وهو التميمي البلخي، يكنى أبو إسحاق، عالم مشهور، وزاهد بامتياز، انتهى عنده العلم، وتميز بالعبادة والورع والجهاد، فاق كل العلماء في وقته، وذلك باعترافهم. وكان صاحب حجة ودليل، لم تعرف أمة الإسلام مثله في طلب العلم والمعرفة، ولم تنجب أرض العرب توأم يشبهه في علو الهمة وقوة النفس. ذكره أغلب أصحاب السير والتراجم في كتبهم، ودوِّن في صفحات التاريخ بماء الذهب، وتحدث عنه المؤرخون في كل أقطار العالم. ولقد صنفه، خير الدين في الأعلام، وقال أن أبوه كان من أهل الغنى في بلخ، فتفقه ورحل إلى بغداد، وجال في العراق، والشام، والحجاز. وأخذ عن كثير من علماء الأقطار في العالم الإسلامي. وكان يعيش من العمل بالحصاد، وحفظ البساتين، والحمل، والطحن. ومع هذا كله فقد كان يشترك مع الغزاة في قتال الروم. ويحكى عن مواقفه العجيبة أن جاءه إلى المصيصة من أرض، كيليكيا، عبد لأبيه يحمل إليه عشرة آلاف درهم ويخبره أن أباه قد مات في بلخ وخلف له مالاً عظيماً، فأعتق العبد ووهبه الدراهم، ولم يعبأ بمال أبيه، وكان يصوم في السفر والإقامة.