يا من أدرك رمضان وأدركه رمضان، اجعل في رمضان نصيبا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، واحرص أن تكون من خيار الناس، كما أخبر بذلك الرسول عليه الصلاة والسلام، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره وحسن عمله) قال: فأي الناس شرّ؟ قال: (من طال عمره وساء عمله)، فاغتنم هذا الوافد الكريم، بالإقبال على الله مقلب القلوب، واسأله أن يُصلح قلبك ويُثبته على دينه، فرمضان شهر القرآن، والقلوب أوعية القرآن ومستقرّ الإيمان، فإن كان قلبُك ملوّثا بالآثام فأنى له أن ينتفع بالقرآن، قال الحسن البصري: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم. إن رمضانَ امتحان للقلوب ليُمحّص الليّن من القاسي، ويُبيّن للذين يتسللون من صفوف القائمين في أسرع وقت قد تمكّن الملل من قلوبهم، وتملكتهم السآمة من كتاب ربهم، فما عليهم إلا أن يُبادروا بإصلاحها قبل فوات الأوان. كما يُغتنم رمضان في تزكية النفوس وتنقيتها من الضغائن والأحقاد التي خلخلت العُرى، وأنهكت القوى، ومزقت المسلمين شرّ ممزق، فالذي أدركه رمضان ونزل بساحته وهو عاق لوالديه قاطع لأرحامه هاجر لإخوانه، أفعاله قطيعة، ودوره في المجتمع النميمة، أقواله سباب وفِسق وزور وبهتان، فهيهات هيهات له أن يستفيد من رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. ورمضان شهر رفع دعاء الصائم، ودعوة الصائم عند إفطاره لا ترد، لكن يردها المطعم الحرام، والمركب الحرام، فالمال الحرام سبب كل بلاء في الدنيا ويوم الجزاء، فلا يُستجاب معه دعاء، ولا تفتح له أبواب السماء، فما أفظعها من حسرة وندامة أن يُرفع لغيرك دعاء وتُحجب أمامك نوافذ الفضاء، فاغتنم رمضان وطهّر جيبك ويدك من مال غيرك، حتى تقف بين يدي ربك بقلب خاشع ودعاء صادق مُرتفع. ورمضان مدرسة لتقوية الإيمان، وتهذيب الخلق وتصفية القلب، وتزكية النفس وتقوية الإرادة، ولا يغتنم رمضان من نام في النهار إلى العصرِ، وسمر في الليل إلى طلوع الفجرِ، لا يغتنم رمضان من رآه شهر جوع نهاري وشِبعٍ ليليّ، لا يغتنم رمضان من كانت وجوههم عابسة وصدورهم ضيّقة تجاه رمضان، لا يغتنم رمضان من كان يراه موسم الموائد الزاخرة بألوان الطعام والشراب، فيا خسارة من كان هذا دأبه، ويا حسرة من هذا شأنه، فقد حرم الخير الكثير من حُرم لذة الصبر في نهار رمضان، وفاته الفضل الكبير من فقد لذة المناجاة في ساعات الليل، فهؤلاء لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام وقيام، لأن الله تعالى جعل الصيام للقلب والروح فجعلوه للبطن والمعدة، جعله الله للحلم والصبر فجعلوه للغضب والبطش، جعله الله للسكينة والوقار فجعلوه للسباب والشجار، جعله الله ليُغيّروا من صفات أنفسهم فما غيّروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم، جعله الله