كريم بن عبد الله هدايا القرّاء بالملايين في المساجد الكبيرة ويبدو أن قلة المقرئين في الجزائر تعود إلى حداثة دخول هذا العلم إلى المعاهد والجامعات الجزائرية، حيث تمّ ذلك على أيدي مجموعة من الطلبة الجزائريين الذين ذهبوا في بعثات علمية إلى الشام والحجاز ومصر، وعادوا في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، ومع دخولهم بدأت أولى محاولات تكوين الطلبة في علم القراءات..، ولحدّ الساعة ما تزال المساجد الجزائرية المنتشرة بالآلاف على التراب الوطني، بحاجة إلى التكوين المتواصل فيما يتعلق بمؤطريها من الأئمة وحفظة القرآن. وتظهر هذه الحاجة أكثر بحلول شهر رمضان، الذي تستدعي فيه العبادة أن يكون الإمام في مستوى هذا الشهر الكريم، ومقرئ القرآن أيضا، لأن رمضان شهر للذكر وتكثيف العبادة بسبب الأجر المضاعف الذي يناله المتعبّدون. أغلب الذين تتنافس عليهم اللّجان الدينية التي تؤطر المساجد في المحافظات الجزائرية، ليسوا مقرئين لأن من شروط المقرئ أن يكون مجازا في أربع قراءات برواياتها وطرقها، وأكثر المقرئين المتوفرين هم دون هذه الدرجة، حيث لا يتجاوز الكثير منهم درجة قارئ يتقن في الأغلب الأعم قراءة أو قراءتين، وكثيرا ما تكون قراءة نافع برواية ورش، أو قراءة عاصم برواية حفص. وتختلف معايير اختيار هؤلاء القرّاء، بين الحفظ الجيد للقرآن الكريم وإتقان التلاوة، وأحيانا يشترط، بضم الياء ، في القارئ حسن الأداء وجمال الصوت، وكثيرا ما يطبّق هذا الشرط الأخير في المساجد الكبرى. ومثلما تختلف معايير اختيار القراء في شهر رمضان لأداء صلاة التراويح في المساجد الجزائرية، مثلما تختلف المكافآت التي ترصد لهؤلاء عند نهاية الشهر الفضيل، وقد تصل في المساجد الكبيرة، التي عادة ما تتواجد في المدن الكبرى، إلى الملايين من السنتيمات التي يتبرّع بها المصلّون في رمضان، أما في المساجد الصغيرة فتقلّ التبرعات، وهذه الظاهرة كثيرا ما تكون قوية الدلالة عن الظروف الاجتماعية لمرتادي تلك المساجد. ومن فضل الله تبارك وتعالى على المسلمين في شهر رمضان المعظم، أن المسلمين بلا استثناء، يتنافسون على فعل الخير، ويسارعون إلى الطاعات، وهو ما يظهر بشكل واضح عند رفض كثير من قرّاء التراويح أخذ المكافآت التي يرصدها لهم المحسنون، ويكتفون بطلب الدعاء لهم بالصحة والعافية والبركة في الرزق والولد، في وقت يقوم بعض القرّاء بالتبرع بهداياهم لصالح الفقراء والمحتاجين، أو يتنازلون عنها من أجل القيام ببعض أعمال الصيانة والتهيئة التي تحتاج إليها المساجد. ومن الأمور التي كثيرا ما تعرفها المساجد الجزائرية خلال رمضان، هي عملية نزوح جموع المصليّن إلى المساجد التي تظفر بقرّاء بمواصفات عالية، حيث تمتلئ هذه الأخيرة عن آخرها، إلى درجة يستعين فيها المصلّون بأداء الصلاة في الشوارع المجاورة لتلك المساجد، ولا يتردّد المصلون في التنقّل لمسافات بعيدة من أجل الوصول إلى القراء الذين يزرعون في قلوبهم الخشوع والتفكّر في آيات الله بجميل أصواتهم، وحسن ترتيلهم للقرآن الكريم، وهي فرصة لا تتوفر سوى مرة واحدة في السنة، وهي فرصة شهر رمضان المعظم... وكثيرا ما يحاول الشباب المقرئون محاكاة أصوات كبار المقرئين في العالم الإسلامي أمثال عبد الباسط عبد الصمد ومحمد صديق المنشاوي رحمهما الله، و استطاع هؤلاء أن يوظفوا ملكة الصوت الشجي الذي حباهم الله به في صلاة التراويح، الأمر الذي جعلهم قبلة آلاف المصلين القادمين من مناطق بعيدة عن المساجد التي يؤمونها رغبة في الخشوع و تدبر آيات الله، أما المساجد التي لا تتوفر على مقرئين جيّدين لا نقول يهجرها المصلون ولكن لا يتهافتون عليها، وربما ارتادها فقط كبار السن أو من لا يجد حيلة في بلوغ مسجد يؤمّ الناس فيه مقرئ حسن الصوت وجيد الأداء.