ربيقة يستقبل جعفر محمد    باسكوا: الجزائر قوة إقليمية    تبّون مدعو لزيارة سلوفينيا    زيتوني يزور هيئة المناطق الحرة القطرية    إنتاج 492 ألف قنطار من البطاطا الموسمية    إعادة تشغيل خط سكة الحديد وهران بشّار    مُخيّم جباليا.. قصّة صمود    يحيى السنوار من ثائر إلى أسطورة    وقفة بدار الصحافة في العاصمة    هؤلاء أبرز 20 لاعبا انخفضت قيمتهم السوقية    انتقادات لاذعة لمحرز    منظّمات وجمعيات ترافع لتسقيف الأسعار    تعليمات رئاسية لتخفيف معاناة مرضى السرطان    دراسة مشروع قانون حماية ذوي الاحتياجات الخاصة    كلمات جزائرية تغزو إنجلترا!    الصحافة الجزائرية تحتفل بيومها الوطني    وزارة الإنتاج الصيدلاني تُحذّر..    البويرة: وفاة شخص وإصابة آخر في حادث مرور بالطريق السيار شرق-غرب في بلدية بودربالة    برنامج عمل اللجنة الوطنية للوقاية من مرض السرطان ومكافحته يرمي إلى تقليص عدد الإصابات والوفيات    ضرورة توحيد الجهود النقابية الدولية لدعم القضية الصحراوية    زيتوني يفتتح معرض المنتجات الجزائرية بالدوحة    استكمال الترسانة القانونية المنظمة للقطاع بآليات جديدة    وزارة الصناعة تتخذ عديد إجراءات    قرار اللجنة الرابعة الأممية انتصار تاريخي آخر للقضية الصحراوية    تذكروا "بيغاسوس".. الجوسسة باستعمال التكنولوجيا أمر واقع    بلعابد يشارك في اجتماع إدارة مركز اليونيسكو للتميز في التعليم    بحث فرص ترقية التعاون الصناعي بين الجزائر والهند    صادي يجري محادثات مع شخصيات بأديس أبابا..قرارات هامة في الجمعية العمومية للكاف    وديتان للمنتخب الوطني للسيدات بنيجيريا    لجنة الانضباط تعاقب 3 أندية وتوقف الحارس ليتيم    قرارات هامة لصالح طلبة علوم الطب    قرار محكمة العدل الأوروبية مكسب جديد للصحراويين و أكبر رد لدعاية الإحتلال المخزني    أنابيب نقل الغاز الجزائرية ضمان لأمن الطاقة الأوروبي    مسؤول في هيرتا برلين يصف مازة ب"جوهرة" النادي    9 محتالين يجمعون تبرعات باسم مرضى السرطان    القبض على محترفي سرقة الهواتف    260 إصابة بالكيس المائي    آدم وناس مطلوب في أودينيزي وسمبدوريا الإيطاليين    التحكيم في قفص الاتهام، احتجاجات بالجملة و"الفار" خارج التغطية    "المساء" ترصد ما خققه الثقافة والفنون في 4 سنوات    الطبعة 18 من 26 إلى 30 أكتوبر    الأمم المتحدة تحذّر من تدهور الأوضاع في فلسطين    مجلس الجامعة العربية يدين تقويض عمل المنظمات الإنسانية في غزة    توسيع طاقة تخزين الأدوية في 3 ولايات    سطيف.. استفادة أزيد من 60 ألف طالب جامعي من التأمين الاجتماعي    أيام حول الانتساب للضمان الاجتماعي في الجامعة    مهرجان الجزائر الدولي للسينما: دعوة لمهنيي الفن السابع للمشاركة في فضاء "سينما ماركت"    توقيع اتفاقيات تفاهم بين جامعات قسنطينة 1و2 و3 و شركة هواوي    "نوبل" تنتصر لتاء التأنيث    سفير جنوب افريقيا: "اللجنة الثنائية ستلتئم نهاية 2024 بالجزائر العاصمة"    الرئيس يأمر بإنجاز فيلم الأمير    التميّز والجمال عنوان "شظايا من الضفتين"    الرفع من المداخيل وتحقيق التحوّل الرقمي    مختصون: هكذا نجعل للدراسة قيمة في حياة أبنائنا    الابتلاء من الله تعالى    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كأنما صاغ أفكاره لعالم اليوم : سيرة جديدة لحياة الفيلسوف الفرنسي فولتير
نشر في المواطن يوم 05 - 06 - 2010

صوت فولتير هو صوت التنوير، كما يقول الكاتب البريطاني ايان ديفدسن في سيرة حياة الأديب الفرنسي الهجاء التي نشرها حديثًا. ولكن ديفدسن يسلط في كتابه ضوءًا على جوانب أخرى من حياة فولتير، بطموحه الجامح وحبه للنساء وهوسه بالمال، وعلى النقيض من ذلك الإسراف في تبذيره.
