رمضان بلعمري من الصحافيين الذين اقتحموا الصحافة مبكرا وهم لازالوا في مقاعد الجامعة عبر جريدة منبر الجامعة، برز نجمه بشكل ملفت بعدما صار مراسلا لموقع العربية نت، ورغم مروره السريع على جريدة الشروق اليومي في بدايات تأسيسها إلا أنه ثبت أقدامه بشكل جيد في جريدة الأحداث وارتقى فيها إلى منصب رئيس القسم الوطني، كما كانت له تجربته في جريدة الخبر العريقة، جريدة المستقبل أجرت معه حوارا عبر الأنترنيت لكنها استكملته في لقاء شيق وأكثر تفاعلية وحميمية بمقر الجريدة. حدثنا سيدي المحترم عن بدايات تعلقك بالكتابة ومن بعدها شغفك بمهنة الصحافة؟
أولا أشكر لك عزيزي حميد ولجريدتك المحترمة الاهتمام بفتح نافذة على الزملاء الصحفيين لمحاورتهم ونقل همومهم في المهنة، أما بخصوص بداياتي، فهي تعود إلى سنوات الصغر عندما كنت أحصل على مجلة "الدوحة" من أحد أقاربي كان يعمل في جامعة بوزريعة وأنا كنت في دوار من دواوير سطيف أدرس في المرحلة المتوسطة. وكنت أجد متعة كبيرة في قراءة هذه المجلة ومتابعة أخبارها، وتصور أنني كنت أعرف من يكون عزمي بشارة مثلا وعمري لم يتجاوز 11 سنة. لكن اللحظة التي انتبهت فيها لحقيقة أنني ربما أصلح لأكون صحفيا هي عندما نهرني أستاذ مادة الاجتماعيات- التاريخ والجغرافيا- وكنت حينها أدرس في السنة ثانية ثانوي ببوقاعة، وذلك عندما منحنى نقطة 7 من 20 في امتحان مادة التاريخ، وكان أن ضمنت جوابي عبارة سياسية قلت فيها أن " قول الحق في هذه البلاد لا يلزمك الرحيل من الدوار ولكن الرحيل من الدنيا"، وطبعا اثارت هذه العبارة حفيظة الأستاذ واشتم فيها رائحة السياسة في وقت "سخون" سياسيا عام 1993، وكان منه أن قال لي "هنا في الثانوية أنت تدرس.. وإذا رغبت في كتابة مثل هذا الكلام فما عليك إلى أن تختار الصحافة"..وبدأت الحكاية.
بالطبع، مدرستي الأولى كانت جريدة " منبر الجامعة" التي زاوجت فيها بين الدراسة والمهنة عام 1996، والمثير أنني كنت أتقاضى أجرا محترما رغم أنني طالب في الجامعة، وهذا سر لم أكشفه لزملائي خوفا من " العين"..بخصوص أجواء العمل كانت رائعة في السنوات الأربع الأولى لكنها بدأت تسوء شيئا فشيئا وهذا أمر طبيعي في كل مؤسسة إعلامية حتى ولوكانت منبر الجامعة..تعلمت خلال فترة العمل التأقلم مع الخط التحريري الجامد، بمعنى أن تكتب كلاما غير مقتنع به من قبيل أن "الجامعة بخير والطلبة راهم ملاح"، في حين الواقع كان غير ذلك، وكنت أحس بالغبن ولكن لم تكن هناك حيلة، فأنا صحفي مبتدئ والأستاذ السعيد بومعيزة الذي كان وقتها مديرا، كان أكثر حِلما بي ونصحني كثيرا بأن أكون واقعيا، باتجاه فهم أن الصحيفة ملك للجامعة وليس لمجموعة أشخاص. وكان أن توليت في وقت لاحق رئاسة تحرير منبر الجامعة لمدة 4 أشهر، وخلال هذه الفترة عملت المستحيل لجعلها صحيفة الطالب، من خلال توفيرها بأسعار معقولة للطالب وبيعها داخل الأحياء والمعاهد الجامعية، لكن "الباب العالي" وهو إدارة جامعة الجزائر وقف في وجه المشروع..