لم تكن مفاجأة أن يتعرض فيلم الخارجون عن القانون لكل المضايقات الإعلامية والتحرشات التي تبّنتها الجمعيات وبعض الشخصيات لحفظ ماء الوجه لفرنسا التي لم تفلح كل المساعي للظفر باعترافها الرسمي في ارتكاب جرائم في حق المدنيين العزل في فترة يفضل الكثيرون أن لا تبقى مثيرة للجدل و لكن التاريخ لا يعترف بالمحسوبية و لا بتغيير الحقائق التي أراد المخرج رشيد بوشا رب تقديمها بالطريقة التي تلفت الانتباه و قد تغيّر الكثير من الذهنيات . وقد حرك الفيلم مظاهرة احتجاج حيث خرج مئات المتظاهرين أمام قصر المهرجان في مدينة كان للتنديد بالفيلم الجزائري والعربي الوحيد في المسابقة الرسمية للمهرجان، ''خارجون عن القانون''، الذي يتناول أحداث سطيف 1945 في الجزائر. واتهمت بعض الأوساط السياسية والجمعوية الفرنسية الفيلم ب''تزوير التاريخ'' و''المساس بذاكرة الضحايا الفرنسيين'' لحرب الجزائر(1954/ 1962). كما اعتقد العديد أن الفيلم مجرد قصة في حين رفع الستار عن حقائق الماضي التي اعتبرت تشويها لتاريخ فرنسا . ويعتبر الفيلم استرجاعا للذاكرة الجماعية بطريقة واعية، إرادية، شعورية، مقصودة حيث يتم استحضار جزء من الذاكرة وإنعاشها، بصورة واعية، وذلك من خلال آليات تضمن انتقال هذه الذاكرة إلى الأجيال المتعاقبة، وذلك من خلال توظيفها لأهداف معينة، استحضار الماضي وإعادة توظيفه في الحاضر عامل مهم وأساسي في تماسك الجماعات والهويات. وهذا ما يتجلى من خلال وسائل الإعلام الجماهيري الموجه، والتوجيه التربوي والتنشئة السياسية. وليس غريبا أن يصطدم المخرج وأكبر الوجوه المعروفة في السينما بين الضفتين إلى انتقادات واتهامات، جعلت منهم خارجون عن القانون خارج الإطار السينمائي . وهنا يمكن القول أن الأرشيف مهم لحفظ ذاكرة الأمة و منبع حضارتها، فهو ماضيها و حاضرها ومستقبلها، لذا وجب الحفاظ عليه و حمايته و صيانته لضمان الرجوع إليه مستقبلا سواء لإثبات حق أو لإجراء البحوث و الدراسات، أو بناء النص الدرامي أو السينمائي . ويمثل الأرشيف بذلك مجموع الوثائق والصور وحتى المعالم التاريخية، كما يمكن أن يكون كذلك في شكل شهادات حية من طرف أشخاص عاشوا أحداث تاريخية معينة كانت لها أثرا واضحا في سير التاريخ . وإذا ما تطرقنا للحديث حول موضوع التاريخ ، فلن يكون ذلك بمعزل عن الثورات والحروب التي عاشتها مختلف دول العالم، وثورة الجزائر من أكثر الثورات التي لفتت انتباه المؤرخين، وأهمية الذاكرة التاريخية و نقلها للأجيال القادمة التي لم تعايش الحدث بالغة الأهمية لدى الشعوب، كونه يضم تاريخها و حاضرها و يمثل أساس مستقبلها ، فالمعلومات التي يحويها تمثل ذاكرة هذه الأمم حول مختلف الأحداث التي مرت بها عبر الأزمنة ، كونه يضمن للشعوب الحق في التعرف على تاريخها، ويضمن حق الدفاع عن هذا التاريخ. و إذا كانت الأحداث هي من تصنع الأرشيف، فالأرشيف بدوره يعيد تشكيلها و يقيم صناعة التاريخ من خلال توثيقها و حفظها و الحفاظ عليها. وإذا ما تحدثنا عن الحروب والثورات التي سجلها التاريخ ، نجد ثورة الجزائر المجيدة في مقدمتها، نظرا لما كان لها الأثر البالغ سواء على المستوى الوطني أو العربي أو حتى الدولي . و انطلاقا من هذا، وجب علينا كدولة ومؤسسات وحتى كأشخاص عاديين الحفاظ على ذاكرتنا من الضياع، خاصة وأنها تضم أحداث كثيرة صنعها الاستعمار الفرنسي، و كان بطلها الشعب الذي قاومها بكل قوة و إرادة . و إذا نجح فيلم الخارجون عن القانون في دخول أفخم مبنى لكبار السينمائيين العالميين فهو بذلك يكون قد حقق نصرا إذا عرفنا كيف نستثمر فيه في الوقت المناسب.