الصورة التي يرسمها ديفدسن في السيرة الجديدة هي باختصار صورة فولتير الإنسان، الذي تقدم رسائله معينًا ساحرًا من المعلومات والحكايات. إذ كان فولتير غزير التراسل وتضم الطبعة الأحدث من مراسلاته 15284 رسالة كتبها عن مواضيع شتى، تمتد من هواجسه بشأن مسرحيته الجديدة ومعاركه الأدبية ومعاناته مع الإمساك وطرق معالجته، مرورًا بنظريات نيوتن ومسرحه الجديد وليس انتهاء بمصاعب البحث عن قطعة لحم طرية يبتاعها من محل جزارة محترم.
ولد فولتير في 21 نوفمبر عام 1694 باسم فرانسوا ماري أرويه ولكنه قرر تغيير اسمه حين كان شابا في الرابعة والعشرين لأسباب ليست معروفة على وجه التحديد. بيد أن تغيير الاسم تزامن مع النجاح الكبير الذي حققته مسرحيته المأسوية الأولى أوديب التي قُدمت على مسرح كوميدي فرانسيس. وكان نجاح المسرحية انتصارًا تكلل به كفاحه من أجل أن يصبح كاتبا ضد رغبة والده في السير على خطاه واحتراف مهنة المحاماة.
انطلاقًا من هذه المحطة بدأ ارتباط فولتير بالكتابة والمسرح. ولكن حياته الأدبية كانت تقف على كف عفريت. إذ كان فولتير سليط اللسان، متهورا، سخريته اللاذعة ورغبته في التألق كثيرا ما كانت تقوده إلى التمادي في هجو النخبة الاجتماعية، بمن فيها العائلة المالكة والبلاط.
يقتفي ديفدسن في سيرة حياة فولتير الجديدة أصوله التاريخية والاجتماعية وجذور نهجه في الكتابة ولكنه ينتقل من الذاتي ليرسم صورة الأجواء الفكرية التي كانت سائدة في فرنسا القرن الثامن عشر. فإن الوصاية على العرش التي أعقبت موت لويس الرابع عشر في العام 1715 أفضت إلى انفتاح متسارع في الأعراف والقيم الاجتماعية الفرنسية والإقبال على الهجاء والسخرية والمتعة والبهجة. فكان هذا خليطًا متفجرًا، وشعر كثيرون أن مواضع المجتمع وأركانه تتغير بسرعة خطرة قد لا يتحملها. وكان من المحتم أن تكون الحكومة مرمى سهام السخرية والهجاء، وخاصة ملاحقة الوصي بسياط النقد لنهمه وفسوقه ومغامراته الغرامية.
كانت تجربة فولتير الأولى مع المنفى إبعاده إلى ليموسان في العام 1716 لكتابته أبياتا يهجو فيها الدوقة دو بيري، ابنة الوصي. وبعد ستة أشهر وجه خلالها نيران هجائه إلى الوصي نفسه، اعتُقل وأُرسل إلى سجن الباستيل. وأعقبت ذلك مناف أخرى، أهمها إلى انكلترا في العام 1726، حيث أقام أكثر من سنتين. ومنحت هذه الفترة فولتير دفعة وزادا لكتابة واحد من أبرز أعماله هو "رسائل فلسفية". وظاهريا يقدم فولتير في هذا العمل وصفًا شيقًا للحياة في انكلترا عمومًا والثقافة الانكليزية بصفة خاصة، لكنه يضمِّن الرسائل نقدًا مبطنًا للنظام الفرنسي الاستبدادي.
