أكد أمس، الدكتور محمد جويلي، عالم الإجتماع التونسي، أن لعبة كرة القدم توفر ترسانة هامة من الانتماء الهوياتي ببعده العميق، وشكل من أشكال التحكم الحقيقي في العنف البشري، معتبرا هذه اللعبة التي سرقت إعجاب الجماهير وألهبت شغفهم، ورقة رابحة تساعد على الرقي الاجتماعي والتموقع السياسي وتحقيق القفزة الاقتصادية، بفضل الأموال الكبيرة التي تدرها. ولم يخفي كون فضاء هذه اللعبة ملغم بتصفية الحسابات وبعدة مظاهر كآفة الفساد . وأقر حقيقةً، أن لعبة كرة القدم بالنسبة للجزائريين رمز امتزج بكفاحهم المسلح و شهدائهم الأبرار، ويختزل أشواطا معتبرة ومريرة من الصمود والنضال المستميت في وجه المستعمر الفرنسي، وهذا ما تفتقده أغلبية الشعوب العربية عدا دولة فلسطين. قال الدكتور محمد جويلي، عالم الاجتماع التونسي، في ندوة نشطها بمركز يومية «الشعب» للدراسات الإستراتجية، حول «الرياضة والجماهير في ظل عولمة التنافس»، انه في البداية كانت كرة القدم لا تحظى بكل الاهتمام وتعد بسيطة، لكن سرعان ما اتضح أنها تجمع حولها رهانات سياسية واقتصادية واجتماعية ودولية كبيرة، على اعتبار أنها تجمع الأموال الطائلة وقادرة على تحريك العالم، حيث صارت العلوم الإنسانية والاجتماعية تولي دراساتها اهتماما بهذه اللعبة التي ملكت عشق الجماهير . وارجع الدكتور هذا الاهتمام والولع بهذه اللعبة بالذات، كونها تحولت إلى صورة مجازية للوضع الإنساني وتعكس الوضعية البشرية بجميع تناقضاتها وعاد عالم الاجتماع التونسي، إلى تاريخ نشأة هذه اللعبة التي أمتعت و تمتع الجماهير، حيث أفاد في سياق متصل، أنه ليس غريبا أن تنشأ في بريطانيا عام 1863، بعد أن اعتمدت قوانينها بجامعة كامبرج وصارت هذه اللعبة مرتبطة بالمجتمع وتجربة ديمقراطية في بريطانيا، ويرى الدكتور في نفس المقام، أن هذه اللعبة جاءت في إطار مسار حضاري للمجتمع البشري وصارت تشكل آلية حقيقية من شأنها التحكم في العنف البشري، واقر أن الفضل يعود إليها، حيث تعد أحد عناصر إدخال المجتمع البشري في الحضارة الإنسانية التي تسيطر على العنف الموجود في هذه الألعاب . وعن مسار انطلاق هذه اللعبة، أضاف الدكتور يقول، كانت الجامعات تمارس من طرف أبناء الأسر الأرستقراطية والثرية لمعرفة مدى الالتزام بالقواعد، التي أصبحت فيما بعد تخرج من الطبقات الأرستقراطية لتكتسح المجتمع البريطاني وتمارس على مستوى طبقة العمال، حتى تحولت اللعبة الأولى في العالم تهتم بها جميع الجماهير، رغم اختلاف ألوانهم واهتماماتهم، حسب الدكتور دائما. تحويل الأنظار عن المشاكل خلص الدكتور جويلي إلى القول، أنه يمكن تحديد تناقضات وميولات المجتمع في كرة القدم، لأنها ظاهرة اجتماعية حقيقية وصنفت كذلك بأفيون الشعوب، حيث بإمكانها تحويل أنظار الناس عن القضايا المهمة والجوهرية في الحياة. وقال أن هناك من يعتبر لعبة كرة القدم صورة للوضع الإنساني، تستطيع أن تكون مصدر من مصادر الارتقاء الاجتماعي، خاصة وان جميع الناس بإمكانهم أن يصبحوا أبطالا ويرتقوا اجتماعيا بفضل هذه اللعبة، فهي بالنسبة لهم تعد من المُثل الديمقراطية في مخيال الناس، إذ تعتمد على المساواة والأجدر هو الذي ينتصر، ففي الملعب هناك تجسيد مخيالي لمباديء الديمقراطية والمساواة والجدارة التي يعتمد عليها المجتمع الحديث. وذهب الدكتور الجويلي إلى أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن من لعبة كرة القدم يمكن استخلاص دروس الحياة فما يوجد في حياتنا يمكن إيجاده في لعبة كرة القدم، على غرار القدرة والحزن والحظ والمساواة والتضامن والهوية والفردانية والروح الجماعية، فحياتنا تنبض به لعبة كرة القدم . ووقف الدكتور، عند الهوس الجماهيري بهذه اللعبة، حيث أشار إلى أن ما يناهز 15 مليار مشاهد تابعوا بطولة أوروبا سنة 2008 ونحو 240 مليون فرد يمارسون اللعبة بين هواة ومحترفين، ويتواجد في العالم ما لا يقل عن 1,5 مليون نادي لكرة القدم. أما بخصوص الجانب المالي فذكر الدكتور، أن كرة القدم تحتل المرتبة 17 في الاقتصاد العالمي، خاصة وأن الرهان المالي لهذه اللعبة كبير جدا، فالفيفا تمكنت من بيع حقوق