جميل أن نربي أبناءنا في زمننا هذا على الحشمة والحياء والأخلاق الحميدة، ولكن الأجمل في ذلك كله أن يكون بالتي هي أحسن وبالحوار الذي من شأنه أن ينشئ لنا جيلا صالحا، لكن ونظرا لاختلال بعض المفاهيم في مجتمعنا، والفهم الخاطئ للدين في أحيان كثيرة خاصة في أمر ارتداء الفتيات صغيرات السن للحجاب والذي خلق ردود فعل متباينة لدى عامة الناس فبين من يعتبر الأمر مجرد حرية شخصية للفتاة الصغيرة، فلها الحرية الكاملة في اختيار ما يناسبها في حين يرى البعض أن الأمر كله تعدي على حريتها وكذا حرمانها من عيش طفولتها كباقي قريناتها. الفهم الخاطئ للدين سبب تعسف الأولياء على بناتهن يعتقد الكثير من الأولياء أن اجبار الفتاة الصغيرة على ارتداء للحجاب في سن مبكر هو السبيل الوحيد لتربتها تربية صالحة عليها بصفة خاصة والذي من شأنه أن يعطينا جيلا صالحا بصفة عامة، ويجعل ارتباط الأولاد بالدين قويا، ناسين في الوقت ذاته أن يذكروا أنفسهم أن انشاء الطفل على حب الدين والسير في الطريق الصحيح لا يكون الا بالتي هي أحسن وبالقدوة الحسنة، لا بالعنف والتعصب، فلا الدين أمرنا بذلك ولا حتى الثقافة التي تربينا، بل بالعكس فمثل هذه التصرفات تجعل أولادنا ينفرون من الدين من جهة ومن أوليائهم من جهة أخرى، رافضين الايمان بفكرة " ما كان الرفق في شيئ زانه وما نزع من شيء الا شانه " متناسين أن الدين دين يسر لا عسر. " أمر جميل أن نرى فتيات رغم صغر سنهن يحرصن على ارتداء الحجاب " يؤكد الدكتور بكلية العلوم الاسلامية والشريعة في الجزائر،عبد القادر بن عزوز، أن أمر ظاهرة ارتداء الفتاة للحجاب رغم صغر سنها لدليل على بذرة الخير التي لا تزال موجودة في مجتمعنا وعند بناتنا، وان غيبها الزمن والظروف الحالية على حد سواء، معتبرا في الوقت ذاته أن الاسلام واضح جدا في مثل هذه الأمور فتكليف الفتاة بالحجاب يسقط عنها اذا لم تبلغ سن الرشد بعد، ولكن هذا لا يمنع الفتيات الصغار من ارتداءه لأن هذا ينم عن البيئة الصالحة التي تربت فيها الفتاة، وبالمقابل لا يمكن اجبارها علفى ذلك الا أن تكون قد استوفت الشروط اللازمة، فالمطلوب منا كأولياء أن نربيها على الحشمة والحياء ونلقنها ذلك بطريقة جميلة أساسها الحوار والتفاهم ويكون ارتداءها له عن قناعة وحب له دون ضغط من الوالدين أو اكراه لها على الأمر. "حرمان الفتاة الصغيرة من ارتداء الحجاب هو تعدي على حقوقها " ترى الأخصائية النفسانية السيدة " س ن " أن أمر ارتداء الفتيات الصغار للحجاب في مثل سنهن، يطرح سؤالا مهما جدا وهذا الأخير يتعلق بالطريقة التي من خلالها قررت الفتاة ارتداءه، فهل الفتاة كانت مكجبرة من قبل أوليائها على ارتدائه أم أنه قرار كان من مخض ارادتها؟ فمثل هذا الؤال الذي لابد ن نطرحه يبين لنا بالفعل الكيفية التي يوصل بها الأولياء الأفكار والتربية، فاذا كان ارتداه عن طريق الاقناع فهذا أمر جميل وللوالدين الحق في ذلك، اما ان كان عن طريق العنف والاكراه فهذا هو الظلم بعينه، ومن شأن مثل هذه التصرفات أن تنعكس على نفسية و شخصية الطفل مستقبلا، وهذا ما يؤدي الى تحلي الطفل أو الفتاة بسلوكات عنيفة وتصرفات تخرج عن سيطرتهم، وذلك انتقاما من الأولياء. وعن الاشكال الذي خلقه ارتداء الفتاة الصغيرة للحجاب في مجتمعنا الجزائري بين من يؤيد الفكرة ويرحب بها ويعتبرها دليل خير مازال موجودا في بناتنا، وبين من يعتبر ذلك اعتداء على الطفولة وحرمان للفتاة من حريتها، ترى المتحدثة ذاتها أن " ارتداء الحجاب ليس من يحرم الفتاة من عيش طفولتها، بل الطريقة التي جعلت الفتاة ترتدي هذا الحجاب ، فحتى حرمان الفتاة الصغيرة من ارتداءه رغم أنه كان من قرارها فهذا هو الالظلم والاعتداء الفعلي على الطفولة أيضا اجبار الفتاة على أمورلا تفهم فيها شيئا وليست معنية بها أصلا الى حد ما ". عندما يفتقد الأولياء الى ثقافة الرفق بالأبناء...براءة تنتهك وطفولة تغيّب كثيرة هي قصص الحياة، وكثيرة هي قصص التعسف التي يمارسها الأولياء يوميا على ابنائهم بصفة عامة و بناتهم بصفة خاصة، وان تعددت الأسباب في ذلك الا أن الضحية الوحيدة التي تدفع فاتورة الفهم الخاطئ للدين والتعصب للأفكار البعيدة عن واقعنا هم الأولاد دائما لأن لا حول لهم ولا قوة سوى أبناء فلان فلا بد أن يكونوا صورة طبق الأصل عن أحد الوالدين، فالأنسة حياة شاهد حي عن ابنة الجيران " مريم " التي لم تبلغ من العمر الا ثلاث سنوات، هذه الطفلة والتي لم تفهم من الدنيا شيئا ولم تكن تعي من الحجاب سوى تلك القطعة من القماش التي ترتديها كلما ارادت أن تقلد أمها عند الصلاة، لم تشفع لها حتى براءتها وطفولتها من ظلم والديها،اللذان اجبراها في مثل سنها على ارتداء الحجاب، وكان الأمر كذلك لأنه لا حول لها ولا قوة سوى أن تخبر والدتها، وصوت البراءة يصرخ داخلها أنه ورغم ارغامها على فعل شيء ليست معنية أو مجبرة على تنفيذه أصلا الا أنها عندا تكبر سوف تقوم بكل ما حرمها منه والدها وسيأتي يوم تنزع فيه الحجاب وتنزل الى الشارع كما تفعل باقي الفتيات. " خديجة " نموذج لبراءة فضلت الاحتشام ومن جانب آخر فقد كان لقصة خديجة صاحبة ال12 ربيعا، فصول حكاية أخرى لارتدائ الحجاب رغم صغر سنها، في البداية كان هذا القرار نابعا من ارادتها ومن اختيارها، فكان ذلك عندما لم يتجاوزعمرها ال9 سنوات لم يرغمها والداها أو يعترضا على الفكرة بل بالعكس فقد تركا لها حرية الاختيار والتصرف، لكن بالمقابل نبهاها الى أنه لا يمكن أن تتراجع عن الفكرة بعد ارتداءه، فاستمرت خديجة في فكرتها ودافعت عنها رغم الضغوطات التي تعرضت اليها من فبل صديقاتها أو جيرانها، الى أن جاء فصل الصيف الذيلم تستطع البراءة ولا النية الحسنة أن تواكبه فاترددت الفتاة بين نزعه أو التخلي عنه مؤقتا، لتقرر بعد ذلك التخلي عنه رغم رفض الوالدين، وبالمقابل - حسب ما تؤكده خديجة – لم يفعلا أي سيء ضدها في البداية رفضا الأمر لكن مع الوقت تفهما و تقبلا الفكرة خاصة وأنها صغيرة في السن وليست مكلفة به أصلا. فهذا القرار شجع خديجة على ارتداء الحجاب مرة ثانية، وهي لم تتعدى مرحلة المتوسطة، ولكن القرار هذه المرة كان عن طريق الاقتناع الشخصي بالفكرة.