رشيدة عجال الفنانة التشكيلية التي تخط بأناملها لوحات تسحر الناظر بعمق أفكارها وجرأة تفاصيلها، صاحبة الابتسامة الملائكية الهادئة الثائرة، الجميلة من الداخل والخارج، التي تخفي ريشتها القادرة على التعبير وبكل قوة عن فن المواجهة، رغم سماحة وجهها وبراءة ملامحها، حيث تستمد الكثير من الطاقة الابداعية . رشيدة عجال هذه الجزائرية التي لا تجد نصب عينيها سوى ثقتها في مستقبل أفضل، ول '' المستقبل '' كان هذا الحوار المليء بالتفاؤل، في انتظار غد أفضل برفقة ريشتها الذهبية التي لا تقبل المساومة مهما يكن الثمن .. ؟ تبدين من أول وهلة من العاشقات للفنان '' أوجين دو لاكروا '' ، فما سر هذا التعلق؟ ❊❊ فعلا، لابد أن نكون عشاقا لفنان ما أو لمجموعة من الفنانين حتى نخلق مكانا لنا بينهم، حتى نختلف عنهم في أشياء ونشبههم في أشياء أخرى، حتى يكونوا مرجعا أوليا لنا في البداية، حتى يكونوا لنا بمثابة المعيار الذي نقيس به مدى تغلغلنا في فضاء الفن التشكيلي، هذا العالم الفسيح الذي يتطلب منا المثابرة والاجتهاد المتواصل، من أجل إيجاد بصمة خاصة بنا نتميز بها عن غيرنا، ولا ننس أن '' دولاكروا '' من الفنانين العالميين الأكثر إعجابا بسحر الجزائر الذي يملأ لوحاته . العصرنة والتفتح .. وجهان لعملة واحدة ؟ تبدين انطباعية أيضا من خلال لوحاتك، أفلا يغيبك هذا عن بقية المدارس التي يمكن أن تخدمك كفنانة متكاملة، لو لم تحضر أعمالك في إطار فني معين؟ ❊❊ أبدا، أؤكد أنني إنطباعية لكن دون أن أجعل من ذلك مقبرة لأحاسيسي كفنانة، وأنا قادرة على الخروج من الانطباعية إلى أي تيار آخر متى استدعت الضرورة ذلك، أي متى تطلب الموضوع، وأؤكد أن هناك مضامين ومحتويات وأفكارا، لا يمكن التعبير عنها إلا بطريقة معينة، وأنا ضد من يعمل وفق اتجاه أحادي، لأن العصرنة تتطلب التفتح، وهو سر الصلابة عامة . ؟ هل ينبغي أن يكون الفنان مهووسا تشكيليا حتى يبدع؟ ❊❊ دون أدنى شك . بل لابد من أن يكون مجنونا وعنيدا أيضا، لأن العناد الفني يساعد على إخراج الطاقات الإبداعية لدى الفنان . ؟ وهل أنت أكثر حرصا على عامل الإتقان أم عامل النعومة في رسوماتك التشكيلية؟ ❊❊ لا يعقل أن نفصل بين هذا وذاك، فهما عاملان متلازمان، بل هو سر نجاح أية لوحة، فعامل الإتقان هو الأساس أو ما نسميه بالمبدأ، أما النعومة، فأعتقد أن ريشة الأنثى ينبغي أن تكون ناعمة، دون إهمال عمق الموضوع . عمق لوحاتي من أفكاري وأحلامي ؟ ومالذي يعبر عن عمق اللوحة؟ ❊❊ كل شيء في اللوحة لابد أن يعبر عن عمقها، انطلاقا من الفكرة الأولية، وقد يكون التعبير عن هذا العمق، هو التفسير الوحيد لاختلاف مسألة اختيار الألوان، من فنان لآخر ومن لوحة لأخرى، حتى عند نفس الفنان، أما سر العمق الذي نجده في لوحاتي، فمنطلقها أحلامي ومنتهاها أحلامي أيضا، إذ أجدني استعير الأفكار مما أود بلوغه، وهو دليلي على أني لست ناقلة لأفكار أحد، بل ناقلة لأفكاري فقط، فمنها أتغذى وأنمو وأكبر، وهي طريقتي في الإبداع، وبانفراد تبينه الرموز التي تتشبع بها لوحاتي، وبرؤية خاصة بي دون غيري . أعمالي ولوحاتي لا تقبل المساومة ؟ وما الذي لا تقبله رشيدة ؟ ❊❊ أشد ما أرفضه هو مساومة لوحاتي، وإن كانت إحدى لوحاتي تخيف الجهة المنظمة لأي معرض أشارك فيه، فإنني أفضل عدم المشاركة، فرشيدة لا ترضى أن تكون نصف فنان أو نصف إنسان، وهذه قناعتي حتى في حياتي اليومية . ؟نجدك تتحدثين عن الخوف من لوحاتك، هل من توضيح؟ ❊❊ لأني أعتمد في كل لوحاتي على ما نسميه الجسد، خاصة جسد المرأة، هذا الجسد الذي يخنقون أنفاسه تحت وطأة النظرة الدونية والسلبية، وهو ما أحاول تحرير عنقه وافتكاك حريته قدر المستطاع، من بين مخالب الاعتقادات السطحية، بسبب الذهنيات المتوارثة، في مجتمع كله عقد من الأنثى جملة وتفصيلا، فما بالكم بجسدها الذي يربطونه بالخطيئة، وهي اللحظة التي اختارها كعلاج، لأصدم بها كل من هو معقد، وهي أيضا دعوة صريحة مني، لاعتماد جسد المرأة كأي شيء طبيعي في هذا العالم، بتقبله دون الوقوع في السلبية . الأنوثة .. خصوبة وتواصل ؟ وإلامَ ترمزين بهذا الجسد الأنثوي في لوحاتك؟ ❊❊ أرمز إلى الطبيعة التي منها الخصوبة، وكذا التواصل الذي لابد من اعتماده، كوسيلة لمواكبة العصر والحياة في ظروف أحسن . المرأة .. قوة وجرأة ؟ ما الذي يميز الفنانة التشكيلية رشيدة عجال؟ ❊❊ لوحاتي مميزة بهدوئها، وإن كان أغلبها صورا لنساء تعلو ملامحهن القوة والجرأة معا، إلى جانب حضور النفس التقليدي في مضمون اللوحات، دون الابتعاد عن الخطوط، التي لا تنم سوى عن العصرنة، بكل التفاصيل التي تشكل الموضوع ذاته . ؟ وإلى أي مدى يمكن للفنان أن يساهم في حفظ ما يسمى بالذاكرة الوطنية؟ ❊❊ إلى حد كبير، وبشكل عميق وجميل؛ فالفنان باستطاعته أن يسهم بقسط وافر في عملية تسجيل الوقائع المهمة والأحداث التاريخية، وبالألوان أيضا، هذا العنصر الذي نجده غائبا في عمليات التسجيل الأخرى للذاكرة الوطنية، هذه الأخيرة التي جعلتُها هدفي السامي ومشروعي الضخم الذي لم يكتمل بعد . الإتقان والنعومة .. سر نجاحي ؟ وما الذي تعتمد عليه رشيدة في عملية التسجيل هذه؟ ❊❊ أعتمد كالمؤرخ على الوقائع مباشرة، وعلى كل ما يقع في حيز مشاهدتي، بما فيها القراءة، وكذا ما تستمع إليه أذناي، وإني لا أمّل ولا أتعب ولا أسأم، من رسم كل ما يخلّد التاريخ، خاصة إذا تعلق الأمر بحدود وطني الجزائر، هذا الوطن الذي لا يمكن أن نخلده إلا بألوان لا تخدش رقته، والذي لابد أن نخط وقائعه بثقة، وآمل في غد أفضل، لجزائر أقوى وأأمن . ؟ ما شعارك في الحياة والفن؟ ❊❊ لابد من التفاني في العمل، ولابد من الاتقان في كل شيء نقوم به، فهذا شعاري في الحياة كفنانة صادقة، توقع أعمالها بكثير من الحب والاحترام لكل التفاصيل . وإني أسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تخليد تاريخ وطني .. وشكرا ليومية '' المستقبل '' على هذه الاستضافة . فالإعلام رئة أخرى لتدوين التاريخ .