يصف فولتير في رسائله الفلسفية الانكليز بأنهم "شعب غريب" لكنهم "أمة متولعة بحريتها، متعلمة، حاضرة البديهة، تحتقر الحياة والموت سواء بسواء، أمة من الفلاسفة". وكانت حرية الفكر والتعبير التي وجدها فولتير في انكلترا تنسجم مع فكره ومزاجه، وأمضى بقية حياته في وضع الحرية التي وجدها في انكلترا والأراضي المنخفضة في مواجهة ضيق الأفق والرقابة والنظام القمعي في فرنسا.
تقول فيونوالا سنكلير أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة كامبردج، في مراجعتها سيرة حياة فولتير الجديدة أن توصيف شخصيته المعقدة هو ما يجعل هذه السيرة كتابًا شيقًا. فقد كان فولتير من نواحٍ متعددة مناوئًا للوضع القائم والقوى السائدة، ولكنه كان متلهفًا إلى التميز ونيل الاعتراف به من خلال انتخابه إلى الأكاديمية الفرنسية، على الرغم من أنها جزء من مؤسسة الحكم الذي لا ينتقده (في البداية رفضه أعضاء الأكاديمية المحافظون المتزمتون الذين كانوا خاضعين لهيمنة الكنيسة الكاثوليكية وتراتبيتها الهرمية).
ومن الجوانب التي تكشفها السيرة في شخصية فولتير المركبة انه كان يكتب وينشر أعمالا يعرف أنها ستثير سجالات سياسية ولاهوتية ثم ينكر انه صاحبها. كان ضد العقائد الدينية القمعية لكنه لم يكن ملحدًا. بدأ كاتبًا مسرحيًا وشاعرًا ثم اتسعت اهتماماته لتشمل دراسة الفلسفة والعلوم، حتى انه كتب عملاً يشرح فيه بلغة بسيطة اكتشافات نيوتن العلمية. كان ساحرًا، وبهيجًا، ومخلصًا لأصدقائه وعشيقاته، خبيثًا، وجارحًا، وكئيبًا. وتعتبر سنكلير أن فولتير كان متفلسفًا لكن هذا لا يعني انه فيلسوف بالمعنى العصري للكلمة لأنه لم يقدم نتاجا متكاملا من الفكر الفلسفي الأصيل على غرار مونتسكيو وروسو. وان تفانيه من اجل مبادئ التنوير الأساسية حرية التعبير والمساواة والعدالة ونضاله من اجل التغيير هما ما جعله ايقونيا. فقد كان شعار فولتير "سحقا للرعب".
مع كل صفحة من هذه الدراسة يزداد شغف القارئ بشخصية فولتير. ففي حياته تحول من كاتب مسرحي شاب فقير طموح إلى أديب ثري مشهور يتمتع بشعبية واسعة بيع من أهجوّته الجامحة "كانديد" ما لا يقل عن 20 ألف نسخة وربما 30 ألفا لدى نشرها في عام 1759 على الرغم من منعها في فرنسا بعد شهر على صدورها. كانت مواضيع فولتير الأدبية تتبدى في أفعاله، بنضاله من اجل عدالة القانون والإصلاح والتدخل في حالات كثيرة هُضمت فيها حقوق مواطنين عُذبوا وأُعدموا ظلمًا. كانت زيارته الأخيرة إلى باريس قبل وفاته نصرًا له على مؤسسة الحكم، احتفى به الفرنسيون خلال تقديم مسرحيته الأخيرة "ارين"، وتبعه الفرنسيون في الشوارع منادين به "محامي الفقراء والمظلومين".
توفي فولتير عن 83 عامًا. وتقول سنكلير في مراجعة سيرته الجديدة أنها تفتح جوانب متعددة من حياة فولتير وتنسف بعض الخرافات عنه. فهو لم يكن ملحدًا وكان يحب النساء لكنه يستطيع أن يكون في منتهى الوفاء. وهذه السيرة ترسم لنا صورة متبصرة وممتعة عن حياة فولتير الإنسان. وتبدو فلسفة فولتير في التسامح والعدالة كأنها كُتبت لعالم اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.