مهما كبر الإنسان وتقدم في السن فإنه في حاجة إلى التعلم وإلى الاستفادة من تجارب ونصائح غيره، لينأى بنفسه عن الاستبداد والاتكال على رأيه الخاص الذي قد يؤدي به أحيانا إلى التهلكة وحيث لا ينفع الندم. نصيحة أهل المعرفة والأمانة مفيدة، خاصة أولئك الذين هم من بني جلدتك، من عشيرتك، من وطنك، الذين يريدون لك الخير والصلاح.. وقد عرفت المجتمعات البشرية نظما، ومجالس للاستشارة وتسيير أمور الرعية، يديرها من هو أعقلهم وأكبرهم سنا، لأن العمر إذا طال كان فرصة لتعلم الكثير.. فكانت تعرف بمجالس العقلاء أو رئاسة القبيلة، دار الندوة، دار عقد اللواء.. الخ. واليوم نسميها برلمانات ومجالس تشريعية أو نيابية.. وغيرها.. يحكى أنه في قرية من القرى الإفريقية كانت تقطنها قبيلة تعيش على الزراعة والصيد، يحكمها رجل مسن، عاقل نزيه، كان يفصل في كل الأمور ويترأس طقوس وحفلات القبيلة. وحدث أن قام شاب متهوّر غرّه شبابه وقوته فعزل الشيخ وأخذ مكانه بالقوة.. فخرج ذات يوم مع حاشيته من الشباب الذين ساندوه في انقلابه، فاصطادوا غزالا أعجب القائد بجمال جلده فاتخذه لباسا مباشرة بعد السلخ.. ومع مرور الأيام يبس الجلد فأحسّ القائد الشاب بالاختناق، وحاول فتحه فلم يفلح لأنه التصق بصفة محكمة على جلده وكاد أن يموت، ثم تذكر رئيس القبيلة الشيخ العاقل فذهب إليه مسرعا يستنصحه ويطلب الحل عنده، فقال له الشيخ: يا بني اذهب الى النهر وامكث هنيهة داخل الماء فسوف يبتل الجلد وتخلص منه.. ففعل ذلك وعاد إليه مستسمحا نادما على ما صدر منه مترجيا إياه أن يعود إلى سيادة القبيلة، وعلى رأي الوراق: إن اللبيب إذا تفرق أمره فتق الأمور مناظرا ومشاورا وأخو الجهالة يستبد برأيه فتراه يعشق الأمور مخاطرا