والنهاية معروفة. كانت لك تجربة قصيرة مع الشروق اليومي عند تأسيسها، ما السر في نظرك لنجاح هذه الجريدة رغم مزاوجتها بين جيلين مختلفين من الصحافيين؟
في خريف 2000 التحقت بالشروق اليومي التي كانت صحيفة المعربين بالنظر إلى مؤسسيها، وكانت تثير في نفوسنا الفرحة لأن القائمين عليها قامات في الصحافة، لكن تجربتي لم تدم أكثر من أشهر قليلة بسبب " مزاجية" الزميل عبد الله قطاف، الذي جاءني في يوم من الأيام وقال لي "انتهى العقد بيننا"، رغم أنه كان فيما سبق بأيام قليلة يكلفني بإنجاز مواضيع كبيرة، وعلى كل حال فهمت لاحقا أنني كتبت موضوعا لم يرق له يخص العلاقة وقتذاك بين علي بن فليس وعبد العزيز بوتفليقة..لكن المصيبة أن قطاف حاسبني على موضوع كتبته في الشروق ولم ينشر؟؟
بالفعل، انطلاقتي الحقيقية كانت في جريدة الأحداث اليومية، وأنا شاكر للزميل هابت حناشي منحي فرصة العمل والظهور الإعلامي، وأجمل ما أحتفظ به من الأحداث هو تلك الحميمية التي ما تزال تجمع أفرادها إلى اليوم رغم ذهاب كل واحد إلى حال سبيله، والأحداث كانت ولا تزال "مصنعا" للكفاءات، لكن للأسف لا يدري أحد لماذا بقيت هناك..بعيدة عن الركب.
جهد شخصي وتوفيق من الله سبحانه وتعالى فقط، ولعلمك فأنا قديم في مغامرات مراسلة الصحف العربية، ومنها صحيفة الحياة اللندنية عام 1997، لكنني لم أنجح وانتظرت حتى عام 2004 لأبدأ في مراسلة موقع العربية نت، بمساعدة الدكتور عمار بكار رئيس التحرير السابق للموقع. طبعا، تقييم ما أكتبه لا يعود لي وإنما للقراء، وسعيي دائما منصب ومحصور في كتابة مواضيع مقروءة ولكنها هادفة، وأكره أن أكتب مقالا فارغا أو من أجل الإثارة فقط..
الجزائر مغيبة نوعا ما في الإعلام العربي لكنك حجزت مكانا لك في أحد أحسن المواقع العربية مقروئية وتفاعلية مع القراء، كيف توازن بين حبك لبلدك المهمش في الإعلام العربي والاحترافية التي تفرضها أخلاقيات المهنة؟
وفق هذا المنطق أنا أشجع كل صحفي جزائري يسعى للعمل في المؤسسات الإعلامية الكبرى ذات الأثر المزلزل، لأن الحرب اليوم تدار إعلاميا، ومن يكسب الإعلام يكسب النفوذ ويصبح كلامه مسموعا. وبالنسبة للجزائر، فهي تمتلك قائمة طويلة من الصحفيين المحترفين، وهم موجودون في مختلف أرجاء المعمورة، ولاؤهم للجزائر غير مشكوك فيه، لكنهم فضلوا الغربة بسبب قساوة العيش في الداخل وضيق هامش التحسين في المهنة والحياة.
