مشروع استراتيجي هام من شأنه تغيير التوزيع الجغرافي للسكان في الجزائر وإعادة نقل جزء من النشاط الاقتصادي إلى الهضاب العليا وشمال الصحراء، مما سيسمح بتخفيف التكدس السكاني وتمركز الحركية الاقتصادية في الشريط الساحلي، فالمدن الجديدة التي يحرص شريف رحماني وزير تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة على إنجازها في صمت رهان حقيقي بالنسبة للجزائر لابد من كسبه لمعالجة الاختلالات المطروحة على عدة أوجه، فالجزائر العاصمة لوحدها تستحوذ على 50 بالمئة من النشاط الاقتصادي الوطني، وعدد سكانها يقارب 10 بالمئة من إجمالي عدد سكان الجزائر الذي بلغ في 2008 نحو 35 مليون نسمة، فضلا عن كون 5 ملايين نسمة يزورون العاصمة يوميا لقضاء مصالحهم، مما يجعل التركيز على العاصمة خانقا، يعكس ذلك الاختناق الحاصل في حركة المرور، وارتفاع الطلب على العمل والسكن ومختلف المرافق الاجتماعية والتربوية الأخرى، مما يحتم خلق حزام من المدن الجديدة لتخفيف الضغط على العاصمة التي عرفت نمو مدن جديدة بشكل تلقائي وفوضوي فرضته الحاجة للتوسع السكني. غير أن أسئلة كثيرة تطرح حول ماذا تحقق من المدن الجديدة؟ فطيلة سنوات والحديث جار عن مدن المستقبل هذه التي ستنجز بشكل عصري وراق ينافس كبريات المدن والعواصم العالمية، يومية المستقبل حققت في هذا الملف المحاط بنوع من السرية والتحفظ، ونظرا لإصرار عدة أطراف ساعدتنا في إنجاز هذا الملف على عدم ذكر أسمائها أو إظهار صورها تلتزم الجريدة بعدم كشف مصادرها. البداية كانت في آفريل 2004 في الفاتح من آفريل 2004 صدر المرسوم التنفيذي لإنشاء المدن الجديدة في سيدي عبد الله، وبوينان، وبوغزول والمنيعة، وصنفت هذه المدن الجديدة ضمن الإنشاءات الكبرى الهادفة إلى تطوير اقتصاد البلاد خاصة من الناحية العمرانية والعلمية والتكنولوجية، واعتبرت هذه الإنشاءات الكبرى فرصة لنقل التكنولوجيا من الخارج إلى الجزائر، ومرحلة حاسمة في التطور الاستراتيجي للبلاد، وتم تخصيص كل مدينة في مجال معين، فبينما تتخصص المدينةالجديدة لسيدي عبد الله في المجال التكنولوجي والمعلوماتي وكل ما هو مرتبط باقتصاد المعرفة، تتخصص المدينةالجديدة بوينان في الميدان الترفيهي والرياضي، أما المدينةالجديدة المنيعة فمبرمجة لتكون مدينة سياحية من الطراز العالي، وبالنسبة للمدينة الجديدة بوغزول فمرشحة لتكون مركز مالي عالمي ومدينة أيكولوجية تعتمد بشكل أساسي على الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة. ووضعت الدولة الجزائرية في استراتيجيتها إعادة التوزيع السكاني والاقتصادي بشكل متوازن بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية، كما أن القشرة الأرضية في الشريط الساحلي تعاني من تصدعات جيولوجية تجعلها تشهد من حين إلى آخر نشاطا زلزاليا على غرار زلزال 21 ماي 2003 الذي ضرب العاصمة وبومرداس وخلف آلاف القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين، مما يحتم التفكير في إعادة تركيز السكان في مناطق الهضاب العليا والجنوب التي تعد أكثر استقرارا من الناحية الجيولوجية وحتى يكون هناك توازن في الكثافة السكانية. ولم