لم تكن الشابة الأميركية ليسا غريفيس تعرف شيئا عن اللغة الفارسية ولكنها ما أن سمعت باستضافة مكتبة الكونغرس معرضا يخلد إنجازات الأدب الفارسي حتى سارعت إلى زيارته متنقلة بين أروقته بدهشة ومبدية إعجابها لما احتواه من كتب نادرة ومخطوطات ورسوم مضى على بعضها نحو ألف عام. ولفت نظر غريفيس جمالية الخط الذي كتبت به تلك المخطوطات والجهد الذي بُذل في تدوين تلك المجلدات من الكتب، قائلة في حديثها للجزيرة نت "أفكر في الوقت والجهد الذي قضاه هؤلاء في كتابة مثل هذه الكتب في تناقض صريح مع عصرنا الحاضر حيث أصبح كل شيء يعتمد على السرعة فعندما تريد الكتابة أو صناعة شيء فني يمكنك بسهولة استخدام برامج التكنولوجيا الحديثة". وتابعت بالقول إن "زيارتي للمعرض جعلتني أشعر بمدى التزام أولئك الناس الذين سبقونا بالكتابة والوقت الذي أمضوه في سبيلها لدرجة أن بعضهم ربما قضى حياته كلها في كتابة كتاب واحد". أدب ومخطوطات وكانت مكتبة الكونغرس قد افتتحت في ال27 مارس الماضي، معرضا يخلد إنجازات الأدب الفارسي على مدى عشرة قرون تحت عنوان "ألف عام للكتاب الفارسي". ويتضمن المعرض الذي سيستمر حتى 20 سبتمبر المقبل، 75 كتابا ومخطوطات ورسوما فارسية نادرة يعود تاريخها إلى عصر النهضة وتحكي قصة التطور الأدبي وتطور اللغة الفارسية من القرن العاشر إلى يومنا هذا. ويعد المعرض الأول من نوعه الذي تبرز فيه مؤسسة أميركية الأدب الفارسي على هذا النطاق، وهو ما أكده للجزيرة نت مسؤول "العالم الإيراني" بقسم الشرق الأوسط في مكتبة الكونغرس هيراد دنيوري، مضيفا أنه سبق أن أقيمت معارض أخرى في بعض المؤسسات الثقافية الأميركية، ولكنها تعاملت مع جوانب معينة في الثقافة الفارسية. وأشار دنيوري إلى أن المعرض يحتوي على مجموعة كتب كاملة وسلسلة أعمال مضى عليها نحو ألف سنة وتبدأ بكتاب مثل "الشاهنامه"، أو ما يعرف بكتاب الملوك، وصولا إلى الفترة الحديثة والمعاصرة، وهو ما يعد أمرا فريدا من نوعه على مستوى المؤسسات الثقافية الأميركية. وشدد المسؤول في مكتبة الكونغرس في بداية حديثه على أن المعرض ليس حول إيران أو الأدب الإيراني وإنما عن اللغة الفارسية التي قال إنها أكبر بكثير من إيران وكانت موجودة بشكل واسع في المنطقة ولا تزال تستخدم اليوم في ثلاثة بلدان هي إيرانوأفغانستان وطاجكستان. وأكد أن الهدف من استضافة معرض من هذا النوع في أكبر مكتبة أميركية هو عرض الإسهامات الثقافية للغة الفارسية على مدى القرون الماضية والإنجازات الأدبية القادمة من إيران وأكبر المناطق الناطقة بالفارسية، بالإضافة إلى إظهار أممية اللغة الفارسية وعالميتها وكيف كان استخدامها موجودا بالمنطقة من أقصى الشرق في الهند وحتى أقصى الغرب في الإمبراطورية العثمانية. وأضاف أن "المعرض أيضا يدلل على استمرارية الكلمة المكتوبة باعتبارها قوة ثقافية موحدة في الأراضي الناطقة بالفارسية". إيران نجحت خلال قرنين في إحياء الثقافة الفارسية وأقر دينوري بأن الكثير من الكتب المعروضة في المكتبة قادمة من إيران، وأن معظم النمو والتطور في اللغة الفارسية خلال مائتي سنة الماضية حدث في إيران، لكنه أشار إلى أنه بالنظر للمعرض حيث بدأت اللغة الفارسية قبل نحو ألف سنة يظهر أن شعر الشاهنامه والشعراء العظماء قد جاؤوا من مناطق تسمى حاليا أفغانستان ومناطق أخرى في وسط آسيا وشرق أوروبا. أما بشأن محتويات المعرض، فأوضح دينوري أنه يضم كتبا متعددة تسلط الضوء على نظام الكتابة الفارسية قديما ومراحل تطورها، كما يشمل كتبا ومخطوطات تغطي الألف سنة الماضية في مجالات مختلفة من بينها الأدب والشعر والتاريخ والدين والعلوم. ويحتوي القسم الأدبي على كتب نادرة في الشعر الكلاسيكي الفارسي لشعراء كبار كجلال الدين الرومي وعمر الخيام وحافظ الشيرازي. كما يضم المعرض كتباً أخرى لشعراء من القرنيين الثامن والتاسع عشر ومن أبرزهم ميرزا غالب ومحمد إقبال. ويشير المسؤول في مكتبة الكونغرس إلى وجود قسم خاص بالكتابات النسوية، قائلاً "لدينا قسم خاص بالمرأة لأننا في الغرب نعتقد أن المرأة كانت غائبة، ويتضمن القسم كتبا لكاتبات من إيرانوأفغانستان وطاجكستان، ويعود تاريخ هذه الكتب لمراحل متنوعة منذ القرن العاشر وحتى وقتنا الحاضر".