وجدت في حياة الشعوب أحداث كيانية ذات قيمة رمزية ومادية في وقت واحد. فهي ضاربة في التاريخ والمستقبل بجذورها العميقة. وهي ذات أثر واضح في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، أي في ذلك المجال الواسع، الذي نسميه '' حراك الشعوب ''. هذا كله يمكن أن نستقيه من ذكرى عيد الاستقلال على اعتباره الحديث الأكثر أهمية، بل يعتبره الملاحظون تتويجا فعليا لإنجازات شعب، وتضحياته. وليست الأحداث الكيانية الفاعلة في تاريخ الشعوب بالكثيرة، فهي تبرز بين الحين والآخر هنا وهناك على غرار الشهب المضيئة، فتستخلص منها الدروس، ويتأملها الوطنيون الصادقون، ويلتف حولها غالب أفراد الشعب. لهذا فإننا نرفع هذا الحدث المتمثل في ذكرى الاستقلال، إلى منزلة الأطوار الكبرى في تاريخنا القديم والحديث، وندرك جيدا أن حدث الاستقلال يتجاوزها جميعا، بدلالاته التي تتخطى المادي المحسوس إلى مجال الرمز والإيحاء البعيدين. لهذا فإن الشباب والأطفال والرجال و النساء وأبناء جاليتنا في الخارج... كل الجزائريين بلا استثناء يقفون اليوم رجلا واحدا للتشبث بالأبعاد الفعلية، والأبعاد الرمزية لعيد الاستقلال، الذي أسهم في دفعهم من جديد نحو واجهة الأحداث، وسهل عليهم الإسهام الإيجابي فيها، ومكنهم من الاضطلاع بمسؤوليتهم الوطنية في هذا النطاق، لذلك فهو يثير لدينا مشاعر عديدة، ويحفزنا على استخلاص العبر، ويجعلنا مؤهلين لدخول التحديات المقبلة. انطلاقا من هذا الفهم يكتسب حدث الاستقلال معنى التجدد والدوام، فهو حدث دائم الحضور في الذاكرة، ذو أثر في الفكر، وقدرة على تلوين الشخصية الوطنية. على هذا الأساس تواصل أجيالنا الجديدة، في بداية القرن الجديد، التغني بالاستقلال، كأنه قد أنجز منذ سنة أو سنتين، كما يواصل المفكرون والمؤرخون إنجاز البحوث المتنوعة، الهادفة إلى استحضار حدث الاستقلال وأبعاده. هكذا تحتفظ الثقافة ببريقها، وتتشبث الأجيال الجديدة بتلك الأحداث التي لونت الماضي القريب أو البعيد بألوان الفرح الدائم. هنا ندرك أبعاد السياسة الرشيدة، الرامية إلى تشجيعنا على استعادة تلك اللحظات الهاربة من تاريخنا القريب، المحملة رموزا، المثقلة توهجا، القادرة على إذكاء نيران التّوق إلى امتلاك إرادة القوة. فلكم نحن في حاجة اليوم إلى تلك الإرادة التي تدفع الواحد منا نحو استحضار الاستقلال... على اعتباره حدثا من ضمن أحداث '' ذاكرة المستقبل''... أي تلك الذاكرة غير الموجودة فوق خط تتالي الأحداث... بقدر ما هي مستقرة فوق خط الدوام. ونحن ننعم اليوم باستقرار سياسي واقتصادي دعما الاستقرار الاجتماعي، وجب علينا الاستثمار في مبادئ الثورة المجيدة وغرس فسيلة المحبة للوطن الذي يضم كل أبنائه إلى أحضانه بكل توجهاتهم وكل انتماءاتهم وحتى اختلافاتهم ، فقط على الأبناء وضع الوطن في قلوب لا تعرف الأنانية العمياء ،لأن التاريخ لا يكتب أجزاء متفرقة و إنما كتلة متلاحمة .....