في نصوص القرآن الكريم نجد آيات تحدد مدة الدنيا تقديرا، يقول الله تعالى: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عيشة أو ضحاها)، وقال: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار..). وقال: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم). فالأزمنة المذكورة هي: عشية أو ضحاها.. ساعة من نهار.. ساعة من النهار يتعارفون بينهم. والعشي أو الضحى قد يكون ساعة، وقد يكون أكثر من ساعة من نهار، وساعة التعارف أقل من مطلق الساعة.. وهكذا تختلف صيغ التعبير عن المدة، وليس فيها نسخ، بل لأجل التقليل، كأنك تقول: هي ساعة، لا بل دون ذلك، لا بل أقل.. أو تقول: هو يوم.. هو نهار.. هو ضحى.. فأنت في كل ذلك صادق؛ لأنها جميعها تطلق ويراد بها وقتا قصيرا. ومقصوده التأثير في السامع والقارئ: فإذا عرف أن الدنيا بكمالها لا تعدو قدر عشية أو ضحاها، راعه وأيقظ قلبه. وإذا علم أنها دون ذلك، تجدد عنده الرهبة والفكر. وإذا علم أنها دون ذلك، زهد وأناب ووقر في قلبه الإقبال على الآخرة. فكيف بزمن كله من أوله إلى آخره، بكل ما فيه وما يحتويه، إنما يقدر بمدة ما يقابل فيها الإنسان آخر، فيتعرف إليه، ويعرفه بنفسه، ثم يمضي هذا في سبيله، وهذا في سبيله ؟. فلا موعظة أبلغ من هذا، في بيان مدة بقاء الدنيا مقابل الآخرة.فالآيات قدرت عمر الدنيا في الآخرة، بهذه اللحظة اليسيرة من الدنيا.. هذه اللحظة تقدر عندنا بآلاف السنين، على ما روي، فكيف بالآخرة التي لا تقدر بزمن.. هي لا نهاية لها ؟ فالمثال مشابه لا مماثل مطابق؛ إذ الدنيا لها نهاية، كذلك مثالها الماء يعلق بالأصبع ثم يجف، أما الآخرة فلا نهاية لها، ومثالها البحر فله نهاية وحدّ، ولا يلزم في الأمثلة التطابق؛ لأنها تضرب للتقريب.ونخلص إلى أن موضوع المقابلة هنا هو في: المدة، الكمية. وقد ثبت فيها فضل الآخرة، وبذلك يمكن تفسير الأثر به، فيكون المعنى على ما يلي: ما مدة بقاء الدنيا في مقابل مدة بقاء الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم. فلينظر بم يرجع. فما يعلق بالإصبع من ماء لا يبقى زمنا، بل يزول سريعا، وماء البحر يبقى أزمانا فلا يزول.