تكتف الجزائر بالتخطيط لإنشاء مدن جديدة في المناطق الوسطى للبلاد بل هناك مشاريع مدن جديدة في غرب وشرق البلاد على غرار المدينةالجديدة "مولاي سليسن" الواقعة جنوب ولاية تلمسان في الغرب الجزائري، والمدينةالجديدة "إمدغاسن" بولاية باتنة بالإضافة إلى المدينةالجديدة لحاسي مسعود في الجنوب الشرقي والتي خصصت لها ميزانية كبيرة تقدر بخمسة ملايير دولار، فضلا عن مدن جديدة في قسنطينة وسطيف ولكن زيارتنا لمدينة ماسينيسا الجديدة في قسنطينة فاجأتنا لأنها كانت مجرد أحياء سكنية تتوفر على تهيئة عمرانية مقبولة وطرق معبدة لكنها لا تحتوي على مرافق اجتماعية أو مكاتب صناعية كانت أشبه بمراقد جميلة ولكن لم نشعر أننا في مدينة جديدة وإنما في حي جديد ومعزول عن النشاط الصناعي والاجتماعي، وسنحاول الآن تسليط الضوء على كل مدينة جديدة على حدة لمعرفة مستوى انطلاقة الأشغال بها. سيدي عبد الله أقرب مدينة جديدة للعاصمة لا تبعد المدينةالجديدة لسيدي عبد الله عن قلب العاصمة سوى بنحو 20 كيلومترا مما جعلها تستقطب أولى الاستثمارات وأهمها لحد الآن والأكثر من ذلك أن مصنع الكندي للأدوية الذي أنجزته مجموعة "أسترا سختيان" في هذه المدينةالجديدة بدأ عملية الإنتاج في آفريل 2008، كما استفادت شركة إعمار الإماراتية من مساحة 400 هكتار لترتفع إلى 1500 هكتار لإنجاز معاهد وإقامة جامعية وسكنات وشقق وفلل بالإضافة إلى مراكز تجارية عالمية، كما حصلت شركة "داماك" الإماراتية التي تنافس "إعمار" من حيث السمعة الإقليمية في الميدان العقاري على مشاريع لبناء مجمعات سكنية على غرار مجموعة الشريف وشركة "ألبينا" الجزائرية اللبنانية، ومن المنتظر أن تصبح سيدي عبد الله قطبا جامعيا يتسع لعشرين ألف مقعد بيداغوجي و10 آلاف سرير، وقد أنشئ بها حاليا إقامة جامعية صغيرة من المنتظر أن يتم توسيعها مستقبلا. غير أن الملاحظ على مدينة سيدي عبد الله أنها لم تستقطب لحد الآن الشركات الآسيوية والعالمية المتخصصة في تكنولوجيات الإعلام والاتصال والصناعات الدقيقة بالرغم من الدعاية التي حظيت بها هذه المدينةالجديدة إعلاميا، ولو أن الأمر مازال مبكرا على حديث من هذا النوع يرد بعض الخبراء، وقد سبق لرئيس الوزراء الماليزي أن زار رفقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مدينة سيدي عبد الله في 2003، وأبدت الجزائر اهتماما خاصا بالتجربة الماليزية في بناء الطرق السيارة للمعلوماتية، لكن لم يتجسد لحد الآن الكثير في هذا الميدان، غير أن بعض المتتبعين لهذا الملف ينفون صحة هذا التحليل ويؤكدون أن المناقصة التي فتحتها وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال لإنشاء "سيبر بارك" وهو أشبه بقرية فضائية تضم عدة مراكز أعمال ومجمعات سكنية تعتمد على الطاقات المتجددة، ستسمح بعد إنجازها بتمركز الشركات الجزائرية أو العاملة في الجزائر والمتخصصة في الاتصالات والمعلوماتية في "السيبر بارك" بالمدينةالجديدة سيدي عبد الله لأنها توفر لهم مكاتب ومقرات راقية لشركاتهم، وعندما ترغب الشركات العالمية المتخصصة في المعلوماتية في الاستثمار بالجزائر فلن تجد أفضل من "السيبر