لقد جعل الله حفظ السمع من أخص صفات المؤمنين، ففي الصفات العشر التي وُصف بها المؤمنون في سورة (المؤمنون) يأتي الإعراض عن اللغو في المرتبة الثانية مباشرة بعد الخشوع في الصلاة، حيث قال الله عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون: 1، 3)، فالمؤمنون لسماعهم الخير، فهم (في صلاتهم خاشعون)، ولكي يحافظوا على ذلك؛ فهم (عن اللغو معرضون)، لأن سماع الشر يضيّع رصيد القلب من سماع الخير، ويشوش على النفس قيم الحق، قال تعالى مزكيا فِعل من طهروا أسماعهم: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص: 55). ورمضان الكريم تتضاعف فيه مسؤولية الأذن سماعا أو امتناعا، فالصلوات الجهرية، وصلاة القيام الجماعية، تقوم على حسن الاستماع لما يتلى، وكذلك حِلق الذكر ومجالس العلم تقتضي يقظة السامع وحسن إنصاته.وسماع القرآن عبادة عظيمة تنزّل القرآن بالأمر والثناء على أهلها، فقال سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وقد تنزّل القرآن بالثناء على الجن وهم في عالمهم المحجوب يشكر لهم حسن استماعهم وجميل إنصاتهم للقرآن وهو يتلى، ونزل بشأن ذلك سورة من القرآن هي سورة الجن.وإن الله أمر المؤمنين بأن يحسنوا استماع كلامه في قوله عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وفي هذا الإنصات تشريف لتلك الأسماع وتطهير لها، وتلك الأسماع نفسها منة تحتاج إلى امتنان، ونعمة توجب الشكر والعرفان، قال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة: 9)، وشكر الله تعالى على نعمة السمع تكون بقَصْره على الخير، ومنعه من الشر، ورمضان مجال رحب لتحلية الأسماع بالطاعات، وتخليتها عن المخالفات، فعلى السمع عبودية مخصوصة هي وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه، من استماع إلى ما له علاقة بالإسلام والإيمان وفروضهما، وكذلك استماع القراءة في الصلاة إذا جهر بها الإمام، واستماع خطبة الجمعة، فهذا كله استماع واجب لما يترتب عليه من الخير، وأما الاستماع الذي أمر الله بتطهير الأذن منه فهو استماع الكفر والبدع والباطل، واستماع أسرار من يهرب عنك بسره ولا يحب أن يُطلعك عليه، وكذلك استماع الغيبة والنميمة وقول الفُحش، وكذلك استماع المعازف وآلات الطرب واللهو ونحوها.