تابع الكثيرون من النخب الفكرية والإعلامية في أنحاء العالم بقلق وحيرة، معالم جديدة ومثيرة لكنيسة في ولاية فلوريدا دعت لحرق نسخ من القرآن علنا بمناسبة الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر، جريمة بشعة تتطلب أقوى إدانة ممكنة من جانب كل من يقدر التحضر ويتطلع لتكريم الذكرى المقدسة للذين فقدوا حياتهم في هجمات سبتمبر. وفي نفس الوقت أدان بيان مشترك لزعماء طوائف دينية رئيسية في الولاياتالمتحدة تصاعد موجة مناهضة الإسلام إثر الخلاف الأخير حول مشروع بناء مركز للجالية الإسلامية في مانهاتن بنيويورك، على بعد مبنيين من موقع برجي مركز التجارة العالمي اللذين دمرا في الهجمات الإرهابية. وأكد بيان صادر عن زعماء طوائف مسلمة ويهودية ومن الكاثوليك والكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية ''إننا نقف إلى جانب مبدأ أن الاعتداء على أي دين في الولاياتالمتحدة يعني الاعتداء على الحرية الدينية لجميع الأمريكيين، واتفقنا على إدانة حملة السخرية والتضليل والتعصب الموجهة ضد الجالية الإسلامية في أمريكا، إدانة قاطعة.'' وأضاف ''نحن نشعر بالأسى والحزن العميق إزاء حوادث العنف التي ترتكب ضد المسلمين في مجتمعنا، وانتهاك حرمة أماكن العبادة الإسلامية. وكشفت أحدث الإحصاءات الخاصة بموقف الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام عن حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن موقف الأمريكيين من الإسلام قابل للتحسن إذا ازدادت معرفتهم الصحيحة بالإسلام والمسلمين، وهذا ما أكده آخر إحصاء أمريكي لقياس توجهات الرأي العام الأمريكي حيث تراجعت نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الإسلام يحض على العنف بنسبة 8٪ خلال سبع سنوات. وخلال الفترة نفسها زادت نسبة الأمريكيين الذين ينظرون إلى مسلمي أمريكا نظرة إيجابية، كما زادت نسبة الأمريكيين الذين يشعرون بتقارب الإسلام كديانة من دياناتهم، وما يدعو إلى التفاؤل في هذه الظروف أمران أساسيان، الأمر الأول هو أن وجهة نظر المواطن الأمريكي تجاه الإسلام قابلة للتغيير كما أظهرته الدراسة، أما الأمر الثاني فهو العلاقة الإيجابية بين مستوى معرفة المواطن الأمريكي بالإسلام ونظرته الإيجابية تجاهه. بالإضافة للعدد المتزايد من المسؤولين والمحللين السياسيين والخبراء في شؤون السياسة الخارجية، الذين أشاروا إلى أوجه التشابه بين الهجمات الحالية على الإسلام والهجمات التي وجهت في الولاياتالمتحدة في الماضي ضد الأقليات الدينية مثل اليهود والكاثوليك، خاصة خلال فترات الأزمات الاقتصادية، وحذروا من أن تصعيد أعمال وخطابات مناهضة للمسلمين يأتي ضد مصالح الأمن القومي الأمريكي عبر تأجيج المفاهيم المنتشرة في العالم الإسلامي بأن الولاياتالمتحدة عدوة للإسلام، ثم تحققت المخاوف من خلال موجة جديدة من قمع أي وجود إسلامي في أمريكا، مهما كان مسالما، ومهما كان قانونيا، حتى أن الشغل الشاغل الآن هو البحث عن أي هفوة أو شبهة مخالفة قانونية للتصفية والترويع والتدمير لأي حسابات قديمة مع المسلمين في أمريكا. إن ما نخشاه أن تكون مثل هذه الاندفاعة المهووسة التي يقودها اليمين المسيحي المتطرف في الإدارة الأمريكية لتصفية الحساب مع الوجود الإسلامي في أمريكا أن تقوم بتقديم دعم معنوي هائل لقوى العنف والتطرف الحقيقي، من خلال برهانها العملي الواضح على أن الحملة الأمريكية ليست كما يروجون مجرد حملة على الإرهاب والعنف، وإنما هي حملة على الوجود الإسلامي ذاته، والخوف من أن تتعاظم هذه الروح الصليبية لتشعل حريقا إنسانيا يجتاح العالم كله، وتؤسس لعهد جديد يحيي في الأرض صراعات وأحقادا قديمة، ظن العالم وكنا نظن معه أن مسيرة الرشد في عالم البشر قد تجاوزتها، وطوتها إلى الأبد.