بارك" لسيدي عبد الله. وتثير بعض الشخصيات الناشطة في عالم المال والأعمال بالجزائر مشكل عدم إنجاز طريق واسع يؤدي إلى المدينةالجديدة وخط للسكة الحديدية كما وعد بذلك بعض المسؤولين، وأشاروا إلى أن الطريق الحالي ضيق وفي حال انطلاق الأشغال في الورشات الكبرى فإن هذا الطريق لن يستوعب حركة المرور للشاحنات الكبيرة مما يتوجب على الجهات الوصية الأخذ بعين الاعتبار هذه النقطة الحساسة. ويؤكد البروفسور يوسف منتلشطة الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال وأنظمة الشبكات المعلوماتية ومستشار دولي باليونسكو أن المدينةالجديدة سيدي عبد الله لا يمكن لها أن تحقق أهدافها إلا إذا كانت مدينة حية على غرار مدينة "سليكون فالي" في أمريكا التي تجمعت فيها بعض الشركات الصغيرة للمعلوماتية بعدما باعتها الدولة قطعة أرض واستقطبت هذه المنطقة الشركات المتخصصة في المعلوماتية بما فيها الشركات العملاقة مثل "أبل" التي تشكلت في هذا المكان الذي أصبح حاليا مدينة كاملة لتكنولوجيات الإعلام والاتصال. بوينان العاصمة الرياضية للجزائر المدينةالجديدة بوينان الواقعة جنوب ولاية البليدة والتي لا تبعد عن العاصمة سوى بنحو 50 كيلومتر مرشحة لتكون عاصمة رياضية بأتم معنى الكلمة، إذ أن بوينان التي توجد في السهل المتيجي والتي تتربع على مساحة 1670 هكتار استقطبت عدة شركات عالمية تتنافس حاليا للفوز بحصة من هذه المدينة الاستراتيجية، حيث أكدت مصادر مسؤولة أن الدولة كلفت مكتب دراسات عالمي للقيام بدراسات حول المدينةالجديدة قصد تحضير دفتر شروط المناقصة. من جهته أكد سفيان مزياني المدير العام لشركة "رونا" شريكة "ميدل إيست ديفلبمنت" التي يملكها رجل الأعمال السعودي المقيم في دبي طارق بن لادن في حوار خاص مع المستقبل أنهم قدموا منذ أسابيع المخطط العام "ماستر بلان" لوزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة، لإنجاز مدينة أولمبية في المدينة الجدية بوينان بحيث تتربع على مساحة 250 هكتار، وتضم مركبا رياضيا أولمبيا من الطراز العالمي، وملعب غولف من 18 حفرة، وفنادق من ثلاث وأربع نجوم مخصصة بالدرجة الأولى للرياضيين والوفود الرياضية التي تأتي للمشاركة في مختلف المنافسات الرياضية الوطنية والإقليمية وحتى العالمية التي يمكن أن تحتضنها الجزائر، بالإضافة إلى مركز تجاري ضخم وحديقة تسلية، وشقق سكنية ومدارس ومسجد، وملحقات إدارية كمقرات البلدية والشرطة والدرك والحماية المدنية، أما الشركات الكورية فبادرت بتقديم "ماستر بلان" إلى الوزارة المعنية لإنشاء فنادق راقية من خمس نجوم ومجمعات سكنية تتربع على مساحة 670 هكتار، من جانبه أعلن بيت التمويل الخليجي عن توصله لاتفاق مبادئ مع الحكومة الجزائرية لتأسيس منطقة بيت التمويل الخليجي للتنمية الاقتصادية في المدينةالجديدة بوينان، وستكون هذه المنطقة الموقع التجاري الرئيسي ضمن المخطط الرئيسي الجديد لمدينة بوينان، ويتوقع أن تصل تكلفة المشروع إلى 3 مليارات دولار، وأن يمتد المشروع حين يتم الانتهاء منه على مساحة لا تقل عن 2,8 كيلو متر مربع، ويعمل حاليا فريق بيت التمويل الخليجي للمشاريع الخاصة