لم يترك الفيلسوف ميشال أونفري شيئا يذكر في سيغموند فرويد، ألقى به أرضا، واتهمه بالدجل والهرطقة والاحتيال والنصب وتمجيد الفاشية وشخص موسوليني بالخصوص، واستغلال مرضاه من أجل تحقيق الكسب المادي... وقدمه في صورة دجال، كاذب ومنحط. أكثر من هذا، يبدو فرويد في كتاب ميشال أونفري الصادر بعنوان ''أفول معبود''، كرجل مدمن على الكوكايين يسيطر عليه الجشع، ويصفه بأنه ''طائفي'' ذو ميول ''معادية للسامية'' و''ملفق أساطير كاذبة'' يعمم ''مرضه الأوديبي على الإنسانية بأسرها''، ناعتا التحليل النفسي ب ''العلاج الوهمي''. وكتب عنه: ''ثمة شخص انجذب الى أمه، ورغب في أن يمارس الجنس معها حمل اسم سيغموند فرويد، وطوّر نظرية عقدة أوديب وسوّق لهذه المسألة في العالم برمته''. واعتبر أونفري المحللين النفسانيين بمثابة ''طائفة'' دينية جديدة تستغلّ سلطتها الرمزية لابتزاز المرضى. وقدم أونفري تاريخا نيتشويا لفرويد، والفرويدية، والتحليل النفسي. وكشف أن فرويد كان منبهرا بنيتشه لكنه طمس ذكره عمدا، فقد كان على يقين أنه لن يكون في مستواه. وبحسب أونفري، فإن نيتشه كان أول من اكتشف مسألة اللا وعي، لكن احتيال فرويد حال دون إبرازه لهذه الحقيقة العلمية. وكتب أونفري: ''أرى كما يرى نيتشه. إذ لا يمكن إدراك عمل الفكر بمعزل عن الجسد الذي أنتجه. لذلك ينبغي الاطلاع على سيرة أحدهما للوصول إلى فهم وإدراك الآخر. فما هو ممتع عند فرويد في قصته غروب الآلهة وما وراء الخير والشر عند تطبيقه، كما يقال، لدى ممارسي الفلسفة المؤيدين للفكر الصافي الكانتي نسبة إلى كانت يأخذ، هنا، منحى آخر مختلفاً كل الاختلاف''. والحقيقة ان اونفري أعاد أطروحات البروفيسور الفرنسي ايف دولاج الذي سبق له ان صوّر فرويد ''كقاضي تحقيق ومستنطق مُضعّف بمهووس جنسي يهوى شرّه لأنه وجد في تمرين التحليل النفساني رضا لهوسه الايروسي، تماما كحب مدمن الكوكايين أو المورفين للسمّ الذي يتجرعه''. ويبدو فرويد حسب دولاج ''كصاحب ذهن منحرف خاضع لمفاهيم منهجية انجرّ الى نسب طابع عالمي لعنصر على حدة، لا يطبّق سوى في حالات خاصة. جعله ذلك يلجأ الى تبديل مسار الحقائق والتفسيرات ليؤطرها ضمن تصوّره المسبق. حمّل العقل البشري تشوّها كان ضحيته الأولى''. كتاب أونفري أوجد جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية الفرنسية... ومن كثرة الإقبال على الكتاب، وصف الفيلسوف برنار هنري-ليفي، ميشال أونفري، بأنه ''تبسيطي'' و''سخيف''. وأمطره بوابل من النعوت مثل ''سخيف ومن دون فائدة وعلى شفا التفاهة''، وأنه قدم ''نسجا من أفكار سطحية اكثر منها شريرة''. غير أن أونفري رد ''ما تعنيني صيحات الغضب والاستنكار'' من ''أولياء فرنسا من ذوي المتعفن''. وتدخل باسكال بروكنير لمساندة برنار هنري ليفي (وقبله آلان فينكينرولت) واعتبر أن إسقاط الأحكام المبرمة بكتّاب الماضي، يشبه محاكم التفتيش. واعتبر أن من شأن المقاربة المفرطة في التعالي أن تجنح صوب ما يشبه الماكارثيّة الفلسفية. لكن العارف لخبايا المشهد الفكري والفلسفي في فرنسا، يدرك جيدا أن ''بي آش آل''، مصاب بجنون العظمة وهوس الغيرة، فهو يدرك أنه أصبح أقل أهمية بكثير من ميشال أونفري، الذي يعد أكثر الفلاسفة شعبية في فرنسا في السنوات الأخيرة. وفي ظل اختفاء الأسماء الفلسفية الكبيرة والمؤثرة فكريا وليس إعلاميا، يبرز اسم ميشال أنوفري كفيلسوف لم يستسلم لإغراء الثرثرة الإعلامية وبريق الكاميرات التلفزيونية، مثلما فعل ''بي آش آل''، ومن سار على خطاه من الفلاسفة، فبرهن أنه حقيقي لكبار الفلاسفة الذين صنعوا مجد فرنسا وألقها الفكري، فأصبح يمثل في فرنسا تيارا برمته يسمى ب ''يسار اليسار'' المناهض. وقد استقال اونفري منذ سنوات من المؤسسة الجامعية الرسمية الفرنسية، وأسس لجامعة الشعبية بمدينة كون (شمال فرنسا). لقد بنا أونفري خطابه الفكري على فلسفة المتعة، وأعاد قراءة المعلّمين الكبار (سبينوزا ونيشته بالخص) فأسس لليسار المعادي لليبراليّة.