تسارعت الأحداث المتعلقة بالهجوم الهمجي لقوات وحدات الكومندوس الإسرائيلي على أسطول الحرية وتحديدا على السفينة التركية الأسبوع الماضي بشكل مثير للاهتمام، وكانت ذات الهجمات قد أفضت إلى مقتل 6 من أعضائها، وما زاد الطين بلّة هو تمادي الصهاينة في الكذب وتلفيق الأحداث وقلب الموازين رأسا على عقب، بادعاءاتهم المريبة وألاعيبهم الشيطانية. هجمات تركت انطباعا واحدا لدى جميع شعوب المعمورة، التي أبدت استياءها وامتعاضها من العجرفة الإسرائيلية واستهتارها بالجميع، إلا أنّ صور التنديد والشجب والاستنكار لم تحرّك شعرة واحدة من الاسرائليين، بل على عكس ذلك زادتهم تعنتا وتجبّرا وتماديا في همجيتها الشنيعة.. حينها وحينها فقط أدركت الشعوب أنّ من ادّعت بالأمس القريب أنّها كانت ضحية ''الهولوكست'' ها هي تقترف أبشع الجرائم وأمام الملأ دون أن تعير أحدا أدنى احترام. وبما أنّ التاريخ كان وسيظل دوما يعيد نفسه، ها هم العجم يتحركون بدلا من العرب الأقحاح، يتحركون ليغيّروا المنكر ويصححوا مسار التاريخ، وأعتقد جازما بأنّ عهد نظام الأحادية القطبية قد ولى وبدأت ملامح تغييرجديدة في الخارطة الجيو- سياسية العالمية تلوح في الأفق البعيد.. تركيا ممثلة برئيسها رجب أردغان، تبحث وتدرس إمكانية معاودة الكرّة لكسر الحصار على الحبيبة غزّة، وإيران تترقب الأوضاع وتشير إلى أنّ الحرس الثوري مستعد لحماية السفن التركية المتوجهة إلى غزة. إنّ المحلل لهذا الكلام السياسي الرفيع المستوى سيفهم حتما الغرض من كل هذه التصريحات، والتي لا تخرج في مجملها عن نطاق الاستفزاز.. استفزاز الإسرائيليين ودفعهم إلى اقتراف خطأ دبلوماسي جسيم سيكلف حكومة الخنزير المتطرف ناتنياهو الكثير، بما أنّ الأخبار الواردة من أنقرة (إن هي صحّت) كانت قد أشارت إلى أنّ الرئيس التركي أردغان سيكون على إحدى هذه السفن، في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات من داخل الكنيست الإسرائيلي داعية إلى قصف أية سفينة تحاول تجاوز حدودها الإقليمية، وبطبيعة الحال هذا ما تبحث عنه إيران تحديدا، أي محاولة ضرب السفن السلمية، فيتحول الأمر لما تريده طهران وهو الدخول في حرب مع إسرائيل وبحجة دامغة. إذن هو البحث عن تغيير الأوضاع بالمنطقة، فبعد أن تقلّص (حتى لا أقول ضاع) الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط، بإيعاز من إسرائيل ومباركة من أمريكا، ها هي تركيا (العلمانية) تأخذ زمام الأمور وتبحث عن مجدها الغابر بالأرض العربية، لكن عن حق.. تبحث عن موقع جديد لها بالشرق الأوسط، لتعيد الأمور إلى نصابها بعد أن عبثت بها الدبلوماسية المصرية لصالح إسرائيل ومن والاها، دون أن تأبه للقضية الفلسطينية ولا العراقية، بل كان همّها الوحيد خدمة مآرب جدّ خاصة، قبل أن يكشف عنها القناع في قضية التداول على الأمانة العامة للجامعة العربية وبطلب من الجزائر، التي رفضت دوما المتاجرة والمساومة بالقضايا العادلة. إيران تنتظر الإشارة من اسطنبول لتحضير حملتها البحرية، وتركيا تدرس المشروع وإسرائيل تهدد بالقصف والعالم يترقب على أحر من الجمر..لكن ماذا عن العرب؟. طبعا ليس هناك شيء يذكر لسببين اثنين أولاهما ضعف العرب وثانيهما تمسكهم بالمقولة القديمة : إسرائيل دولة لا تقهر، بطبيعة الحال فإنّ هذا الكلام يردّ على أصحابه، لأنّ الحقيقة تثبت ذلك بما أنّ اليهود قد انهزموا في أكثر من موقعة، ولعل آخرها ليس ببعيد عنا حين انهزمت إسرائيل أمام العرب عام .1965 لكن أين نحن من الماضي، فأسياد الأمس هم عبيد اليوم وزعماء الأمس هم مخذولون اليوم وأيّما خذلان..إسرائيل ومن ورائها أمريكا علّمت بعض الحكام العرب تقنيات قهر شعوبهم وإسكات أصوات الحق التي تطلع بين الفينة والأخرى، لكنها لم ولن تستطيع إسكات الصوت العجمي الذي لا زال يحفظ الكثير من كرامته ويعمل جاهدا على الحفاظ عليها..إسرائيل تبحث عن الإنبطاحيين وتركيا وإيران لا تعرفان معنى ذلك، وهو ما يجرنا حتما للحديث عن العلاقات الدبلوماسية التي ستجمع إسرائيل بتركيا مستقبلا، وهل سيتم الإعلان عن الصلح بين الدولتين أم أنّ الأمور ستتميّع أكثر فأكثر وسيجد السلاح لحظتها مكانا له، وهو ما تعلن عنه إيران جهرا، لمعاقبة إسرائيل وما تقترفه من جرائم ضدّ الإنسانية دون أن تحرّك أيّة جهة رسمية قيد أنملة.. ومن هنا يجب الرد بالمثل فلا يطرق الحديد إلا بالحديد، فإسرائيل لا تحفظ العهود ولا المواثيق ولا تجد في قاموسها السياسي لنفسها كلمة ''صديق'' وهو ما يجعلها تواصل حملاتها الصهيونية، حتى وإن كان الفتح سيأتي في الوقت القريب من عند العجم..