سابقة في تاريخ الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي جرت البارحة 7جوان في يوم واحد وقد كانت تجرى سابقا على مدى 4 اسابيع بموجب القانون الانتخابي لسنة 1960 حيث جاء تعديل قانون الانتخاب اثر اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، وهي الانتخابات التي سبقتها حملة انتخابية مرفوقة بحملة اعلامية موازية اقل ما يقال عنها أنها كانت حادة الى درجة التشنج. عرفت مراكز الاقتراع المقدرة 1700 موزعة على 26 دائرة انتخابية على كامل التراب اللبناني لاستيعاب ما يقدر ب:3 ملابين و200 مصوت لاختيار 128نائب بتناصف بين المسلمين والمسيحين. المسلمون ب 64 نائب موزعين على 4 مذاهب، ويقدر عدد المصوتين المسلمين بمليونين، و64 نائبا للمسيحيين موزعين على 7 مذاهب ويقدر عدد المصوتين المسيح بمليون و200 مصوت، حيث ترشح لهذه الانتخابات 450 متاسبق للظفر بمقعد نيابي موزعين على الفريقين 8اذار و14 اذار. وجاءت هذه الانتخابات وسط انتشار امني كثيف لم يسبق وان عرفته لبنان وخاصة العاصمة بيروت. حيث جند 50الف جندي و14 الف من عناصر الشرطة لتامين سلامة الناخبين ولضمان السير الحسن للانتخابات وتحسبا لاي انفلات او احتكاك. وقد عرفت هذه الانتخابات تدفق المصوتين منذ فتح مكاتب الاقتراع في السابعة صباحا وتواصل التصويت على مدار 12 ساعة، حيث أغلقت المكاتب في السابعة مساء. وان كانت اغلب الدوائر معلومة النتائج ومحسومة المقاعد سلفا وخاصة في المناطق الشيعية والدرزية والسنية، فإن الدوائر المسيحية شهدت معركة انتخابية مفصلية ومصيرية وحصريا في ثلاث دوائر وهي: زحلة والمتن وبيروت الاولى، وقد أدلى الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان بصوته في مسقط رأسه بلدية عمشيت. وقد تحدث لوسائل الإعلام معبرا عن رضاه عن سير الانتخاب ومثمنا دور القضاء والادارة والامن لتمكنهم من اجراء الانتخاب في يوم واحد. وقال هذا يحسب للبنان ولديمقراطيته. وطالب الجميع خفض وتيرة الخطاب المتشنج، مؤكدا على ضرورة حكومة وحدة وطنية تحتوي الجميع وختم كلامه بأن الخطر الاكبر على لبنان هو اسرائيل والخطر الكبير هو تفريط اللبنانيين في الديمقراطية، كما أدلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بصوته في بلدته صيدا، بينما صوت رئيس مجلس النواب نبيه بري في مسقط رأسه، كما عرفت هذه الانتخابات حضور الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر على رأس اللجنة الدولية لمراقبة الانتخابات.
8آذار و14آذار و 11 آذار أرقام لكنها مشاريع سياسية ووطنية واقليمية بفستان طائفي وبثوب مذهبي بيروت حبست أنفاسها يوم 7جوان (ايار) واشتد عصب الحملة الانتخابية الذي بلغ ذروته منتصف الجمعة الفارط حيث انقسم لبنان على نفسه الى شطرين يتناطحان مذهيبا ويصطدمان طائفيا ويتخاصمان سياسيا ويتقاتلان اعلاميا، هي الحملة التي امتدت لشهور مدججة اعلاميا بخطاب ناري، كل فريق يكيل لاخر التهم وأنه تابع لاجندة دولية واقليمة ينفذها على ارض لبنانية ويكرسها على الساحة السياسية التي تعرف الانسداد التام والكامل بين مشروعين متناقضين؛ بين قوى المعارضة وقوى الموالاة، كما لعب المال السياسي الذي يتدفق على هذا البلد من اجل حسم المعركة لصالحه وهو ما جعل دراسة أمريكية صدرت منذ اسبوع وخلصت إلى أن الانتخابات البرلمانية اللبنانية هي الاغلى والاكثر كلفة في العالم، وتموقعت هذه الاحزاب وتشكلت على فريقين؛ فالمعارضة اتخذت لنفسها رقم 8آذار وهو يتكون من ثلاثة أحزاب رئيسية حزب الله بقيادة (السيد حسن نصر الله) وحركة امل بقيادة (نبيه بري) والتيار الوطني الحر بقيادة (الجنرال ميشال عون) وهو تحالف شيعي مسيحي ماروني، واما فريق الموالاة او كما يعبر عن نفسه انه فريق الاكثرية فاتخذ لنفسه رقم 14 آذار المتكون من زعامات سياسية كبيرة بقيادة سعد الحريري نجل رفيق الحريري (تيار المستقبل) ووليد جنبلاط نجل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط (الحزب التقدمي الاشتراكي) والامين جميل الرئيس الاسبق للبنان نجل بيار جميل مؤسس حزب الكتائب اللبناني وهو تحالف يجمع بين السنة والدروز والمسيحيين المراونة. فيما يبقى فريق 11آذار الذي نشأ قبل الانتخابات باجتهاد من شخصيات سياسية تنسب لنفسها الحياد والوسطية والعقلانية محاولة التقريب بين الكتلتين، لكن يبقى تأثيرها محدودا وهامشيا، لان لبنان انقسم على نفسه الى اثنين واصطف في مشروعين حيث يرى فريق الموالاة أو الاكثرية انه يمثل مشروع لبنان الحر ولبنان الدولة لا الدويلة داخل الدولة، وانه يمثل لبنان المؤسسات لا المذهبيات، فيما يرى فريق 8آذار الذي يجزم انه يمثل لبنان السيد والقوي وانه يمثل لبنان الصامد والمقاوم، وهو الذي يرى في فريق 14آذار انه يمثل المشروع الامريكي المدعوم من دول الاعتدال، وبعكس الاتجاه يرى فريق 14آذار ان فريق 8آذار يمثل المشروع الايراني والسوري وانه يجسد الجمهورية الثالثة القائمة على مرجعية ولي الفقيه.
