لم يجد الوافدون الصينيون إلى مختلف دول العالم السهولة والتآلف وسرعة التأقلم والتكيف مثلما وجدوها في الجزائر التي أصبحت تحصي اليوم أكثر من 35 ألف رعية صينية حسب الأرقام الرسمية وأكثر من 50 ألف رعية حسب الأرقام غير الرسمية التي تتحدث عن وجود أعداد هائلة منهم يعيشون بطرق غير شرعية لم يشملها الإحصاء العام للسكن والسكان في 2008 الذي خصص جزءا هاما من ميزانيته لإحصاء وتحديد الجاليات المقيمة في البلاد والغريب أن هذه الجالية أصبحت منظمة وتعكف حاليا على تلقين اللغة الصينية وعادات وتقاليد حضارة التنين الأحمر في خطة استراتيجية محكمة لضمان الاستقرار على المدى الطويل . وحسب العديد من المختصين في شؤون الديموغرافيا والاقتصاد الجغرافي فإن محفزات الإقامة وسهولة اندماج والحركية الاقتصادية وتسارع النمو شجعت أعدادا إضافية من الجالية الصينية للمغادرة نحوالجزائر رغم المسافة البعيدة بين البلدين والتي تقدر بأكثر من 9 آلاف كلم جوا وهي محفزات لم يجدوها في العديد من الدول حتى دول الجنوب الشرقي من القارة الأسيوية نفسها الأمر الذي حفزهم على تنظيم أنفسهم أكثر والتطلع الى المستقبل ضمن خطة استراتيجية مضبوطة تمكنهم من الاستقرار وضمان مكانة للوافدين اللاحقين خلال العشريتين المقبلتين . وحسب المعطيات والأرقام التي تضمنتها مختلف الدراسات المسحية التي أجريت في البلاد من طرف مكاتب الدراسات والإحصاء الجزائرية أوالأجنبية منذ سنة 1999 وهوتاريخ بداية النزوح الصيني نحوالجزائر وتفاقمه أكثر خلال السنتين التاليتين 2000 و2001 بعد إعلان استقدام اليد العاملة الصينية من طرف الشركات التي فازت بالعديد من مشاريع البناء والإنجاز خلال نفس الفترة على غرار المشاريع السكنية لوكالة "عدل" وورشات الطريق السيار "شرق –غرب" والمشاريع الطاقوية التي تباشرها الشركات الصينية مع شركائها في الجنوب الكبير فإن الفرق الذي يميز الجالية الصينية عن غيرها من الجاليات الأخرى خصوصا الإفريقية والعربية هي روح التلاحم والتعاون، حيث تشير ذات الدراسات أن أكثر من 40 بالمائة من الرعايا الصينيين الذين دخلوا الجزائر بعد سنة 2003 حتى اليوم يتبعون طريقة " الإشهار من الفم إلى الأذن " DE BOUCHE A L OREILLE " بمعنى أن الصينيين الذين يغادرون الجزائر خلال إجازاتهم المهنية يستقدمون معهم رعايا آخرين من مواطنيهم إلى الجزائر. وجدير بالذكر أن الجالية الصينية المقيمة في البلاد تتضمن صفوة مثقفة مثل الدكاترة والأطباء والأساتذة الجامعيين والمهندسين والتقنيين في مختلف النشاطات الاقتصادية والعلمية تمكنوا وفي ظرف وجيز من ضمان مكانة لهم في البلاد. ويبدو أن هذه الصفوة شدت بزمام المبادرة وقررت الاستثمار في اللغة لأنها السبيل الوحيد الذي يتيح لهم وللجزائريين من سرعة التأقلم والتكيف حيث بدأت العديد من مدارس تعليم اللغات في تلقين اللغة الصينية للجزائريين تحت إشراف أساتذة صينيين الذين يعتقدون أن لا مستقبل دائم لهم في البلاد إن لم يؤسسوا لثقافة صينية ونشر لغتهم إلى أبعد رقعة. وتصنف الجالية الصينية في الجزائر كأكبر جالية في الوطن العربي وهي تمارس مختلف النشاطات الاقتصادية، كما أن تعداد الشركات الصينية في البلاد -حسب المركز الوطني للسجل التجاري –قفز من 12 شركة سنة 1998 إلى 567 شركة في 2009، منها 220 تنشط في مجال التصدير والاستيراد، مقابل 164 شركة تنتج محليا ، أما البقية فتنشط في قطاعات مختلفة كالخدمات والحرف. وحسب العديد من متتبعي ملفات الجاليات الأجنبية في البلاد فإن الصينيين هم الرعايا الوحيدون الذي تمكنوا من اكتساب وتعلم اللغة العربية حيث أصبحوا يتعاملون مع نظرائهم الجزائريين بلسان عربي طلق.