إن الذي أجمعت عليه الأمة، واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة؟ هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، وهم من ليس بينهم رحم من النسب، ولا محرم من سبب كالرضاع وغيره، فهؤلاء حرام نظر بعضهم إلى بعض... فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين. ودليل ذلك أنه لما نظر الفضل بن عباس رضي الله عنهما إلى امرأة حول النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الشق الآخر. قال ابن القيم: وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.ولقد سد النبي صلى الله عليه وسلم كل ذريعة تفضي إلى تعمد النظر إلى النساء حرصا منه على سلامة القلوب ونقاء النفوس واستقامة المجتمع المسلم على تقوى الله ومخافته بتشريعه لبعض الأحكام في الصلاة والطرقات وغير ذلك، فمن ذلك أنه نهى النساء إذا صلين مع الرجال أن يرفعن رءوسهن قبل الرجال، وهذا في المن الأول حيث كانت النساء تصلي خلف الرجال من دون حاجز أو ساتر، وذلك لئلا يكون رفعهن من الركوع أو السجود قبل رفع الرجال ذريعة منهن إلى رؤية عورات الرجال من وراء الأزر. وأنه صلى الله عليه وسلم نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو أن تصيب بخورا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوقهم إليها، فإن رائحتها وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج من دون أن تتطيب ولو كان خروجها إلى المسجد.وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس في الطرقات، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر المحرم، فلما أخبروه أنه لابد لهم من ذلك قال: (أعطوا الطريق حقه)، قالوا: وما حقه؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام) متفق عليه. وإن الله سبحانه نهى النساء عن الضرب بأرجلهن عند السير سدا لذريعة النظر، حتى لا ينظر الرجال إلى ما يخفين من الزينة والجمال، قال سبحانه: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور:31). كل هذه الأوامر والنواهي ما هي إلا لعصمة البصر من النظر إلى المرأة الأجنبية خاصة ونحن في زمن يملأه الفتن.