جاء الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله مبشرا ومنذرا، هاديا ومعلما، يأمر بما يُصلح الدنيا ولا يُفسد الآخرة؛ دخل ذات مرّة على عائشة رضي الله عنها وعندها امرأة فلما خرجت سأل من هذه؟ قالت فلانة؛ تُذكر من صلاتها. أي معروفة بكثرة الصلاة والعبادة. فقال صلى الله عليه وسلم معلمًا ومرشدا: (عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا) في هذا الحديث يعلمنا النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم أنه ينبغي مراعاة جميع الواجبات ولا ننغمس في جهة معيّنة. وإذا كانت هذه المرأة حريصة على العبادة وقد علّمها كيف توازن مع باقي الواجبات فماذا نقول نحن إذا حرصنا على غير العبادة؟ وفي الحديث أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان حريصا على أهله وبيته فيسأل: من هذه؟ وما جاء بفلانة؟ ثم يُرشد. أليس الأليق بنا أيها المؤمنون أن يحرص الوالد وهو متفرغ هذه الأيام على مراقبة سلوك أبنائه وبناته وعياله فيصلح ما أفسدته ثقافة الهوائيات؟ يجلس إلى أبنائه فقد طال فراقه وبعُد عنهم وصاله حتى حنّوا إليه؛ أليس الأجدر بكل أم أو أخت أ ن تغتنم هذه الفرصة فرصة الفراغ والراحة قتحرص على تعليم البنت أو الأخت ما يخصّها ويلزمها؛ كما أن هذه الراحة وهذا الفراغ مناسب جدًا لأن تُحجّب المرأة ابنتها وتعلّمها أ ن من دينها الستر والحياء والحشمة والعفة؛ حيث لا معوّقات ولا دراسة ولا امتحان ولا حجج سخيفة كقول بناتنا: ماذا يقال عني إذا ذهبت غدا متحجبة؟! فإن من أراد النجاح فلا يفتر إذا فتر الناس ولا يملّ إذا ملّ الناس؛ فاستعن بالله تعالى ولا تعجز أيها المؤمن؛ توكل على الله وأقدم:لولا المشقة ساد الناس كلهم * * الجود يُفقر والإقدام قتّالإن هذه الدار دار التزود من الأعمال الصالحة؛ إذ هذه الدار دار ممر وعبور وإن الآخرة هي دار القرار؛ فمن تعب هنا بحق استراح هناك؛ ومن استراح هنا بباطل تعب هناك؛ وبنوا آدم دائما ملول وإذا ملّ الإنسان عمي قلبه والمؤمن قد بصّره الله بحقيقة الدنيا؛ فإنه يملّ من كل شيء إلا من الأعمال الصالحة لا يملّ منها؛ روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم وقف ينظر يوم العيد إلى أهل الحبشة وهم يلعبون بالحرب والرماح لعبا مسليا؛ فقال لعائشة رضي الله عنها: (تشتهين تنظرين؟) قالت: نعم. تقول: فأقامني وراءه أنظر حتى إذا مللت قال: (حسبك اذهبي) هذا ترويح وتنفيس يملّ منه الإنسان فكيف بالعمل؟ إن المؤمن لا يملّ إذا كان مرتبا منظما؛ فهذه صلاته مثلا موزعة على اليوم والليلة قد أحكم توزيعها؛ إذا قام إليها المؤمن قام وفي قلبه أرحنا بالصلاة يا إمام؛ فليكن المؤمن كالماء إن جرى طاب وإن لم يجر لم يطب.