إذا كان من حق الشاب والرجل المقدم على الزواج أن يتخيّر من بين النساء فتاة وامرأة تكون شريكة حياته، بل يوصيه الإسلام ويؤكد له أن يُحسن الاختيار فإن المرأة والفتاة مُطالبة أيضا أن تختار من بين من يتقدم لخطبتها من الرجال، فلها أن ترد من تقدم لخطبتها إذا لم تتوفر فيه شروط يقبلها لها الدين ويختاره لها بما يحمله من صفات طيبة وخصال حسنة، ومما أرشد إليه الإسلام بنات المسلمين أن يختاروا من الرجال من كان حاملا لقدر من كتاب الله عزّ وجلّ، فالرجل الذي يحمل في صدره قدر من كتاب الله وآياته وسوره جدير بأن تقبل به الفتاة، فهو خير من كثير مما يتباهى به كثير الناس ويفتخرون به من مُتع الدنيا وزخرفها، ولما كان جيل الصحابة يُعظمون القرآن وحامله كان منهم من يُزوّج من أهله لمن يحمل القرآن ولو لم يكن معه شيء من المال، فهذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنه من أوائل المهاجرين والمسلمين، وأبو حذيفة وأبوه وعمه شيبه وأخوه الوليد بن عتبة كانوا جميعاً من أسياد مكة وأغنيائها، إلا أن أبا حذيفة زوَّج أخته هند من مولاه سالم، فقد كان مملوكا عندا فأعتقه لما يحفظه من القرآن، فهدم بفعله هذا كل أصل من أصول الجاهلية التي كانت تعتز بالنسب على حساب التقوى والعمل الصالح. ومن الصفات المطلوبة في شريك الحياة التي يوصي الإسلام الفتاة أن تأخذها بعين الاعتبار أن يكون الشاب مِن بيئة كريمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) رواه البخاري ومسلم. وأن يكون رفيقاً لطيفاً بأهله، أي حسَن الخلق كريم الخصال، فعن أبي بكر بن أبي الجهم قال: سمعتُ فاطمة بنت قيس تقول: إن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سُكنى ولا نفقة، وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حللتِ – أي انتهت عدّتك- فآذنيني)، فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فرجل تَرِب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد). فحذرها النبي صلى الله عليه وسلم من أن تتزوج من أبي جهم لأنه ضرَّاب للنساء. وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله). فعلى المسلمة أن تحرص حرصاً كبيراً على التأكد من حُسن خُلق الخاطب ولا تقصر في هذا الأمر، فإن الزوج إن كان سيء الأخلاق قبيح المعاملة ساءت الحياة الزوجية معه، كما حُكي أن أعرابية تقدم لخطبتها شاب فأعجبها جمالُه ولم تهتم بأخلاقه وسلوكه، فنصحها والدها بعدم صلاحه فلم ترض، فأكد عليها عدم قبوله فرفضت، وأخيراً تزوجته، وبعد شهر من زواجها زارها أبوها في دارها فوجد جسمها عليه علامات الضرب من زوجها فتغافل عنه وسألها: كيف حالك يا بُنيتي؟ فتظاهرت بالرضا، فقال لها أبوها: وما هذه العلامات التي في جسدك يا بُنيّتي؟ فبكت ونحبت طويلاً ثم قالت: ماذا أقول لك يا أبتاه؟ إني عصيتك واخترته دون أن أهتم بمعرفة الأخلاق وحُسن المعاملة. ومن الصفات التي ينبغي أن تهتم لها الفتاة فيمن تقدم لخطبتها أن يكون مستطيعاً للباءة بنوعيها، وهي القدرة على الجماع وعلى مؤن الزواج وتكاليف المعيشة، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (أما معاوية فصعلوك لا مال له)، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الشباب على الزواج عند استطاعتهم الباءة فقال: (يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء). واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلي معنى واحد، وهو أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقدير كلامه: من أستطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤنة النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع لعجزه عن مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء. والقول الثاني أن المراد بالباءة مؤنة النكاح، وسميت باسم ما يلازمها، وتقدير كلامه: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم. ومن الصفات المطلوبة في شريك الحياة أن يكون قوياً أميناً، وهذه صفة لتكميل محاسن صفات الرجل، كما قال تعالى على لسان بنات الرجل الصالح في قرية مَديَن التي آواى إليها موسى عليه السلام: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: 26)، فالقوة لاكتساب الرزق، والأمانة لأداء حق المرأة، فقد أخذها الزوج بكلمة الله.