كلنا يطلب أن يكون شيئا في الحياة،و بعضنا يطلب من الحياة كل شيء و القناعة و إن كانت من الكنوز التي لا تفنى إلا أنها خفيفة الأثر عند الكثيرين منا ، و من تقبلها في بعض الأحيان تقبلها مكرها و لو خير لاختار غيرها ،و الضعف البشري نفسه و رغبة الناس في السكوت عن حرياتهم و حقوقهم من الأسباب التي تدفع غيرهم لاغتصابها و استثمارها ،فالمتجول في بعض مناطق الوطن يلاحظ أن هناك إهمال كبير و عدم اهتمام بالجانب الإنساني حتى يظن الزائر لتلك المناطق أنها غير منتمية لا اقتصاديا و لا سياسيا و لا اجتماعيا لدولتنا ، و لم تذق طعم الاستقلال بعد ،كما يلتمس نوعا من التهميش و إتباع سياسة –إخدم وين يشوف أحمد- أي أين يمر المسؤول فقط،حيث تجد الجدية في متابعة سير الأعمال و الأشغال عند زيارة مسؤول سام في الدولة أو وزير و طاقمه ،هذا الفيروس القاتل و المفكك لكيان الدولة أصبح منتشرا بكثرة في أيامنا بسبب انعدام الضمير المهني و كذا الضغوط الاجتماعية التي تدفع بالكثير إلى إتباع قرارت المسؤولين خوفا من ذهاب –الخبزة- و حفاظا على لقمة العيش ،و يبقى المواطن البسيط ينتظر التفاتة و لو بسيطة من طرف السلطات ليس لبناء فيلات أو شراء سيارات ،و لكن لتوفير بيت يليق بسمعة دولتنا التي تزخر بثروات تحسد عليها من طرف دول أخرى. دوار سيدي لكحل ببلدية المخاطرية ..تنمية غائبة و عزلة مفروضة وجهتنا كانت إلى دوار سيدي لكحل ببلدية المخاطرية الواقع بالجهة الشمالية تحت جبال الظهرة بولاية عين الدفلى ، أين أعرب قاطنوه عن تذمرهم و استيائهم الشديدين من غياب الدولة في المناطق النائية المعزولة و اهتمامهم بعواصم الولايات و ما جاورها من المدن و القرى القريبة أما المناطق المعزولة حجتهم فيها أن الميزانية غير كافية لاحتواء المشاكل أو أن التضاريس صعبة ،و هذا غير صحيح و إذا كان صحيح فكيف تصرف الأموال الباهظة على الحفلات و المنتديات الغير نافعة و السهرات الفنية و بعدها يأتي المسؤولون و يصرحون أن البلاد تعاني من نزيف اقتصادي ،أيعقل هذا في بلد الخيرات حتى أن هناك مسؤولا إيطاليا اندهش من الحراقة الجزائريين مخاطبا إياهم أن دولة الجزائر تصدر لنا الغاز و البترول و هي أغنى منا بخيراتها فكيف لكم بالهجرة الغير الشرعية من بلادكم المليئة بالخيرات و الأرزاق؟، إلى جانب هذا تضيف يعيش السكان عزلة مفروضة بسبب اهتراء الطريق الذي يربط دوارهم بمقر البلدية على مسافة 15 كلم ويعتبر الطريق الوحيد والرئيسي للسكان الذي يتميز بمنعرجات ومنحدرات جد خطيرة وهذا بعد أن تعرض العديد من المواطنين إلى حوادث منها المميتة. أما من المشاكل العويصة التي يعانيها المتمدرسون بهذا الدوار وهو تنقلاتهم عبر البلديات المجاورة لمزاولة دراستهم بالطور الإكمالي كون الدوار يفتقر إلى مدارس، رغم أن عدد التلاميذ يبلغ 400 تلميذ حيث يواجهون صعوبة في التنقل للالتحاق بمقاعد الدراسة وتأخرهم عن مواقيت الامتحانات بسبب بعد المسافة. أما في المجال الصحي، يقطع هؤلاء مسافات طويلة لمواصلة العلاج وخاصة منها الأوبئة المستعصية. رغم الملايير المرصودة لمكافحة الأمية...أطفال في 2013 محرومون من التعليم إن مفهوم الفقر يدل على وجود أوضاع وظروف معيشية لفئات اجتماعية، وهي أوضاع تتسمم بالحرمان على مستويات مختلفة، غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر، و التي تصف الفقراء بأنهم أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، إضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى مثل الرعاية الصحية والمواصلات والتعليم، من جهة أخرى تركز بعض مفاهيم الفقر على أشكال مختلفة من الحرمان، وتشمل أشكال الحرمان الفسيولوجية والاجتماعية، الأولى تتمثل في انخفاض الدخل أو انعدامه والغذاء والملبس والمسكن، ومن هنا فهي تشمل