بالتعاون مع خبراء عالميين في هذا المجال على تحديد المكونات والقطاعات التي ستحتويها هذه المنطقة. ويتوقع أن تشتمل منطقة التنمية الاقتصادية على مناطق متخصصة في الطاقة والخدمات المالية والاتصالات وتقنيات المعلومات، بالاضافة الى مكونات سكنية وترفيهية. المنيعة تبحث عمن يغازلها تتوسط المنيعة الجزائر من الناحية الجغرافية وتكاد تكون نقطة تقاطع بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وموقعها المتقدم في شمال الصحراء، يجعلها ذات أهمية استراتيجية في التنمية المتوازنة للمناطق الصحراوية المهمشة، حيث أكدت مصادر مسؤولة للمستقبل رفضت الكشف عن نفسها أن المدينةالجديدة المنيعة مرشحة لكي تكون مدينة سياحية صحراوية من الطراز العالي حيث ستضم فنادق ومنتجعات سياحية ومراكز تجارية ومجمعات سكنية، ومن شأن إنجاز المدينةالجديدة التخفيف من الضغط السكاني للمدينة القديمة على الواحة. ولحد الآن لم تنصب بعد الهيئة المديرة للمدينة الجديدة المنيعة، غير أن هناك مساعي لإيجاد مطورين عقاريين لإنجاز المشاريع الخاصة بهذه المدينة، وقد عرضت وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة على المدير العام لشركة "ميدل إيست ديفلبمنت" في دبي طارق بن لادن، لكن هذا الأخير أبدى اهتماما أكثر بمدن جديدة أخرى على غرار بوينان وبوغزول، وأرجع سفيان مزياني مدير شركة "رونا" و"غاد" اللتين يوجد مقرهما في دبي أن مدينة المنيعة بعيدة نسبيا على العاصمة مقارنة بمدن جديدة أخرى، وأن موعد الاستثمار بالمنيعة مازال مبكرا، في حين أرجع خبير اقتصادي جزائري عدم إثارة المنيعة شهية المستثمرين إلى عدم امتلاكها لخصوصيات سياحية مميزة، وأن طبيعة أرضها حصوية، والأهم من ذلك أن الدراسة التي أجراها مكتب دراسات تونسي أظهرت أن الكثافة السكانية بعد إنجاز هذه المدينة لا تتجاوز 6 نسمة في الهكتار، خاصة وأن درجة الحرارة جد مرتفعة تفوق أحيانا 40 درجة مئوية مما يعني صعوبة إقناع سكان الشمال بالإقامة في مناخ لم يتعودوا عليه، وهو ما لا يشجع حسبهم على قيام نشاط اقتصادي وتجاري قوي في المنطقة، غير أن هناك من لا يتفق مع هذه الرؤية ويعتبر أن المنيعة يمكنها أن تكون نموذجا للسياحة الصحراوية نظرا لتمتعها بمناظر خلابة وبها واحة ساحرة، فضلا عن احتوائها على حياة برية وطيور نادرة، مما يشجعها على استقطاب السياح الأجانب والجزائريين وبذلك يتم خلق حركية تجارية واقتصادية بالمنطقة فضلا عن توطين السكان المحليين للمدينة القديمة بعيدا عن الواحة التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة نسبيا. حاسي مسعود الجديدة عاصمة النفط بالرغم من وجودها في منطقة صحراوية معزولة إلى أن حاسي مسعود تعد القلب النابض للاقتصاد الوطني حيث تحوي أكبر بئر نفطية في الجزائر من حيث الاحتياطي والإنتاج، وبالقرب من هذه البئر النفطية أنشئت مدينة صناعية تقيم فيها عائلات الإطارات والعاملين بهذا المشروع الحيوي، غير أن الدراسات أظهرت أن هذه المدينة تنام على احتياطات نفطية وبالقرب من الأنابيب النفطية وفي حالة وقوع أي حادث في المنطقة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية. وفي 