض الجماعات التي تعتبر ضاغطة للسيطرة على كل مستويات المجتمع بما فيه السياسيين و المدنيين، وكيف وظفت هذه اللعبة التي صنعها الكبار من أجل إسكات الصغار..!! أخصائيون اجتماعيون: "كرة القدم ورقة سياسية وجهاز إيديولوجي" في بادئ الأمر أجمع المحللون الاجتماعيون على أن كرة القدم العابرة للحدود والأوطان تعمل على اجتياز العلاقات الدولية و الحروب التاريخية التي نشبت بين بلدان العالم آنذاك، كما تستطيع هذه اللعبة كسر الحصار و الحدود المغلقة بين الكثير من الدول. معتبرين أن هذه الرياضة بتخطيها لكل هذه العوائق السياسية و الدبلوماسية بين السلطات إلا أنها تعمل على تقوية الروح الوطنية و توحيد الشعوب والتلاحم فيما بينها من خلال التقائهم على أرضية خضراء واحدة. كل هذه الأسباب الظاهرية التي تنتجها هذه اللعبة على أنها رياضة ذات "نوايا بريئة" إلا أن هدف رواجها بين أوساط المجتمعات أكبر من أن تكون سببا في تمتين الروح الوطنية و توحيد الشعوب إن لم نقل في تشتيت الأمم، فبعد أن كانت لعبة الطبقة البرجوازية لتحظى باهتمام و شغف كبيرين من قبل الطبقات الأخرى سعيا في تقليدها للأرستقراطيين، حيث انتقلت بين أحياء الفقراء وأصبح كل من لديه الحذاء الرياضي أو حافي القدمين يمارسها فخرا لهذا التقليد. وهو السبب الأولي الذي بدأ به الملاك التحكم في شعوبهم. وفي هذا الشأن أكد الأخصائي الاجتماعي التونسي محمد جويلي أن "كرة القدم تتجمع حولها رهانات كثيرة منها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وحتى الدينية "، مضيفا "أصبحت الآن تعتبر من الأجهزة الإيديولوجية للدولة تستعمل كشكل من أشكال الصعود السياسي وكعامل لتصفية الحسابات أو كوسيلة يتم من خلالها إبراز مواقف سياسية." وهو ما ظهر مؤخرا بين مصر والجزائرالتي نشبت بينهما شرارة لتتحول الرياضة إلى أزمة دبلوماسية وتصعيد إعلامي خطير إلى درجة " الهستيريا السياسية – الإعلامية " في سياق حملات عدوانية متبادلة وأخذت رؤوس الفتنة تجرح في تاريخ الجزائر وشهدائها وحرق العلم الجزائري من قبل بعض المثقفين !! كرة القدم مخدر للعقول وساسة قذفوا بالقضية الفلسطينية ليتحولوا لخبراء استراتيجيات الحرب " الفيفا أصبحت أكثر شهرة من منظمة الأممالمتحدة وشخصية بلاتير أكثر ترويجا من بان كي مون." هي العبارة التي أكدها لنا عالم الاجتماع التونسي محمد جويلي. عندما تستعمل كرة القدم ك"أفيون" يخدر عقول الشعوب منهم الشباب لنسيان ما يجول من حولهم من أحداث قد تطعن في هويته وقضايا سياسية و أخرى اجتماعية متدهورة، ناهيك على أنها تعمل على نسيانه لحقوقه المنتهكة. هذا ما أكده لنا جويلي عندما قال أن "العالم تناسى كليا الغدر الصهيوني الذي تسببت فيه القوات الإسرائيلية على "أسطول الحرية" أمام المونديال". فبعد أن توعدت الكثير من الرؤوس السياسية الكيان الصهيوني برد الاعتبار للفلسطينيين في كسر الحصار. إلا أن مطرقة كسره لم يجدها الساسة جراء انشغالاتهم بهذه الرياضة فقذفوا بالقضية الفلسطينية جانبا و ركضوا وراء قطعة جلد منفوخة تجر بأعناق المسؤولين الذين عاهدوا الفلسطينيين ليشاطروا شعوبهم المخدر نفسه. وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه الصهاينة لإلهاء هؤلاء وصرف نظرهم عما تريد تحقيقه. فكم من مرة رفع الأمين العام لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني يداه إلى السماء طالبا من الله فوز الفريق الوطني و انهزام انجلترا و أمريكا أمامه. كما قام سلطاني مؤخرا بتوجيه رسالة خاصة إلى المنتخب الوطني ينصحهم فيها بالتحلي بالروح الوطنية للانتصار والتأهل للاحترافية، و يدعوهم إلى "اللعب بتكتيك صواريخ أرض/ أرض بتمريرات قصيرة سريعة تربك منافس مغرور تعوَّد على أسلوب صواريخ جوّ/ جوّ." والمثير للانتباه هو أن نوع الرسالة التي بعث بها زعيم حركة حمس تخرج عن نطاقها السياسي و الرياضي