- بعض مقالاتك اعتبرت بأنها مسيئة للجزائر، وفيه من دعا إلى مقاطعتك شخصيا، هل الاحترافية تقتضي التركيز على كل ما هو سلبي أم أن التخوف من الوقوع في الدعاية المجانية يدفع بالصحفي إلى شحذ قلمه؟
إذا كنت تتحدث عن مقال "إقبال الجزائريين على مشروب الزنجبيل بحثا عن الفحولة" الذي تعلقت به الزميلة آمال باجي المقيمة حاليا في دبي، وأقامت ضدي حملة مقاطعة في موقع "الفايس بوك"، فأحب أن أقول بأن "الأحكام الجاهزة" جاهزة دائما، وللأسف الزميلة الصحفية كان عتبها على عنوان الموضوع، لكنها لا تعرف بأن الهدف من التقرير هو إثارة انتباه الناس لخطر هذا المشروب الذي يباع في المقاهي دون التحقيق في مكوناته، وقد تناولت الشروق اليومي لاحقا الموضوع وأظهرت على لسان الأطباء خطورة هذا المشروب على المستهلكين.. هل أصبحت الصحافة الالكترونية منافسا للصحافة الورقية أم أنها مكملة لها؟
الصحافة الإلكترونية هي المستقبل دون شك، وأنا أرفض القول بأنها ستقضي على الصحافة الورقية، لأن الجريدة الورقية لها نكهتها وجمهورها، كما للتلفزيون والإذاعة جمهورهما..القضية تتعلق بمصداقية الأخبار والموضوعات التي تنشرها المواقع الإلكترونية، وكذلك بهوية الجهات التي تقف وراء المواقع الإلكترونية، وهي عموما أمور غير ظاهرة، بدليل أن الجماعات الإرهابية تمتلك مواقع يقصدها الآلاف من الزوار.
في رأيي المتواضع، ما يزال هناك عدم تقدير لأهمية الإعلام الإلكتروني، أو الإعلام البديل، أو ما يعرف عالميا بالنيو ميديا، وبرأيي فإن المهم بالنسبة لرجال الإعلام عندنا هو تحضير أنفسهم لهذه المرحلة التي يصبح فيها " الصحفي الإلكتروني" حقيقة واقعة..وعندنا سترى الشركات التجارية تتسابق لتمويل المواقع الإلكترونية ذات المقروئية والمصداقية..وهو ما سينعكس على قوة وصلابة الهيكل التنظيمي والتحريري لهذه المواقع بالضرورة. هل هناك تنسيق بين المراسلين الجزائريين في الصحف الأجنبية، ولماذا لا تنظمون أنفسكم في نواد أو جمعيات مهنية؟
نحن نحمل صفة صحفيين جزائريين ونقيم بالجزائر أولا، ونعمل في مؤسسات إعلامية محلية ثم تأتي صفة مراسل صحفي، ولهذا فالإطار موجود منذ البداية، لكن إذا كنت تقصد فضاء مبنيا بالإسمنت وفيه نوافذ وأبواب، فهذه فكرة جديدة ربما تكون صالحة للتجسيد.. أعلن مؤخرا عن تأسيس الفدرالية الوطنية للصحافيين الجزائريين. ما الأهمية التي يمثلها هذا التنظيم النقابي في الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية؟ أولا أحيي الصحافيين الذين نجحوا في تأسيس نقابة تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين بهوية نقابية واضحة، وسر نجاح هؤلاء الصحافيين أنهم تخلوا عن الإيديولوجيا لأن هذه الأخيرة هي التي عرقلت العمل النقابي للصحافيين في السنوات السابقة، وقد كنت من المؤسسين أي ضمن المندوبين في مؤتمر النقابة الوطنية للصحافيين "آس آن جي" الذي عقد في 1998 وكان يحدونا الأمل لتأسيس نقابة حرة للدفاع عن حقوق الصحافيين ولكن للأسف في تلك الفترة كانت الظروف السياسية مغلقة، وهذه النقابة حادت عن الهدف المنشود منها وبدل أن تدافع عن الصحافيين أصبحت تدافع عن أفكار معينة، حيث تم تهميش الصحافيين المعربين. بأي حق تم تهميشكم؟ كما قلت على أساس إيديولوجي، فنحن معربون وهم فرنكفونيون. وللأسف لم تتمكن هذه النقابة من أداء الأدوار المنوطة بها، رغم أنها نشطت في البداية قليلا وحققت حضورها الإعلامي لكنها لم تتمكن من الاستمرارية بسبب التخندق وراء الإيديولوجيا، وهذه هي المأساة؛ فمن المفروض أن يتعامل الصحفي مع الصحفي كصحفي لا يفرق بينه على أساس اللغة التي يكتب بها أو الإيديولوجيا التي يؤمن بها. فالصحفي إذا أدين بالسجن يبقى صحفيا سواء كان يعمل في جريدة الشروق أو جريدة لوسوار، أما أن تدافع عن صحفي لأنه فرنكوفوني وتهمل مراسل في تلمسان لأنه معرب فهذه مأساة. وهل برأيكم تجاوزت الفدرالية الجديدة للصحافيين إشكالية المعرب والفرنكوفوني؟ أتمنى أن يتجاوزوا هذا الإشكال، والأكيد أن فدرالية الصحافيين ستكون شريكا للسلطات المسؤولة عن قطاع الإعلام نحو تعديل قانون الإعلام، لأنه يبدو أن هناك مؤشرات لدى السلطة لتنظيم هذا القطاع، لأننا مازلنا إلى اليوم نخضع لقانون الطوارئ لسنة 1992. فقانون الإعلام للعام 1990 ليس مطبقا لأنه جاء من بعده قانون الطوارئ الذي يحكم كل شيء، الآن حان الوقت لبعث الروح في قانون الإعلام وتعديله بالشكل الذي تراعى فيه الظروف المهنية والاجتماعية للصحافيين، لأن هناك وضعا جديدا في القطاع لا بد من الانتباه له. ما هي النقاط برأيك التي يجب أن تعدل في قانون الإعلام؟ هذا سؤال كبير ويحتاج إلى فتح نقاش واسع بين الصحافيين حياله لاختلاف الرؤى بشأنه، ولكني من أنصار الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والمهنية للصحافيين؛ فمن غير المعقول أن يحرج الصحفي كبار المسؤولين بأسئلته الجريئة وفي المساء لا يستطيع أن يدخل حيا جامعيا لأن البواب يمنعه من ذلك. فمن غير المعقول إطلاقا أن لا يملك الصحفي بيتا ولا سيارة، وليس مقبولا أن الصحفي الذي يصنع الرأي العام يأتي في المساء سائق حافلة ليهينه هذا مرفوض تماما، وفي الجانب المهني تجد أن رئيس تحرير لديه مشكلة مع شخص ما، يأتي في الغد ليعاقبك. من المفروض أن تكون هناك أطر قانونية للتعامل، حتى لا يبقى الصحفي المحترف ضحية أهواء الناشر أو رئيس التحرير أو أي جهة أخرى. فلا بد من حماية الصحفي. الوزير المنتدب للاتصال تحدث عن الصحافيين الطفيليين الذين أساءوا لشرف المهنة، كيف يمكن حماية الصحافة والصحافيين المحترفين من هؤلاء الطفيليين؟ الحد من ظاهرة الصحافيين الطفيليين لديها علاقة بمسؤولي الصحف، لأن هناك ناشرين طفيليين بعيدين عن المهنة، لذلك لا أقول فقط الصحافيين الطفيليين ولكن أقول الدخلاء على المهنة بشكل عام، والذين يجب تطهير القطاع منهم من خلال تقنين المهنة وتحديد من هو الصحفي المحترف وكيف يكون؟ ومن هو الصحفي المتربص وما هي مدة التربص، وهل الصحفي المتربص هوالمتخرج في معهد الإعلام؟ هل الصحفي المتربص هو الذي يثبت كفاءته في الميدان؟ فليس معنى أن الصحفي الذي لم يدرس الصحافة لا يعتبر صحفيا محترفا ولكن لا بد من وضع مقاييس تحدد من هو الصحفي المحترف ومن هو الصحفي المتربص. ألا تعتقد بأن الصحافيين أصبحوا أكثر حاجة من أي وقت مضى لنفخ الروح في مجلس أخلاقيات المهنة؟ الوضع الذي يوجد فيه مجلس أخلاقيات المهنة هو تحصيل حاصل للوضع الذي توجد فيه المهنة. فما دام قانون الإعلام مجمدا فكل شيء مجمد. فمجلس أخلاقيات المهنة الذي يفترض أن يكون سلطة ضابطة يعاني فعلا من جمود بعدما لم يجدد فيه الثقة حسب معلوماتي، وهذا الأمر يزيد الوضع تأزيما. انظر الانحرافات التي تحصل في المهنة. لقد رأينا تجاوزات عديدة في حق الصحافيين وفي حق أشخاص خارج القطاع، وهذا هو دور مجلس أخلاقيات المهنة حيث إنه يحدد حقوق وواجبات الصحفي في الميدان ويحدّ من التجاوزات، وأتصور أنه بعد وضع قانون الإعلام الجديد سيعاد النظر في هذه الفضاءات. ما هي أهم التحقيقات الصحفية التي تعتز وتفتخر بها في ميدانك الصحفي؟ الموضوع الذي جعلني أشعر بالفخر هو قضية الأطفال العراقيين، الذين حاولت جمعية إسرائيلية ترحيلهم من بغداد إلى إسرائيل للعلاج، وكنت حينها صحفيا متعاونا مع صحيفة "الخبر" وقد أرسل لي صديق عراقي بريدا إلكترونيا يتضمن صرخة الدكتور العراقي عمر الكبيسي المختص في أمراض القلب والمقيم في الأردن مستنجدا العرب لإنقاذ أطفال العراق من أخذهم إلى إسرائيل، فلما رأيت الخبر أثار اهتمامي واتصلت بصديقي الذي كان صحفيا حيث ربط لي اتصالا مع الدكتور الكبيسي الذي أعطاني تفاصيل عن القضية، وكتبت مقالا نشر في جريدة الخبر بعنوان "طبيب عراقي يستنجد بالجزائر لمنع أطفال العراق من التداوي في إسرائيل"، ولما نشر الخبر أقام الدنيا ولم يقعدها في الجزائر وفي الخارج وتداولته عدة مواقع إلكترونية، وتدخل مسؤولون جزائريون وعمادة الأطباء الجزائريين الذين تحركوا مع وزارة الصحة لمنع ترحيل أطفال العراق إلى إسرائيل. وتلقى الدكتور الكبيسي موافقة من الجزائر للتكفل بالأطفال العراقيين، لكن الجمعية الإسرائيلية "شفيت آخيم" (الأخوة معا) تحركت بسرعة بعد أن وصل الأمر للسلطات الجزائرية وقامت بترحيل الأطفال إلى الأردن في انتظار نقلهم إلى إسرائيل، وتناولت وسائل الإعلام العراقية الموضوع باهتمام كما اتصلت بي قناة الرافدين العراقية، وأصبحت هناك حرب إعلامية حقيقية مع الإسرائيليين امتدت لتشمل جوانب إنسانية واستخباراتية، حيث ضربت الجمعية الإسرائيلية حصارا على الأطفال وأخفتهم في إحدى الكنائس بعمان، وأرسلت عمادة الأطباء الجزائريين بالتنسيق مع السفارة الجزائرية في الأردن وفدا إلى عمان لاسترجاع الأطفال ونجحت في إنقاذ ثلاثة أطفال من بينهم واحد أو اثنان كرديان من أصل 16 طفلا، وكنت في استقبالهم في مطار الجزائر ورافقتهم إلى المستشفى. .. وماذا عن بقية الأطفال الثلاثة عشر؟ تم ترحيلهم إلى إسرائيل قبل أن يصل إليهم الوفد الجزائري ولكننا على الأقل أنقذنا ثلاثة منهم وأوقفنا مسلسل إهانة الإسرائيليين للعراقيين بلد العلم والعلماء، والموقف الذي وقفته السلطات الجزائرية وعمادة الأطباء يؤكد على أن الجزائريين مازال عندهم أنفة ومواقف رجولية وهم لا ينكرون الجميل خاصة وأن العراق كان أول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1958. سبق لك وزرت العراق وهو تحت الحصار كيف وجدت الشعب العراقي وهو في تلك المحنة؟ زرت العراق مرتين في 1998 كطالب وفي عام 2000 كصحفي في إطار المهرجان الفوتوغرافي، ورغم أن العراقيين كانوا تحت الحصار لمدة عشر سنوات إلا أنهم نجحوا في الصمود أمامه بل وتمكنوا من استخراج 70 دواء من العسل. وحدثت لي حادثة طريفة هناك؛ فرغم الحصار إلا أن أسعار مختلف الوجبات الغذائية ليست غالية وقد سألني صاحب أحد المطاعم العراقية عن الأكلات الشعبية في الجزائر فقلت البطاطا المقلية بالبيض والعدس ... فرد علي مستغربا "يبدو أنكم أنتم الذين تحت الحصار وليس نحن"، إذ أن العراقيين يشتهرون بالأكلات الدسمة مثل المزقوف وهو سمك يطهى على الجمر، لكنهم تأثروا كثيرا من الناحية الصحية خاصة الأطفال الذين توفي عدد كبير منهم بسبب الحصار ونقص الأدوية، كما أن الوضع الاجتماعي بصفة عامة كان صعبا إلى درجة أنني ركبت مع سائق سيارة واكتشفت أنه جنرال في الجيش العراقي وأخبرني أن الحصار اضطرهم للعمل بعد الدوام للحصول على لقمة عيشهم. ما هي أهم الذكريات التي تحتفظ بها عن مختلف البلدان والمدن التي زرتها؟ زرت الإمارات العربية المتحدة ولاحظت أن أبوظبي مدينة سياسية هادئة، أما دبي فهي على العكس من ذلك مدينة عالمية بكل المقاييس مثلها مثل بانكوك ونيويورك. فهي مدينة الأعمال والملاهي، في حين تعتبر مدينة الشارقة مدينة دينية محترمة، كما زرت إسبانيا التي تعتبر بلدا سياحيا راقيا، وكانت لي فرصة لزيارة الأردن التي تتميز بموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط مما جعلها صمام أمان في المنطقة بالإضافة إلى سوريا والعراق. معروف عن الصحافيين تأخرهم في الزواج ولكنك كنت من المتمردين على هذا المنطق وعجلت بإكمال نصف دينك، كيف بدأت رحلة الألف ميل؟ عندما تصل إلى مرحلة معينة يصبح الزواج ضرورة اجتماعية، ولم أتخذ هذا القرار في بداية مشواري الصحفي ولكن بعد أن قضيت عشر سنوات في المهنة، التقيت بفتاة "بنت عائلة" وهي أستاذة ثانوية وليست من المهنة واتفقنا على الزواج، وبعد أن أنجبنا أطفالا مكثت زوجتي في البيت. الزميلة نائلة برحال طرحت في إحدى مقالاتها عندما كانت في جريدة اليوم إشكالية عدم زواج الصحافيين بالصحافيات، فكيف تجيب بصراحة عن هذا التساؤل رغم وجود عدة حالات زواج ناجحة من هذا القبيل؟ سأجيبك بصراحة.. حقيقة هذا ملف مهم، فالزواج من الوسط المهني فيه ما يقال، وهذا لاحظته في نفسي، فمن الثامنة صباحا إلى الحادية عشر ليلا وأنت تعمل وتكد وتتعب تحت ضغط مهني كبير ما بالك لو تزوجت بصحافية، فأنا أعرف جيدا تحديات المهنة ولكن ضرورات الحياة الزوجية لها أصولها هي الأخرى، فالرجل عندما يأتي إلى بيته مرهقا ومتعبا على الأقل يجد زوجته في البيت وهذه أمور اجتماعية متعارف عليها، ولو تزوجت بصحافية فعادة تكون لها تغطية أو ندوة صحفية أو مؤتمر على السادسة أو السابعة مساء خاصة إذا كانت تعمل في القسم السياسي، وهناك تأخير وازدحام المرور والكثير من المشاكل الأخرى والصحافية تعاني هي الأخرى من ضغوط عمل، ولكن في نهاية المطاف تجد نفسك تعيش وضعا اجتماعيا صعبا من نوع آخر، أنت متزوج مع صحافية ولكن من يربي الأطفال من يطبخ للآخر؟ وسواء كنا صحافيين أو أساتذة أو عسكريين أو إطارات في الدولة فالرجل هو المسؤول عن العمل والمرأة هي التي يجب أن تتنازل.. وهل تنازلت زوجتك بسهولة عن وظيفتها في الثانوية؟ والله تنازلت بكل سهولة، ولا أقول هذا في غيابها لأنني أعلم بأنها ستقرأ هذا الحوار، وقد اشترطت علي في البداية أن تعمل خاصة وأنها تحمل ليسانس في الأدب العربي فوافقت بدون تحفظ مع التأكيد على مبدأ أن قرار استمرارها أو توقفها عن العمل يكون بيدي. لكني أوضحت لها أن عملها من حيث المبدأ. ولماذا طلبت منها أن تتوقف عن العمل؟ بسبب الحمل، درّست في البداية بشكل عادي خاصة وأن الثانوية قريبة من البيت لكن لما أتعبها الحمل الأول، طلبت منها أن ترتاح وتمكث بالبيت وتقبلت الأمر بصدر رحب، فالقضية في الأساس هي قضية تفاهم بين الزوجين أولا وقبل كل شيء، فالعمل يكون ضرورة بالنسبة للمرأة عندما ترى بأنه لابد لها من مساعدة زوجها على مصاريف الحياة. وهل وضعك المادي مريح بحيث يجعلك في غنى عن مرتب زوجتك؟ الحمد لله، ولولا ذلك لما طلبت منها أن تتوقف عن العمل، فهنا السؤال: عمل المرأة لماذا؟ هل لإعانة زوجها؟ إذا كان الزوج مستكفيا ماديا فما الحاجة إلى عمل المرأة؟ مشكل السكن الذي يعاني منه الكثير من الصحافيين، كيف تعاملت معه خاصة وأنك من خارج العاصمة؟ في البداية عشت في الحي الجامعي كغيري من الطلبة وأقمت في الإقامة الجامعية لبن عكنون، المكان الذي تعلمنا فيها كيف نتعايش مع الناس ومع الأفكار ومع المستويات الثقافية والاجتماعية المختلفة سواء مع جزائريين أو أجانب، والآن أقيم مع العائلة الكبيرة في بيت بالدويرة، حيث رحلت العائلة من سطيف إلى العاصمة، والحمد لله نحن نملك منزلين واحد في سطيف والثاني في الدويرة. كم لديك من الأطفال؟ لدي ولدان، محمد أمجد (ثلاث سنوات) ووائل لديه 20 يوما فقط منذ ولادته، وقد أعلن محمد أمجد "حرب شوارع" على أخيه الذي يهدده على العرش، فعندما يكون أمامي يقول لي إنه يحب "وائل"، وعندما أغيب يختبئ هنا وهناك متربصا بولي العرش الجديد للإطاحة به.