22 مارس 2008 أعلن وزير الطاقة والمناجم الدكتور شكيب خليل ان الجزائر خصصت 6 مليارات دولار لمشروع بناء مدينة نفطية جديدة في حاسي مسعود هي الأكبر في البلاد، حيث تبلغ مساحتها 4483 هكتار، وتتسع لنحو 80 ألف ساكن وتبعد عن المدينة الحالية بنحو 100 كيلومتر، وستكون منطقة "جزيرة الطاقة" المقر العام للشركات النفطية العاملة في الجزائر وستساهم رفقة سوناطراك في تمويل إنجاز هذه المقرات، ويضم المشروع أيضا مباني إدارية ومعاهد جامعية ومراكز تدريب وأبحاث وتنمية ومساجد وبنى تحتية وتجهيزات ومراكز رياضية. واختارت "إدارة حاسي مسعود الجديدة" شركتين مرشحتين لتنفيذ الاعمال الهندسية والدراسية وهما "كونسورسيوم كوري جنوبي" باسم "حاسي مسعود كوريا كونسورسيوم" والمجموعة الفرنسية التونسية "ايوزيم الدولية/ ستادي انترناشيونال" وعرضت الشركة الاولى تنفيذ المشروع بنحو 490 مليون يورو والثانية بنحو 320 مليون يورو وحددت "ادارة حاسي مسعود الجديدة" مهلة انجاز المشروع بنحو 76 شهرا منها 16 شهرا للاشغال الهندسية، غير أن وزارة الطاقة التي تشرف على إنشاء المدينةالجديدة لحاسي مسعود بدل وزارة تهيئة الإقليم ألغت المناقصة لعدم جدواها. خبراء دوليون يعتبرون من الخطأ تجزئة المدن الجديدة اعتبر خبراء دوليون متخصصون في الدراسات العقارية والاستثمارية في لقاء مع المستقبل أنه من الخطأ تقسيم المدن الجديدة وتجزئتها إلى مناطق وحصص تشترك العديد من المقاولات وشركات التطوير العقاري في إنجازها، موضحين أن ذلك قد يؤدي إلى عدم انسجام مختلف المشاريع المتعلقة بإنجاز مدينة جديدة، فقد لا تتوافق تهيئة الإقليم مع تصور المطور العقاري وحينها يحصل إشكال يصعب حله. ودعا هؤلاء الخبراء إلى أن تتولى الدولة القيام بالدراسات الأولية الخاصة بتحديد موقع المدن الجديدة وتوفير المعلومات المناسبة حولها خاصة ما يتعلق بالمياه والمناخ ونوعية التربة والكثافة السكانية، كما من واجبها توفير الطريق المؤدي إلى المشروع، وبعد ذلك تعرض المشروع بأكمله لمناقصة دولية وفق دفتر شروط محدد والمطور الذي يفوز بالمناقصة يقدم مخططه الرئيسي للمشروع والمكتب الدولي الذي تختاره الدولة هو الذي يتكفل بالنقاش التقني حول المخططات أي أن الدولة تتكفل بالإشراف والمراقبة بينما يتولى المطور العقاري الذي يشترط أن يكون شركة عالمية كبرى أو تكتل لمجموعة شركات بإنجاز مختلف المشاريع المتعلقة بمدينة جديدة بما فيه أشغال المقاولات والبنية التحتية والمجمعات السكنية والتجارية والعقارية الأخرى بشكل شامل ومتكامل، حتى لا نقع في أخطاء دواوين الترقية العقارية وإنجاز سكنات بالتجزئة مما شوه صورة المدن الجزائرية التي غزتها البنايات غير المكتملة وغير المتجانسة. بوغزول، جوهرة المدائن الجزائرية الحديثة تعتبر المدينةالجديدة بوغزول (160 كيلومتر جنوب العاصمة) أهم مدينة جديدة من الناحية الاستراتيجية على اعتبار أنها مرشحة لتكون العاصمة الجديدة للجزائر على شاكلة العاصمة البرازيلية برازيليا. وكان الرئيس الراحل هواري بومدين أول من رشحها لتكون بديلا للعاصمة الجزائر لكن هذا المشروع تبخر مع وفاته، وفي 