قنوات وجرائد وألوان تكرس الطائفية وتفوح بالمذهبية: من دون عناء او بحث تكتشف على الرفوف المخصصة لبيع الجرائد طعم كل جريدة من خلال عنواينها التي تتصدر الصفحة الاولى او صورة الشخصية التي تعلو صفحتها الرئيسية. فجريدة النهار التي فقدت مديرها العام جبران تويني اثر اغتيال في سنة 2005 وجريدة المستقبل التي فقد صاحبها ومالكها الشهيد رفيق الحريري الذي اغتيل في 2005، جريدتان محسوبتان على الماولاة او فريق 14آذار حيث تتصدر صورة كل من رفيق الحريري وجبران تويني صفحتيهما الرئيسيتين، فيما تبقى جريدة السفير لصاحبها طلال سلمان وجريدة الديار لسان حال المعارضة. وفي السياق نفسه تعد قناة المنار التابعة لحزب الله وقناة "الان بي ان" التابعة لنبيه بري الصورة والصوت المعارضين، وفي المقابل نجد قناة المستقبل للحريري وقناة" ال بي سي" الركيزتين الاعلاميتين لفريق 14آذار، وهذا الاصطفاف الطائفي والمذهبي ينتقل الى الالوان التي تعد إشارة ورمز فريق وطيف سياسي بعينه. فاللون الاصفر هو حصريا لحزب الله والى جانبه اللون البرتقالي للتيار الوطني الحر الماروني المسيحي للجنرال ميشال عون، وهما يمثلان المعارضة فيما يبقى اللون الازرق لتيار المستقبل السني بزعامة سعد الحريري واللون الاحمر للحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي لوليد جنبلاط.
الوراثة السياسية والإرث العائلي في لبنان المحاصصة الطائفية التي فرخت الوراثة العائلية للتركة السياسية التي اصبحت تقليدا متوارثا، هي المنطق السائد في لبنان، تحول منذ ما يقارب 80 سنة الى تقاليد تكرسها العائلات عن طريق التوريث السياسي في إطار الإقطاع العائلي، وهي خاصية التصقت بلبنان لما له من سقف مرتفع من الحرية وخصوبة في التنوع الطائفي والمذهبي. عائلة جميل: وهي الأكثر حضورا والأكثرها امتدادا، منذ سبعين عاما عندما أسس بيار جميل حزب الكتائب سنة 1936 والذي استلم مقاليده الابن والرئيس الاسبق بشير جميل سنة 1982 ثم استلم مشعله شقيقه الرئيس الاسبق للبنان امين جميل الذين كانوا نوابا ثم رؤساء، وفي وقت كانت سونلاج زوجة بشير نائبا في البرلمان، يترشح ابنه اليوم نديم جميل ( 27 عاما) لمقعد برلماني، وكذلك ابن أمين جميل سامي جميل الذي اغتيل شقيقه بيار النائب السابق سنة 1995 ووزير الزراعة السابق. عائلة معوض: رينيه معوض رئيس الجمهورية اللبناني الاسبق الذي اغتيل سنة 1989 حيث استلمت زوجته مايلة معوض الوزيرة السابقة والنائب الحالي في البرلمان في حين يقود ابنهما ميشال معوض لاول مرة غمار الانتخابات البرلمانية 2009 عائلة فرنجية: سليمان فرنجية رئيس الجمهورية الاسبق الذي اغتيل نجله طوني فرنجية سنة 1978 اثناء الحرب الاهلية وهو الوزير والنائب السابق كما أن نجله سليمان فرنجية الوزير والنائب السابق مرشح لهذه الانتخابات وهو حفيد سليمان فرنجية عائلة تويني : غسان طويني مؤسس جريدة النهار والسفير والوزير والنائب السابق الذي اغتيل ابنه النائب السابق ومدير عام جريدة النهار 2005 جبران تويني حيث دخلت ابنته نايلة تويني معركة الانتخابات البرلمانية. عائلة جنبلاط: كمال جنبلاط الفيلسوف والمفكر والوزير والنائب ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اغتيل سنة 1977وورثه ابنه وليد جنبلاط قيادة الحزب وزعامة الطائفة الدرزية. عائلة الحريري: رفيق الحريري النائب ورئيس وزراء لبنان الذي اغتيل في سنة 2005 والذي استلم قيادة تيار المستقبل نجله سعد الحريري زعيم الاكثرية النيابية الحالية وقائد فريق 14اذار.