فقراء الدخل وفقراء الحاجات الأساسية، أما الحرمان الاجتماعي فهو مرتبط بالتباينات الهيكلية المختلفة كالائتمان، الأرض، البنى التحتية المختلفة، وحتى الأملاك العامة المشتركة، إضافة إلى عدم تمكن الفقراء من الاستفادة من الأصول الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية، فبعد نصف قرن من الاستقلال وتقرير المصير لازال زحف الأمية مستمرا في عدد كبير من القرى والمداشر وحتى المدن الجزائرية، ولازالت نسبة الأميين في تزايد مخيف ومقلق رغم الملايير التي رصدتها الدولة لمكافحة الظاهرة،إلا أن الواقع يثبت أنه لا يزال فيروس الأمية القاتل يجتاح قرى و مداشر البلاد ،هذا ما استطلعنا عليه خلال جولتنا في دوار سيدي لكحل بالمخاطرية أين التقينا بعمي سعيد صاحب ال61 سنة عامل يومي منذ أن كان عمره 12 سنة و هو يعيل أسرة بكاملها متكونة من 11 طفل حيث يحكي لنا مأساته مع الزمن و يقول -..إنني أعيش في هذا البيت الترابي منذ الصغر و كبرت فيه و كبر أبنائي و ترعرعوا فيه ،و كما ترون لا يوجد به لا سقف متين و لا أجور فهو مبني بالتراب و الطين ،و يضيف..ليس لي مدخول ثابت أسترزق به فلقد كنت أعمل حمالا لدى الخواص و عندما أتحصل على قوتي اليومي الذي لا يتجاوز 400دج أشتري به المستلزمات الضرورية فقط ،أما مصاريف العلاج فهناك ناس الخير الذين يساعدوني كثيرا ،و عن مصاريف التعليم يقول سعيد أنه لا يستطيع توفير لوازم التعليم لأبنائه بسبب الفقر الذي بات كابوسا يهدد حياتنا بين الفينة و الأخرى ،و يبقى المستوى الابتدائي هو أعلى مستوى لدى عمي سعيد لأن أبناؤه لم يتجاوزوا المستوى السالف الذكر فكلهم توقفوا ، عند ذلك المستوى بسبب الفقر و عدم استطاعة والدهم التكفل بلوازم الدراسة ،و نحن نتحدث مع عمي السعيد لفت انتباهنا ابنه صاحب ال11 سنة أين سألناه حول مستواه التعليمي فأجابنا بنوع من الحزن أنه لم يتذوق حلاوة التعليم بعد ،و يحب أن يكون مع أقرانه في المدرسة إلا أن أباه رفض إدخاله المدرسة متحججا بعدم القدرة على التكفل بمستلزماته المدرسية و المشكل ليس له دخل يومي فكل يوم هو في شأن ،و حول هذا أجابنا نفساني أن العنف و العدوانية للطفل تبدأ في هذه المرحلة حين يستسلم لظروف اجتماعية قاهرة تجعله يرى نفسه غريبا عن المجتمع و بالتالي ينشأ محملا بمكبوتات و كارها لمن ساهم في ظروفه القاهرة فلا بد من إيجاد حلول مستعجلة للأمر قبل فوات الأوان لأن جيل اليوم هو ثمرة المستقبل. 8 ألاف دج تعيل عائلة متكونة من 11 فردا التقينا بمحمد صاحب الستين سنة عند بيته المبني بالتراب يمشي بخطوات متباطئة ،فأردنا الاستفسار حول السبب ،فقال .-..إنني أعاني من هذا المشكل في قدماي منذ سنة 1994 حينما كنت أعمل مع مقاول في البليدة ،و كنا نتنقل دائما من عين الدفلى إلى البليدة و ذات يوم وقع لنا حادث مروري توفي إثره السائق و أصبت بكسور في قدماي دخلت على إثرها إلى المستشفى و أجريت لي عملية جراحية مستعجلة ،أين انتهت بعاهة مستديمة و مراقبة طبية لا أستطيع التكفل بمصاريفها و منذ ذلك الوقت و أنا أتقاضى منحة الحادث 8 ألاف دج إلى حد اليوم،كما أنني أعيل 11 فردا لا أستطيع التكفل بمتطلباتهم اليومية فهناك رحمة الله ثم يأتي المحسنون بصدقاتهم ،ثم يضيف نحن معزولون والدولة غائبة لأننا نحس بالفروقات الظاهرة ،فكيف يطلب مني دفع مبلغ 25 مليون سنتيم لإجراء العملية على قدمي و أنا لا أملك قوت يومي ، أيعقل هذا ؟،و يوجه سؤالا في السياق ذاته للمسؤولين عن شؤون الدولة -..هل نحن أبناء هذا الوطن أم غرباء عنه؟ ، فاليوم نرى أن خيرات بلادنا يستثمر فيها الأجانب و نحن نتفرج عليهم و ننتظر إنتاجهم ،من جهتهم طالب قاطنو الدوار من السلطات المعنية إنتشالهم من الوضع المزري الذي يعيشونه في ظل الأزمات الطبيعية و الظروف القاهرة.