2003 قدم عبد المومن خليفة مشروعا لإنجاز عاصمة جديدة للجزائر في بوغزول لكن إمبراطوريته المالية انهارت في نفس العام، وفي الأول من آفريل 2004 صدر المرسوم التنفيذي لإنجاز المدينةالجديدة بوغزول وخصصت لها ميزانية 49 مليار دينار، حيث أنجزت مختلف الدراسات اللازمة لإنجاز مدينة عصرية تنافس كبريات العواصم العالمية بداية من 2005. وعرضت الهيئة المدير لمشروع المدينةالجديدة بوغزول في 2007 مناقصة لإنجاز البنية التحتية للمدينة من طرقات رئيسية وشبكات الغاز والكهرباء والمياه والتطهير والألياف البصرية، ونص دفتر الشروط على أن تكون الشركة المشاركة في المناقصة سبق لها وأنجزت مدينين جديدتين تتسع كل واحدة لأكثر من 200 ألف ساكن، وهو ما تطلب تكتل عدة شركات عالمية في "كونسورسيوم" لدخول المناقصة التي ألغيت في المرة الأولى لأن العرض لم يكن كافيا، ثم أعيدت المناقصة وشارك فيها تكتلان لعدد من الشركات وفاز "كونسورسيوم" كوري لكن العرض لم يكن كافيا هو الآخر، وشارك في المرة الأخيرة ستة تكتلات عالمية كبرى أمريكية وكندية وفرنسية وبرتغالية وتكتلان كوريان وذلك في أفريل 2008، وفاز بالمناقصة تكتل كوري مشكل من خمس شركات تتمثل في "دايو إنجنرينغ"، و"ووليم" و"دونغ سيونغ" و"سبايس غروب" و"سام هان"، ورست الصفقة على مبلغ 650 مليون دولار لإنجاز البنية التحتية وأعمال المقاولات دون أن يعني ذلك إنجاز أي من مرافق المدينةالجديدة، وستعرض نتائج هذه المناقصة على اللجنة الوطنية للاتفاقات العمومية التي تراقب مدى مطابقة المناقصة للشروط القانونية قبل إعطاء موافقتها النهائية لبدء الأشغال. جريدة "المستقبل" حصلت على السبق الصحفي عندما تمكنت من الحصول على المخطط الرئيسي للمدينة ومختلف التفاصيل حول "عاصمة المستقبل" التي تمتد على مساحة 2200 هكتار مقسمة إلى 11 قطعة، وستستخدم فيها آخر ما توصلت إليه التكنولوجية في بناء المدن الجديدة الأشبه بالمدن الفضائية، حيث ستكون بوغزول مخصصة لقطاع الخدمات والتكنولوجيا الحديثة والبحث العلمي. وتتوفر بوغزول على مختلف الشروط الأساسية لقيام تجمع سكاني كبير بالنظر إلى توفر المياه حيث ستزود المدينةالجديدة بمياه سطحية لسد كدية أسردون بولاية البويرة لسقي المزارع النموذجية، أما مياه الشرب فسيتم جلبها من عين صالح بولاية تمنراست الغنية بالمياه الجوفية، بالإضافة إلى أن بوغزول تضم بحيرة طبيعية تفيض في موسم الأمطار، حيث سيتم تعميق البحيرة وبناء جدار على حواف البحيرة حتى لا تفيض البحيرة على المدينةالجديدة، وسينشأ داخل البحيرة نظام حديث لتصفية المياه، وقد حددت للمدينة الجديدة عدة وظائف تتمثل في: مركز بحث متطور خاصة في القطاع الفلاحي ستضم المدينةالجديدة بوغزول بصفتها مركز بحث عدة مخابر علمية، وجامعة ومدارس عليا لطلبة ما بعد التدرج (ماجستير، دكتوراه)، بالإضافة إلى بعض التخصصات لطلبة الليسانس لاستقطاب جزء من الناجحين في شهادة البكالوريا من الولايات القريبة كالجلفة والمدية والبويرة والأغواط، وستتخصص هذه المدارس العليا في عدة مجالات خاصة في الميدان الفلاحي والبيطري وسيكون إلى جانبها مزرعة نموذجية للبحث التطبيقي، علاوة