وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24). حياة القلب ونعيمه وسروره وبهجته بالإيمان بالله ومعرفته ومحبته، وبالإنابة إليه والتوكل عليه، وعبادته وطاعته وطاعة رسوله، فإنه لا حياة أطيب من هذه الحياة، ولا نعيم فوق نعيمها إلا نعيم الجنة الذي يجتمع فيه كمال الإيمان، وكمال النعيم، وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح، فطابت كما طاب، وقد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته كما قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). وحياة القلب تكون بثلاثة أشياء: قِصَر الأمل، وتدبر القرآن، وتجنب مفسدات القلب. فأما قِصَر الأمل، فهو العلم بقرب الرحيل، وسرعة انقضاء مدة الحياة، وهو من أنفع الأمور للقلب، فإنه يبعثه على تدارك الأيام، وانتهاز الفرص التي تمر مر السحاب، ويثير عزمات القلب إلى دار البقاء والخلود، ويُزهّده في الدنيا، ويرغبه في الآخرة كما قال سبحانه: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) (الأحقاف: 35). وأما تدبر القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر، كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29). فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وجمع الفكر فيه على معاني آياته، فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر، وتدله على مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صور الدنيا والآخرة، والجنة والنار، وتُحضره بين الأمم السابقة، وتريه أيام الله فيهم، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وما يحبه الله وما يبغضه، وتريه طريق أهل الجنة، وأهل النار، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وتُطلعه على تفاصيل الأمر والنهي والحلال والحرام، والترغيب والترهيب، والمواعظ والصبر وغيرها. وأما مفسدات القلب فكثرة الخلطة والتمني، والتعلق بغير الله، وكثرة الشبع وكثرة النوم، فهذه الخمسة أكبر مفسدات القلب. فالقلب السليم يسير إلى الله تعالى والدار الآخرة، وهذه الخمسة تطفئ نوره، وتضعف قواه، قاطعة له عن الوصول إلى ما خلق له.