لوقت ليس ببعيد كانت الأسماء العربية، أو بالأحرى الأسماء التي تخص المجتمع الجزائري، أحد الرموز والمعالم التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال المساس أو التلاعب بها، خاصة وأن الاسم يرتبط بشكل كبير بشخصية حامله، أصبحت مصالح الحالة المدنية بالعاصمة، تشهد تسجيل أسماء دخيلة على المجتمع الجزائري خاصة التركية منها، التي غزت مجتمعنا مؤخرا. نسمي أبناءنا دون أن نفهم المعاني وعزاء الأولياء في ذلك أن مثل هذه الأسماء وان لم تكن من أصل عربي، إلا أنها تستعمل في بلدان اسلامية وهذا كفيل حسبهم بأن يطلقوا على أبناءهم أسماء دون وعي أو فهم -في كثير من الأحيان- المعاني أو حتى الدلالات، التي تحملها هذه الأخيرة. ولعل أبرز ما يشدنا في هذه الظاهرة هو أغلب الأسماء المنتشرة في الآونة الأخيرة هي من التأثر الشديد بالمسلسلات التركية، سيما وأنها تشبه لحد كبير الثقافة السورية باعتبار العامل الجغرافي وكذا عملية الدبلجة باللهجة ذاتها الذي كان له وقع كبير على مجتمعنا الجزائري. من زياني وعنتر يحيى الجزائري الى مهند وكريم التركي إن ما يحسب كذلك على المجتمع الجزائري أنه شديد التأثر بالعوامل الخارجي، وكذا الأحداث المحيطة به، فلفترة ليست ببعيدة كان أسهم لاعبي المنتخب الوطني الأعلى في بورصة الأسماء، فبدل عنتر يحيى أصبح آلاف الأشخاص يحملون هذا الاسم بالإضافة إلى فوزي، زياني ، بوقرة ...والقائمة طويلة، وكأن لسان حالهم يقول بأن " الدنيا مع الواقف " ، ولكن سرعان ما فقدت هذه الأسماء بريقها في مجتمع يتذكر وينسى بنفس السرعة و في نفس الوقت، ليصبح أبطال المسلسلات التركية الأجندة رقم واحد التي نستلهم منها أسماء أبنائنا. الدراما التركية المرجع الأول في أسماء أبنائنا لميس، نور، فريحة، رهف، مهند، أمير، مراد، إياد ... والقائمة تطول بهذه الأسماء وغيرها التي اكتسحت المجتمع الجزائري في الآونة الأخيرة، فأصبحت أسماء أبطال الدراما التركية، تجسيد في واقعنا مع أن أغلب هذه الأسماء لا تمت لمجتمعنا بصلة وكلن الملفت للانتباه أن هناك بعض الأسماء التي هي موجودة بالأصل في مجتمعنا ولكن بفعل الزمن أصبحت من الماضي، أو أصبحت من المعاني المنبوذة خاصة أن المجتمع نسي أو تناسى مثل هذه الأسماء ، ولعل أبرزها " فريحة " ذلك الاسم الذي ظل لفترة عقدة لازمت حاملات هذا الاسم، ولكن بعد المسلسل التركي الشهير الذي عرض مؤخرا أصبحت الفتيات اللواتي يحملن نفس الاسم يفتخرن على أقرانهن وكأنهن بطلات هذه السلسلة. أسماء غريبة وأخرى بعيدة عن الواقع الجزائري صحيح أن عددا ليس بقليل من الأشخاص الذين تأثروا بشكل كبير بهذه الدراما، ولو أن الدراما التركية في كثير من الأحيان تشبه إلى حد ما بعض الجوانب في ثقافة المجتمع الجزائري، ولكن الأخطر أن نتأثر بثقافة غير ثقافتنا وهذا حسب ما يؤكده " فتيحة " التي تقول أن والدها الذي أطلق على ابنه الأصغر تسمية " كادي" ، وهذا ما رفضته مصالح الحالة المدنية بالبلدية التي يقطنون بها تسميته بهذا الاسم وأطلقت عليه اسم "نعمان"، ولكن العائلة رفضت الاسم وتفضل مناداته باسمه الأول. أطفالنا يعيشون بشخصية مزدوجة بسبب تعدد أسمائهم يعاني الكثير من الأطفال في الجزائر مشكلة ازدواجية الشخصية، والتي يعود السبب فيها دون وعي من الأولياء إلى ازدواجية التسمية التي تطلقها الأسرة على الابن، فهناك العديد من الأطفال الذين يحملون أسماء ليست نفسها التي سجلت في دفتر العائلة، ولعل السبب في ذلك هو رفض مصالح الحالة المدنية تسجيل بعض الأسماء التي تكون في غالب الأحيان بعيدة عن ثقافة وهوية المجتمع الجزائري، لهذا يلجأ الأولياء إلى التمسك بالاسم ا ولو كان غريبا، على حساب نفسية الطفل وكذا التبعات التي تنجر على شخصيته في المستقبل. كما يعتبر علماء النفس والتنمية البشرية أن لكل فرد نصيب من الاسم الذي يحمله، فشخصية أبنائنا تبنى منذ البداية على ما شب عليه فإذا كانت أسماء أولادنا نستوردها من المسلسلات والثقافات الأخرى، فكيف بنا أن نبني جيلا صالحا له فكر خاص ومستقل به ، فاقتباس الأسماء من شأنه أن يمتد إلى التأثر بالأفكار والسلوكيات، وكذا انصهار الهوية الجزائرية في ثقافة المجتمعات الأخرى، التي غالبا ما تكون هذه الأخيرة بعيدة كل البعد عن هويتنا العربية .