على 15 ألف هكتار عبارة عن مساحات زراعية مسقية. ظروف معيشية راقية للباحثين في المفاعل النووي بعين وسارة كما ستوفر مدينة بوغزول إقامة نموذجية للباحثين والعلماء الجزائريين المتخصصين في الطاقة الذرية والعاملين في المفاعل النووي بعين وسارة والواقع على بعد حوالى 30 كيلومترا جنوب بوغزول، بقوة 15 ميغاوات مخصص للبحث العلمي وتم بناؤه بمساعدة الصين في التسعينيات، وسيتاح لأبناء وعائلات هؤلاء الباحثين ظروف معيشة راقية ومدارس ومؤسسات تربوية ذات تأطير جيد، وستكون كل الظروف مهيئة لهم للاستمرار في عملهم بالمفاعل النووي لعين وسارة دون الحاجة للتفكير في الهجرة إلى الخارج. كما سيتم تهيئة القرية القديمة والمناطق المهمشة المجاورة للمدينة الجديدة ومساعدة الفلاحين على الاستقرار، حتى لا يؤدي قيام مدينة حديثة وسط فضاءات مهمشة إلى نزوح ريفي وتَشَكُلِ محيط من البنايات الهشة على أطراف المدينةالجديدة من شأنه تشويه صورتها. مدينة بيئية من الطراز العالي يبدو أن وزير تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة شريف رحماني كانت له لمسته الخاصة في التخطيط لجعل بوغزول مدينة بيئية من الدرجة الأولى، تعتمد بشكل أساسي على جلب كل ما هو حديث في ميدان الطاقات المتجددة وفرصة للحصول على آخر التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، واستعمال الطاقة الشمسية النظيفة على سبيل المثال في مختلف الاستعمالات اليومية وفي شتى المجلات الممكنة. مركز مالي عالمي حسب المخطط الذي اطلعنا عليه والشروحات التي قدمت لنا فإن الشارع الرئيسي للمدينة الجديدة سيكون من أرقى شوارع المدينةالجديدة وسيضم بنايات كبيرة ترتقي إلى الطابق 17 في السماء، من شأنه استقطاب كبريات المؤسسات المالية العالمية من بنوك وشركات تأمين، بهدف تقديم خدمات مالية هي الأرقى في الجزائر، بل من المتوقع أن تصبح بوغزول من بين المراكز المالية الأكبر في العالم. مدينة للسياحة البيئية والأعمال فنادق راقية من خمس نجوم ستحتضن ملتقيات وطنية ودولية لرجال أعمال وسياسيين ومثقفين، ستجعل المدينة مركزا لسياحة المال والأعمال حيث تستقطب كبريات المؤتمرات الإقليمية والدولية التي تستقطب رجال أعمال أجانب وتوفر مداخيل بالعملة الصعبة للبلاد، بالإضافة إلى ذلك فالمدينةالجديدة ستكون كالجوهرة وسط غابة خضراء من الشمال والغرب وحقول غناء من الشرق وبحيرة زرقاء من الجنوب تحتوي على ميناء ترفيهي (مارينا) يستهوي أصحاب الزوارق واليخوت الفخمة والدراجات المائية وعشاق البحر، في تزاوج بين ألوان الطبيعة يلهم عشاق السياحة البيئية الراغبين في الهدوء والاسترخاء والاستمتاع بالهواء النقي المساعد على علاج بعض أمراض التنفس. وفي وسط المدينة ستجد حديقة ولا أروع وأينما اتجهت ستقابلك الأشجار والمساحات الخضراء، كما هنالك مراكز للتسوق، وملعب غولف، وميدان لسباق الخيل والمهاري. مركز لوجستي للتموين بالسلع لمختلف مناطق الوطن الموقع الاستراتيجي لبوغزول في وسط الجزائر يؤهلها لتلعب دور مركز لوجستي هام لتجميع السلع وإعادة توزيعها على مختلف المناطق، حيث يتقاطع الطريق الوطني رقم واحد الرابط بين