المحدث الشيخ عبد الرّحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر، أبو القاسم الوهراني الهمذاني. وُلد في سنة 833 ه بمدينة وهران، وبها كانت نشأته الأولى، حيث تعلَّم علوم العربية وحفظ القرآن الكريم وقليلا من الفقه والحديث الشّريف، ثمّ انتقلت أسرته إلى الأندلس لتستقر بمدينة بَجانَة حيث واصل تعليمه على يد شيوخها. كان والده يأخذه معه ليساعده في مهنة الخرازة والتجارة، كما كان ينتقل معه في بعض رحلاته التجارية إلى قرطبة والمرية وغيرها من مدن الأندلس، فكان يستغل هذه السفريات في الجلوس والاستماع إلى العلماء والشيوخ، وحبَّب الله إليه علم الحديث فأكبّ عليه منذ صغره حتّى غلب عليه وتوغّل فيه وصار لا يعرف إلاّ به. فبعد أن نهل العلم من علماء بلدته والمدن المحيطة، انتقل أوّلا إلى تونسالقيروان تحديدًا، ومنها إلى مصر، ثمّ اتّجه بعدها إلى الحجاز، حيث أدّى فريضة الحج وسمع من الشيوخ والمحدثين الذين التقاهم هناك، وبعد إقامة قصيرة في الحجاز، سافر إلى العراق حيث أقام ببغداد والبصرة وأخذ عن القاضي أبي بكر الأبْهُري إمام أصحابه في المذهب المالكي ببغداد وطائفة من المحدثين وفقهاء المالكية البصريين، ثمّ انتقل إلى مَرْو ومنها إلى بَلْخ ثمّ إلى أقصى خراسان والجبل لسماع كتب الصِّحاح من علمائها، وكان لا ينسى نصيبه من الدنيا، فتراه يشتغل بتجارة القماش والجلود وهي الحرفة التي تعلّمها من والده ببلدة بجانة. وعاد إلى بلده بعد رحلة علم دامت أكثر من عشرين سنة، ليستقر في بجانة يشتغل بالتجارة، ويعقد مجالس العلم والإملاء، وقد شاع اسمه وذاع وانتشر في ربوع الأندلس وبلاد المغرب، فقصده العلماء والمحدثون وطلبة العلم من كافة الأقطار وتزاحموا على مجالسه واستفاد منه خلق كثير، منهم الحافظ شيخ الإسلام ابن عبد البر.