وأخيرا يسقط المجاهد أحمد محساس عن صهوة جواد امتطاه تسعة عقود من الزمن ، وهو يقاتل من أجل الجزائر ..كان الفقر يعتصره زمن الإحتلال ..وكان الألم وكانت الحسرة أن يرى ويشهد بأم عينيه آخر المجازر التي ارتكبتها فرنسا "هولاند " بحق شعبه ....! ومما شهده وأدركه من الجوانب الفكرية والثقافية ......أن فرنسا " ميتيران " جعلت من اللغة العربية لغة محرمة... ووضعتها إلى جانب المحرمات كما يضعون هذه الأيام المخدرات وتجارة الممنوعات ، وشهد من بين ما شهده مجازر ماي فشحنته حقدا مقدسا ضد فرنسا الطغيان ، وآخر ما شهده بأم عينيه حفلة "الوداع" الفرنسي ضد الجزائريين التي جسدتها ملحمة نهر السين التي أظهر فيها الطغاة كل معالم " حضارة" فرنسا الدموية والعنصرية ، ثم شاهد وعاصر أخر ما شاهد التجارب النووية في الرقان تلك التي مازالت تفتك بالجزائريين حتى اللحظة ... وكل هذه الأمور جعلت منه مناضلا حقيقيا من أجل شرف الجزائر ورفعة وأمجاد الجزائر فقاتل وناضل بشجاعة وذرع جبال الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه وشهدناه في آخر أيامه يشير إلى مذكرات الثورة كشاهد حق إلى جانب رفاقه الذين أخذوا يتهاوون دون أن يسقطوا ...! فكان عبق الثورة يلفهم ويلف الجماهير الجزائرية الصامتة المترقبة لكل قادم والصابرة على كل مايجري حولها ، والناطقة الهادرة المتوعدة لكل قادم من وراء البحر ، فودعه أبناؤه ورفاق دربه من الثوار حملة السلاح وحملة القلم ، والمثير للحسرة واللوعة والألم معا أن الجزائر في وقت قصير ودعت ثلة من مجاهديها البررة وحراس ثورتها ، فكأنهم جميعا كانوا على موعد مع الموت ليقبلوا ثرى الجزائر للمرة الأخيرة ويحتضنوها وكأنهم كانوا عاهدوها ليقولوا لها معا : إلى اللقاء ثم سقطت جيادهم دون أن تتعثرفي ساحات الوغى ، ولكنها سنة الحياة وسنة الله في خلقه ، وكان من تصاريف القدر أن يتزامن سقوط عدد من الفرسان في فترة قصيرة ، فسقط المهري ثم تبعه الشاذلي ثم التحق بركبهم أحمد بن بلا ثم بوحارة وهذا هو أحمد محساس يسقط... ومازال الجميع على العهد فخسرتهم الجزائر بعدما أدوا الأمانة وحفظوا العهد ، وودعهم أبناؤها البررة ولسان حال الجميع يقول : إلى اللقاء أيها البررة وتحيا الجزائر أرض العزة والكرامة ووطن الأبطال والشهداء ، فإلى جنان الخلد أيها المجاهدون .....