بث مونديال 2010 بنحو 2,1 مليار دولار . وتحدث الدكتور بنظرته السوسيولوجية الثاقبة، عن ارتباط لعبة كرة القدم بعنصر الهوية، حيث صارت تنتج الهويات بمختلف أنواعها، وفوق هذا وذاك تحوز على حيز معتبر من الفضاء الذي يجيب على سؤال الهوية أي من هوية الحي والمدينة إلى هوية امة، ولان شغف الهويات حسب جويلي يزيد من شغف الهوية، حيث نتصارع على هويتنا في البداية بين الأحياء ثم الأندية عبر الداربيات وما ينتج عنها من صراعات. ووصل إلى قناعة أن العنف المادي والرمزي أحد عناصر بناء هذه الهويات، لان لعبة كرة القدم لها علاقة وطيدة بهوية وذاكرة المدينة، حيث يتذكر المدينة بانتصارات كرة القدم ولأن الارتباط بهذه اللعبة والمدينة يترك المناصرين على هذا الحد من الشغف، وتنشأ الصراعات الرمزية من هو العميد في الأندية والفرق، ويسفر كل ذلك حسب الدكتور عن حقيقة أن كرة القدم مستودع حقيقي لبناء الهويات وكلنا يتحمس للدفاع عن صورة هويته. وأعطى أمثلة على ذلك، على غرار صراع الأندية بين مارسيليا التي تستقبل المهاجرين والفقراء وباريس الارستقراطية، والحرب التي نشبت بين الهندوراس والسلفادور بسبب مباراة في كرة القدم لمدة أربعة أيام كاملة. ليؤكد أنها لعبة هويات قبل أن تكون لعبة كرة قدم، والجماهير يدافعون عن هوياتهم حتى جعلوا الفريق رمز للهوية . وتعد هذه اللعبة في نظر الجماهير حسب عالم الاجتماع سندا للمقهورين في هذه الأرض ومجازا تختصر الجغرافيا والعلاقات الدولية، فكل فقير بإمكانه أن يقفز إلى عتبة الثراء بجدارته ويفتك لنفسه مكانة اجتماعية رائدة، لهذا تصنف ضمن اللعب التي تنبض بالارتباك وتحتاج إلى تركيز كبير يبعد عنا ذلك الارتباك، فلكل لاعب يضيف الدكتور طقوسه على غرار الطقوس الدينية، مثل السجود وقراءة سورة الفاتحة يجعل من هذه اللعبة ''ديانة'' جديدة لأجل الانتصار، كما تصبح محل اهتمام لأنها تعطي للممارسة الدينية أهمية . جمعت الإخوة الأعداء وفي حديثه عن المناصرين، الذين يتموقعون في مجموعات بدل الأحزاب السياسية، كشكل من أشكال الارتباط الاجتماعي الجديد لشباب يبحثون هذا الإرتباط. كما شدد على ضرورة الاهتمام بهذه الفئات التي تضم الطلبة والمهندسين والبطالين وجميع الشرائح. وأكد الأستاذ جويلي، أن للعبة رهان سياسي حقيقي، فهناك من تموقع سياسيا في الحكومات بفضل لعبة كرة القدم، فعلى سبيل المثال الصراع بين الفصائل الفلسطينية حماس وفتح فرغم الإختلاف الجوهري بينهما إلا أن الدوري الفلسطيني جمعهم... وفند ما يروج من أن هذه اللعبة الشيقة تساهم في إبعاد الناس عن عملهم وانشغالاتهم، فهي تكرس العدالة الاجتماعية، وتمنح الجماهير دروسا في الحياة وتعكس جميع التناقضات الاجتماعية . وخلال استعراضه لعلاقة الجزائريين بكرة القدم، أوضح أنها عريقة، حيث ترتبط بفريق جبهة التحرير بقيادة رشيد مخلوفي و11لاعبا جزائريا، الذين تحدو فرنسا وغادروا بشكل سري للتعريف بقضيتهم العادلة من خلال لعبة كرة القدم، حيث منعت الفيفا كل الفرق من اللعب معهم ما عدا تونس والمغرب اللذان أقصتهما الفيفا بسبب تضامنهما ولعبهما مع الجزائر ثم لعب مع ليبيا، بينما قال ان مصر مثلت للتعليمة ورفضت اللعب مع فريق جبهة التحرير، واصفا علاقة كرة القدم بثورة تحرير الجزائر المجيدة بالقديمة هذا ما يعمق حسبه الحماس الجياش والكبير للفريق الوطني الجزائري وجماهيره، حيث تحولت هذه اللعبة إلى محرك حقيقي للعناصر والثورة الجزائرية، ويرى أن هذا الحماس التاريخي فيه شق مهم من الاستعارة للشهداء الأبرار والكفاح المسلح، واعترف أن هذه السمة يفتقدها التونسيون والمصريون والمغاربة ولا توجد حسبه سوى في فلسطين. وهذا ما جعل على حد تقديره، أن تستعمل هذه اللعبة استعمالا سياسيا على اعتبار أنها توفر ترسانة من الانتماء الهوياتي. ودعا الشباب كي ينصب اهتمامهم في دراساتهم في العلوم السياسية والاجتماعية على كرة القدم. وخلص إلى القول أن إفريقيا رهانها كبير على جنوب إفريقيا، في إنجاح العرس الكروي على إعتبار أن الفيفا لها سيطرة محكمة على الإتحادات الوطنية لكرة القدم وهذا ما لا يوجد لدى منظمة الأممالمتحدة .