الحكمة لا تنحصر في تقدم السن فقط.. ولا حتى اكتساب الخبرات والتجارب فحسب. بل هي تكمن في صناعة الأفكار بطريقة صحيحة ومحكمة. فالحكمة هي أعلى مستوى يمكن الوصول إليه في حياتنا. وهي الذروة التي يصل إليها الإنسان عندما يثبت عقله على موجات التفكير الصائب الصحيح والمتوازن. وتتلخص أيضاً في ثبات الرأي على القرار الذي لا يمكن أن يكون قراراً بعده من حيث الصواب، فقد كان الحكماء منذ القديم هم الناس المثاليون الذين يشار إليهم بالتعقل والتوازن. ولكي نحقق هذه الحكمة المنشودة، يجب أن نركز كل تركيزنا على أن نكون مثاليين، وفي كل شيء، أقولاً، وأفعالاً، وتصرفاً. وعلينا أن نثبت عقولنا على موجات التفكير الصائب المتوازن كذلك، ونكون الأشخاص المثاليين أصحاب التفكير العالي في المعرفة والعلم.. فإذا أردنا اختصار الزمن، وأن نربح السنوات القادمة، فلنطالع أكبر عدد ممكن من الكتب، فعندما نتدبر الكتب ونتمعن فيها، فإننا بذلك نختزل الكم الهائل من الأزمنة الآتية.. إذن: إما أن نستهلك عمر مديد وطويلاً حتى نتعلم فن الحكمة وصناعة الفكر، أو أن نتمتع بقراءة الكتب لنختصر هذا الامتداد ونتعلم بسرعة. إن حكمة العقل وصناعة الأفكار: هي اكتساب العلم والمعرفة وفق ضوابط.. وأن نكون عادلين في أحكامنا وقراراتنا.. وأن نكون مصدر للخير.. وأساساً للحق ومنبع للفضيلة.. ومرجعاً لكل عمل إنساني شريف. إن الواقع الذي نعيشه الآن من صنع أفكارنا.. وكل شيء نراه الآن بأعيننا المجردة بدأ بحكمة العقل وصناعة الفكر، وأي إنجاز عظيم قام به الإنسان، انطلق من عقله عن طريق النشاط الذهني الذي يحدث في المخ ليتحول إلى مشاريع فكرية، أو مجسمات مادية بعدما كانت عبارة عن أفكار عديمة الشكل لتتحول إلى فنون ومؤلفات، وعلوم وآلات. فالطائرة - مثلاً - كانت مجرد فكرة قبل أن تشق طريقها في السماء، والمركبة الفضائية - أيضاً - كانت حلم بشري قبل سنوات من الزمن بعدما أصبحت الآن تغزو الفضاء، وكذلك السيارة والكمبيوتر وغير ذلك مما وصل إليه الإنسان من مبتكرات ووسائل مادية ومعنوية.. فمصدر كل ما يحيط بنا كان مجرد فكرة لتتطور في ما بعد وتأخذ شوط طويل من الوقت لتصبح في الأخير نتيجة محسوسة توفر لنا أهداف فردية أو غاية بشرية منشودة. إنها حكمة العقل التي تولد طاقة هائلة للوصول إلى أمنياتنا وأهدافنا.. إنها صناعة الأفكار التي تجسد المواد الخام العديمة الشكل الموجودة في أذهاننا.. إنه الإلهام البشري الذي لا يمكن لأي قوة في العالم أن توقفه في تحقيق الطموح المطلوب، إنها قدرة الخالق سبحانه الذي وضعها في الإنسان لتشع بعد ذلك على جميع الكائنات الأخرى.