"غياب التنسيق ونقص المختصين يحول دون التكفل الأمثل بالمرضى" "الوقاية من الأمراض النادرة تتطلب توصية جينية ومتابعة سريرية للعائلات" أوضح الدكتور مصطفى خياطي في حوار ل"المستقبل العربي"، أن الجزائر تسجل حوالي 30 مرضا نادرا في أوساط الأطفال على رأسها مرض "الفينيسيتونوريا"، وهذا على غرار أمراض أخرى لا علاج لها، كما ركز في تقييمه لإمكانيات ومجهودات قطاع الصحة في هذا الشأن، على مسألة غياب التنسيق، التي اعتبر أنها تحول دون التكفل الأمثل بهذه الحالات المرضية، خاصة في ظل غياب مختصين، داعيا إلى التزام التعليمات الوقائية في سبيل مواجهة هذه الأمراض. حاورته: حميدة بوعيشة · بداية ماذا نعني بالأمراض النادرة، وما هي نسبة تواجد هذه الأمراض لدى الأطفال في الجزائر؟ الأمراض النادرة التي تمس الأطفال، هي أمراض قليلة الظهور، تظهر بمعدل حالة واحدة في 15 أو 20 ألف ولادة، وبالتالي فقليلا أو نادرا ما نراها، كما أن هذه الأمراض تترافق غالبا مع وفاة مبكرة، فالطفل المصاب بمرض نادر قد لا يبلغ سوى بعض الأسابيع، أو الأشهر قبل أن يفارق الحياة، وفي الدول الأخرى يتم وضع قائمة تتضمن أنواع وترتيب هذه الأمراض الموجودة على مستوى هذه الدولة، لكن المشكل في الجزائر أنه ليس لدينا بعد قائمة للأمراض النادرة التي تمس الأطفال. وفيما يخص نسبتها ليس لدينا أرقام وإحصائيات دقيقة، عن نسبة الأمراض النادرة التي تطال الأطفال في الجزائر، لكن نستطيع القول بتسجيل حوالي 30 نوع من الأمراض النادرة لدى أطفالنا، منها بعض الأمراض التي تعد أكثر من نادرة، ومنها ما يمكن أن نقدم له علاج، خاصة تلك المتعلقة بخلل في الإنزيمات، أو تكدس بعض المواد على مستوى عضو معين، حيث يصبح لدى الطفل مشكل مع الغذاء، الذي يسبب له مضاعفات خطيرة بدل أن يفيده ويساعده على النمو، وفي هذه الحالة تحتاج إلى إتباع تعليمات غذائية معينة، كأسلوب علاجي، لكن هناك أمراض أخرى يصعب علاجها لأنه لا يوجد علاج لها في العالم، توجد فقط بعض الأمور التي تخفف عنهم معاناة المرض. ومن خلال الممارسة نجد أن المرض النادر "فينيسيتونوري"، من الأمراض الأكثر حضورا، حيث نراه بمعدل حالة إلى 3 حالات في السنة، وهي في الغالب تمس ذات العائلة، أي تظهر في نفس العائلة، إضافة إلى مرض "ميكوسيدوز" وهو مرض يستهدف إفرازات القصبات الهوائية والثكلة والتي لا تكون لديها نفس الجودة مما يؤدي إلى التصاق القصبات الهوائية ببعضها، وانغلاق المسالك التنفسية، ومن تم الوفاة. · كيف تقيمون الإمكانيات المادية والبشرية لقطاع الصحة في الجزائر من حيث قدرته على تشخيص هذه الأمراض، متابعتها، وعلاجها؟ قطاع الصحة في الجزائر من حيث العدد يمتلك الإمكانيات البشرية، لكن المشكل يكمن في النوعية، فنظرا لنقص التكوين في التخصصات الصغيرة، نلمس نقصا في المختصين في مثل هذه التخصصات، وفي الواقع نلمس اليوم نقصا في الكوادر البشرية حتى بالنسبة للتخصصات الكبيرة، فمثلا تعاني العديد من المستشفيات المفتوحة حديثا من نقص في مختصي مرض السرطان، كما هو الحال بالنسبة لمراكز علاج ومتابعة المدمنين، حيث هناك حاجة كبيرة لمختصين في المجال، رغم أن هذه التخصصات هي من التخصصات الكبيرة، فعلى العموم يوجد نقص لدى المستشفيات فيما يخص بعض التخصصات الدقيقة وحتى الكبيرة. أما عن المخابر فعدا عن مخبر مستشفى مصطفى باشا، يوجد أجهزة ومخابر بوهران وقسنطينة، وفي حوالي 7 أو 8 مستشفيات على مستوى التراب الوطني، لتشخيص مثل هذه الأمراض النادرة، والمشكل يكمن في نقص بعض الإمكانيات لتفعيل وتشغيل الأجهزة في هذه المخابر، فنحن مثلا في مستشفى "حسن بادي" لدينا جهاز يسمح بتشخيص مثل هذه الأمراض النادرة، لكننا ننتظر مند 9 أشهر بعض اللواحق التي تسمح لنا بتشغيله، والتي لم تصلنا إلى اليوم، فهذا النوع من الأجهزة المختصة موجود والذي ينقص فقط هو تشغيلها. · إذا تجاوزنا مشكل التشخيص، يعاني الأطفال المصابون بأمراض نادرة في الجزائر من مشكل آخر لا يقل خطورة، وهو توفير أدوية هذه الأمراض، كيف تقيمون المجهودات الدولة في هذا الشأن، مع العلم أن وزارة الصحة خصصت خلال السنة الجارية، غلافا ماليا قدر ب18 مليار دينار لتوفير الأدوية لفئة المصابين بالأمراض النادرة؟ بالنسبة للأمراض التي لديها أدوية فأغلبها مكلفة جدا، وسبب ذلك أن المخابر التي تصنع هذه الأدوية تبيعها بعدد قليل، ومن تم هي تبيعها بأسعار تضمن من خلالها هامشا للربح من جهة، وتعوضا للنفقات والمصاريف التي أنفقت على الدراسات والبحوث التي أجريت حول هذه الأمراض، وهذه المسألة تطرح إشكالا كبيرا فيما يخص توفير أدوية هذه الأمراض، فصيدليات المستشفيات تجد نفسها عاجزة عن التكفل بالمصابين بالأمراض النادرة، خاصة وأن بعضهم يحتاج إلى أدوية يقدر سعر العلبة الواحدة منها ب18 مليون سنتيم، بحيث يأخد علبة كل 10 أيام تقريبا، فعندما تتكفل صيدلية المستشفى بهذا المريض، تصل تكلفته في نهاية السنة إلى ما يعادل تكلفة ألف مريض آخر من مرضى المستشفى. وبالنسبة للدولة فمجهوداتها في هذا الإطار قائمة، لكن ينقصها أمر جد مهم وهو التنسيق، فيما يتعلق بتوفير الأدوية والتكفل بهذه الحالات، فإذا كانت صيدليات المستشفيات هي التي تطلب بنفسها الأدوية النادرة حسب الحاجة، سيكلفها ذلك ميزانية ضخمة، كما أن الأمور مبعثرة فيما يتعلق بالجهات المعنية بالتكفل بعلاج هذه الحالات، فعندما يأتينا مريض من ولاية معينة نشخص له المرض ثم نضطر للتكفل به لأنه إذا أرسلناه إلى ولايته سيستنزف كل ميزانية صيدلية المستشفى، ومن ثم فتوزيع ميزانية مثل التي رصدتها الوزارة على حوالي 500 مستشفى أمر صعب أيضا، ولا بد من تفكير آخر. · ما هي برأيكم الحلول المناسبة، في ظل هذه الوضعية؟ إن عائلات الأطفال المصابين بأمراض نادرة الآن مرهقون من كثرة السعي وراء هذا الدواء أو ذاك، من مستشفى إلى آخر، كما أنهم يجدون صعوبات جمة في ذلك ولا بد من وجود حلول مركزية، والحلول المقترحة فيما يتعلق بمسألة الأمراض النادرة التي تصيب الأطفال، في الجزائر، تتمحور –كما ذكرنا سابقا- حول مسألة التنسيق، فيجب أن تكون هناك لجنة على مستوى وزارة الصحة تقوم بالتنسيق على المستوى الوطني في هذا الإطار، وتقرر ما هو الأحسن بالنسبة للمريض، وعائلته، والمنظومة الصحية، وكذا الاقتصاد الوطني ككل، وتحدد هي قائمة الأدوية التي يجب شراؤها، لأنه إذا تم شراء كمية كبيرة سينقص الثمن بنسبة معتبرة، أما إذا تركنا المستشفى يطلب الأدوية النادرة ستكلفه العلبة الواحدة 2 إلى 3 أضعاف الثمن الذي بإمكان الشراء به، عندما يتم شراء كمية كبيرة. كما يشمل التنسيق أيضا تقسيم الأمراض النادرة إلى قسمين أو ثلاث أقسام، ومن تم تحدد مستشفيات، بحيث يكلف كل مستشفى بأحد أقسامها، من جميع الجوانب، ويكون هناك رصد مدروس للميزانية الموجهة لكل مستشفى، كما جرى بالنسبة لمتابعة الإيدز، حيث قررت الوزارة أن يكون مستشفى القطار هو المستشفى الوحيد المخول لمعالجة المرض، فهو يجمع المصابين بهذا المرض، ويعمل على التكفل بهم من جميع الجوانب، كالأدوية والمتابعة، وهنا تكون أكثر شفافية، وأكثر تنسيق. ومن جانب آخر بالنسبة للأمراض النادرة يجب أن تعالج بالرقابة، وفق ما ينص عليه قانون الأسرة في مسودته الجديدة، والذي يقضي بأن تخضع العائلات إلى كشف سريري ونصائح طبية في هذا المجال، خاصة التي لديها أمراض مدسوسة، وبالتالي إذا تابعت هذا الأمر ستتجنب العديد من المشاكل ولا تجد نفسها في هذه الدوامة بين معاناة الطفل، وعدم القدرة على توفير الدواء، وغيرها من المشاكل التي تنجر عن إصابة الطفل بمرض نادر. وبالنسبة للأمراض النادرة التي لا علاج لها، يجب أن تكون هناك ما يعرف "بالتوصية الجينية"، حيث وعندما تظهر حالة مرضية من هذا النوع، والتي تؤدي بالطفل إلى الهلاك، في عائلة معينة، يتم دراسة ومراقبة احتمال ظهور حالة أخرى لدى نفس الأم أو أمهات من نفس العائلة، وذلك لمتابعة هذه العائلة والقيام بعملية التشخيص أثناء بدايات الحمل، ومن تم إعطاء توصيات، ودراسة إمكانية اتخاذ قرار الإجهاض، وذلك خلال الثلاث أشهر. · هل للهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، التي تترأسونها دور أو إسهام في هذا الشأن؟ دورنا كهيئة لترقية الصحة وتطوير البحث، وكممثل للمجتمع المدني، هو تحسيس السلطات بمثل هذه الأمور، من خلال رصد بعض المشاكل، واقتراح بعض الحلول، التي نراها نحن ناجعة، وربما للوزارة رأي آخر باعتمادها على معايير أخرى، كما أننا نحاول أن نقدم بعض الحلول للأطفال المصابين بهذه الأمراض، فهناك أطفال تمكنا من أن نوفر لهم أدوية غير موجودة في السوق الجزائرية، وذلك بالتنسيق مع جمعيات وأطراف من فرنسا ودول أخرى، في إطار ما تسمح به إمكانياتنا وصلاحياتنا.