الجزائر العاصمة ومدن الصحراء مع الطريق السيار الثاني للهضاب العليا الذي يتم التحضير لتعبيده والرابط بين ولاية تبسة شرقا وولاية تلمسان غربا، كما توجد بوغزول في منطقة تقاطع خط السكة الحديدية الرابط بين مدينة بومدفع بعين الدفلى ومدينة حاسي مسعود في الجنوب الشرقي وهو خط ذو سرعة عالية، مع خط السكة الحديدية الرابط بين تبسة ومدينة تيارت. وعلى بعد 20 كيلومترا من المدينةالجديدة بوغزول سيشيد مطار دولي لنقل المسافرين والبضائع سيربط المدينة بمطارات العالم في القارات الخمس، كما ستنشأ بالمدينةالجديدة محطتان للنقل البري وللنقل بالسكك الحديدية، وستسمح هذه الشبكة اللوجستيكية من وسائل النقل البرية والجوية، بتجميع السلع وإعادة توزيعها خاصة في مناطق الهضاب العليا والمدن الصحراوية البعيدة. منطقة للنشاطات الصناعية وتكنولوجيات الاتصال بالرغم من أن بوغزول مخصصة لتكون مدينة للخدمات والبحث العلمي إلا أنها ستحتوي على منطقة للنشاطات الصناعية وشبه الصناعية ستستقطب الصناعيين ورجال الأعمال للاستثمار في مختلف الصناعات الخفيفة والمتوسطة وربما الثقيلة أيضا، على غرار منطقة النشاطات الصناعية بالرويبة شرق العاصمة، كما أن بوغزول ستستقطب الاستثمارات في ميدان تكنولوجيات الإعلام والاتصال رغم أن مدينة سيدي عبد الله ستتخصص في هذا المجال. بوغزول، عاصمة احتياطية ستقسم بوغزول كما سبق وأن قلنا إلى 11 قطعة حيث لا تقل مساحة كل قطعة عن كيلومتر واحد، وستترك قطعتان فارغتين كاحتياطي عقاري استراتيجي، حيث من المتوقع أنه بعد الانتهاء من إنجاز المدينةالجديدة قبل العام 2025 والتي ستستوعب حينها ما بين 350 ألف إلى 400 ألف ساكن، سيتم تحويلها إلى عاصمة سياسية للجزائر، وستنشأ على المنطقتين الفارغتين مقرات المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية كمقر الرئاسة، وقصر للحكومة ومقرات الوزارات ومقر للبرلمان بغرفتيه، والمجلس الدستوري والمحكمة العليا والسفارات، وإقامات الدولة والمسؤولين. وأسرت مصادر مسؤولة للمستقبل أن هناك بحثا عن اسم مناسب للمدينة الجديدة بوغزول يتناسب مع كونها مرشحة لتكون عاصمة للبلاد، ومدينة عصرية من الطراز العالمي، غير أن تحويل العاصمة من الساحل إلى الداخل لن يكون بالأمر الهين ويتطلب قرارا سياسيا قويا. وقد أشار عبد الرشيد بوكرزازة وزير المدينة سابقا بأن العاصمة ليست مجرد عمران وفقط بل هي حضارة وثقافة، ولكن ما لم يذكره الوزير أن الجزائر عرفت عدة عواصم منذ العهد النوميدي بدءا بقسنطينة التي ينحدر منها بوكرزازة، وتيارت في العهد الرستمي والمسيلة وبجاية في العهد الحمادي وتلمسان في العهد الزياني، حيث توزعت عواصم الدول التي نشأت على أرض الجزائر في الشرق والوسط والغرب، ولا يمنع حاليا من تشييد عاصمة جديدة للجزائر خاصة في ظل التكنولوجيات المستحدثة في ميدان بناء العواصمالجديدة، وبرازيليا تجربة ماثلة بين أيدينا يمكننا الاستفادة منها، والأكيد أن الرئيس الذي سيتخذ قرارا تحويل العاصمة الجزائرية من الساحل إلى بوغزول سيدخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وسيذكر اسمه على مدى آلاف السنين.