لتأخذ شكلا "حربيا" وكأن أشبال سعدان و محاربي روراوة على حد تعبيره، ذاهبون إلى الحرب وليس للعب بكل روح رياضية و وطنية. عندما تُسيّس الرياضة لتصل حد الهستيريا الشوفينية فالروح الوطنية حسب عبيدي جمال وهو مختص في علم الاجتماع، "لا تتكون و لا تنمو بواسطة كرة مستديرة، و إنما الروح الوطنية تكمن في ذهن الشخص و تنمو مع تكون شخصيته " معتبرا في حديثه ل "المسار العربي" أن ما يجري في أزقة الجزائر والشوارع العالمية من هيجان بسبب كرة القدم ما هو إلا "هستيريا شوفينية" و يقصد عبيدي بهذه الأخيرة هو " الغلو في الوطنية" أو ما يعرف أيضا ب "التعصب المفرط للوطنية" وسميت بالشوفينية نسبة إلى اسم الجندي الفرنسي نيكولاس شوفان، الذي حارب مع جيش نابليون بونابرت أين اشتهر بتعصبه المفرط لوطنيته.. على الأقل أن هذا المحارب قد قاتل في سبيل وطنه ضد عدو وليس التهجم على بلاد شقيقة مثلما شهدناه لمصر التي اتخذت الإعلام ذرع و تسييس كرة القدم سلاح والشعب المصري الجيش الضحية، و نظرا للفقر المدقع الذي يعيشه أغلب المصريون الراكضون وراء "القرش الأبيض في اليوم الأسود" إلا أنه لا يأبه لمأساته بفعل "الحقنة المخدرة لآلامه" التي تعطيها له حكومته في كل لحظة يفيق من غيبوبته. فكم من أموال ضخت من الخزينة العمومية في سبيل تلوين الطائرة الخاصة بالفرق الوطنية لكرة القدم، و كم من أموال ضاعت من اجل الترهات، علما بأن الأولى بهذه الأموال هو الشباب العاطل والعائلات المعوزة وآخرون غير مبرمجون في القائمة. و للتذكير فإن تجربة أسطول الحرية ستعاد للمرة الثانية وذلك يوم الخامس من جويلية القادم، فهل صدفة أن هذه القافلة الثانية لمساندة الشعب الفلسطيني أتت تزامنا مع اليوم الوطني لاسترجاع الجزائر حريتها أم جاء تزامنا مع نهائيات المونديال؟ لوبيات "تستحمر" العالم للسيطرة عليه ونهب أمواله و على صعيد آخر، ربما قد يتبادر في ذهن العديد من الناس سؤال عن عدم امتلاك إسرائيل لفريق وطني في كرة القدم، هل لأن إسرائيل لا تجد حرفيين في هذه الرياضة أم أنها لا تعترف بالوطنية ؟ والجواب هو أن اليهود المتصهينين قادرون على إنشاء فريق لهم قوي، أو شراء النجوم العالميين بأموالهم كأعضاء تنسبهم لفريقها، إلا أن هؤلاء لا يؤمنون بهذه الخرافات التي استغلتها كلعبة من أجل إلهاء الصغار، و كمصدر للربح من تلك الأندية العالمية التي ليست سوى منابع تذر عليهم أموالا طائلة، حيث كشف الدكتور محمد جويلي أن كرة القدم تحتل المرتبة 17 في الاقتصاد العالمي، كما أن الفيفا استفادت من 2.1 مليار دولار من بيعها لحقوق البث لمونديال 2010. هذا ما جعل اللوبيات الصهيونية و مافيا المال تسييس هذه اللعبة لتصبح كمنبع مالي يصب في حسابات هذه الجماعات. من جانب آخر فإن كرة القدم تستهدف 3 نقاط رئيسية وهي، وسائل الإعلام، السلطة والرأي العام، وبالنسبة لهذه اللوبيات فإن السيطرة على مثل هذه النقاط الهامة فقد سيطرت على العالم بأسره، لأن السلطة تحاول السيطرة على وسائل الإعلام التي بدورها تؤثر و تقولب أفكار الرأي العام.و هذه اللوبيات إن سيطرت على هذا الثالوث فكأنها تحكمت في العالم و تحريكه كيفما تشاء. فاليهود الصهاينة لا تجدهم يهتمون لا بالثقافة ولا بالفن و لا بالرياضة ولا بالتمثيل و لكن ثقافتهم هو طمس هويتنا، فنهم هو تجريدنا من عاداتنا وتقاليدنا والأعراف الدينية، رياضتهم هو تحريك العالم بالشكل الذي يناسبها،و التمثيل بالنسبة لهم هو المسكنة والذلة تحت لواء الحيلة والمكر. فهذه اللوبيات الضاغطة حركت العديد من المسلمين للصلاة ليس للدعاء لنصرة فلسطين أو لأنفسهم وإنما دفعت بأحد الضعفاء إلى قيام الليل من أجل فوز الفريق الوطني على أمريكا. فالصهاينة لا يرغبون في إلهاء أنفسهم بمخططات يريدون بها تحطيم حكومات ودخولها في صراعات دائمة و تشتيت الأمم، لتخرج في آخر المطاف هي المستفيد الأول بفعل كرة القدم